مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في المنظمة العالمية للملكية الفكرية: أزمة ثقة أم تعارض مصالح؟

مقر المنظمة العالمية للملكية الفكرية في جنيف Keystone Archive

تعرف المنظمة العالمية للملكية الفكرية أزمة قد تؤدي إلى إضعافها، لأسباب متعددة من بينها الخلاف القائم بين بعض الدول الغربية والمدير العام الحالي السوداني كامل إدريس بخصوص "سوء الإدارة".

الخلاف القائم يشمل أيضا قطاعات جوهرية في نشاطها وتحول الى مواجهة بين بلدان الشمال والجنوب حول عدة ملفات من بينها مقترح يدعو إلى تخفيض رسوم تسجيل البراءات بنسبة 15% ومسألة توظيف بعض المتعاونين من بلدان الجنوