مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

فوز ناقص لجبهة التحرير

يرى البعض أن تعدد المواعيد الإنتخابية في الجزائر قد يساهم بشكل أو بآخر في المساعدة على خروج البلد من أزمته السياسية والأمنية المستفحلة Keystone

رغم الفوز الظاهر لحزب جبهة التحرير الوطني في الانتخابات المحلية الجزائرية، إلا أن تقدمها في رئاسة البلديات لا يعني سيطرتها عليها.

فجبهة التحرير لا تملك الأغلبية في كل المجالس التي فازت فيها، وهي مجبرة على التعامل بشكل أو بآخر مع باقي التشكيلات السياسية.

أظهرت نتائج الانتخابات البلدية أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد أجبر الإدارة الجزائرية على الحياد المطلق خلال فرز أصوات الناخبين، الأمر الذي أدى إلى انتخابات هي أقرب إلى ما هو معروف في الغرب، على ما هو مُتعود عليه في المنطقة العربية.

وفي نفس الوقت، نتج عن حياد الإدارة الذي أمر به الرئيس الجزائري وضعا لم تتعود عليه الطبقة السياسية، لأنها ستكون مجبرة على التعايش مع بعضها البعض خلال خمس سنوات كاملة.

ولقائل أن يقول، أن جبهة التحرير الوطني، أكبر أحزاب البرلمان، و الحزب الحاكم خلال الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي، يملك إدارة أغلبية البلديات الجزائرية، التي يُقدر عددها بحوالي 670 بلدية؛ وهذا أمر صحيح في حد ذاته. لكن الإدارة لا تعني القيادة المطلقة بل وجوب التعامل مع بقية الفائزين، لأنهم وإن كانوا متفرقين، فإن المقاعد التي فازوا بها أكثر عددا من مقاعد جبهة التحرير الوطني.

وهذا يعني أن جبهة التحرير الوطني، عادت إلى الواجهة ولكن الجو السياسي تغير كثيرا عما كان عليه الأمر في الستينات والسبعينات، عندما كانت الحزب الحاكم الوحيد، وهو عين ما أراد الرئيس الجزائري تحقيقه.

في انتظار 2004!

هذه الشفافية، يقول عنها البعض، أنها مرتبطة أساسا برغبة الرئيس في الترشح لعهدة رئاسية ثانية، وليبعث رسالة إلى الجميع مؤداها أنه الوحيد الذي يضمن شفافية من النوع الذي ساد الانتخابات البلدية الأخيرة.

وقد تزامنت هذه الانتخابات مع وضع سيئ جدا في بلاد القبائل، اتسم بالاشتباكات مع قوات الأمن، وحرق البلديات، ومنع المواطنين من التصويت في حوالي نصف البلديات القبائلية التي تغلب فيها معارضو إجراء الانتخابات البلدية على المؤيدين لتنظيمها من حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي يتزعمه حسين آيت أحمد.

وقد فاز حزب جبهة القوى الاشتراكية بكل البلديات القبائلية التي نُظمت فيها انتخابات، بالإضافة إلى بلديات أخرى كثيرة في مختلف أنحاء البلاد، وهي ليست قبائلية على الإطلاق وإنما أيدت الأغلبية فيها آيت أحمد، بسبب توجهاته العمالية اليسارية.

وعلى عكس ما توقع الكثيرون، نجح آيت أحمد في كسر الطوق الذي فُرض عليه في منطقة القبائل، من طرف من يصفهم بالراغبين في الانفصال عن الجزائر لأسباب عرقية مقيتة، وتأكد أن الرئاسة أحسنت صنعا بتعاونها مع حزب آيت أحمد، لأنه جنبها كارثة انتخابية، رغم أن نصف بلديات القبائل اليوم بدون مجالس منتخبة وتعيش فراغا قانونيا مرعبا، قال عنه وزير الداخلية يزيد زرهوني إن وزارة العدل تنظر فيه.

أما الوضع في بلاد القبائل بعد الانتخابات، فهو لغز محير لا جواب له، حيث أكد وزير الداخلية للصحافيين بشأنه أن سياسة الحكومة تجاه القبائل المعارضين، ويُسمون “بالعروشية”، تتمثل في: “تجاهلهم” والقبول بحوار القبائل الممثلين سياسيا، ويُقصد بهم في هذه الحالة جبهة القوى الاشتراكية.

حضور قوي للتيار الإسلامي

في المقابل، سجلت هذه البلديات عودة هائلة لحركة الإصلاح الإسلامية التي يتزعمها الشيخ عبد الله جاب الله، الذي أعطى صورة جديدة لدور التيار الإسلامي في الجزائر. فحل حزبه في المركز الثالث في البلديات وفي المركز الثاني في انتخابات مجالس الولايات أي مجالس الأقاليم.

وبذلك، يتأكد أن التيار الإسلامي في الجزائر حاضر دوما في المراكز الثلاثة الأولى، وليتأكد أيضا أن السلطات الجزائرية تعترف بهذا المعطى الذي أضحى مألوفا، مع أنها لا تود أن يكبر حجمه ويتعدى نسبة 25% خلال كل عملية تصويت أو انتخاب.

أما ما يجب الإشارة إليه، فهو حنق التيارات المعادية للتيار الإسلامي على الشيخ عبد الله جاب الله زعيم حركة الإصلاح، لأنه متهم بإيوائه لكل أصوات المناضلين والمؤيدين للجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة.

لكن وعلى عكس النتائج الإيجابية للشيخ عبد الله جاب الله، خسرت حركة مجتمع السلم الإسلامية التي يتزعمها الشيخ محفوظ النحناح أغلب البلديات التي كانت تُسيرها. وترجع هذه الخسارة، برأي المراقبين، إلى ميل المؤيدين للتيار الإسلامي، إلى الشيخ عبدالله جاب الله، لأنه يُكرس برأيهم معارضة الإسلاميين للنظام، عكس الشيخ محفوظ النحناح المتهم من قبلهم بأنه لم يُدافع بالشكل الكافي عن الجبهة الإسلامية وشيوخها المسجونين منذ اثني عشر عاما.

خاسرون .. وغائبون

الخاسرون في هذه البلديات كثيرون، بدءا بثاني أحزاب البرلمان، التجمع الوطني الديموقراطي، ووصولا إلى أصغر الأحزاب السياسية، التي حصلت على أقل من خمسة في المائة من الأصوات المعبر عنها، وهي تتجه نحو حظرها من العمل السياسي، بسبب استهلاكها لميزانية الدولة دون أن يكون لها ثقل سياسي معتبر، وتعرف في الاصطلاح الجزائري بـ”الأحزاب المجهرية”.

أما التجمع الوطني الديموقراطي، فقد خسر رهان دعم الإدارة له، علما أنه أول وأهم حزب متهم باحتراف التزوير من بين جميع الأحزاب السياسية؛ ولأن زعيم الحزب أحمد أويحي لم يُفلح في تحويل كتلته الانتخابية إلى مناضلين في حزب سياسي يملك أفكارا تجلب مناضلين جدد.

فأغلب المنضوين تحت لوائه هم من عائلات ضحايا الإرهاب، وفرق الحرس البلدي والمقاومين المحليين ضد الجماعات المسلحة. وأهم ما يريده هؤلاء،التعويضات المالية، واعتراف السلطات لهم بمرتبة تُشبه المقاتلين في الحروب الوطنية الكلاسيكية، وهو أمر مستحيل لن يقبل به رئيس جزائري يهمه دعم جمعيات عائلات مجاهدي وشهداء ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي.

هذا بالإضافة إلى أن مطالب أغلب المنتمين إلى التجمع الوطني الديموقراطي وعد بتحقيقها المستقلون، الذين حصلوا على نتائج لا بأس بها واعتمدوا على الولاء القبلي والعائلي، خاصة في المناطق الداخلية من البلاد.

الغائــبـون

أخيرا، كشفت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات البلدية لامبالاة نصف الجزائريين بالانتخابات ونتائجها، وهذا أمر قد يوصف بالكارثة لأن فرصة أخرى ضاعت على الكثير من الجزائريين الذين كان بإمكانهم تغيير موازين القوى.

فجبهة التحرير الوطني، لم تحصل إلا على مليونين من أصوات الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات، ويُقدر عددهم بثمانية ملايين، بمعنى أن ستة ملايين مصوت لا يتفقون مع جبهة التحرير من الاساس.

ثم ماذا عن الذين مكثوا في بيوتهم؟ ماذا لو خرجوا وصوتوا؟. أغلب الظن أن البعض يقول “سيؤيدون حزبا غير جبهة التحرير الوطني”، ولكن أي حزب؟. جواب لو عُرف بالفعل، لكان الحديث الآن ليس على جبهة التحرير والرئيس الجزائري، بل على جزائر لا تُشبه البلد الذي نعرفه الآن.

هيثم رباني – الجزائر

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية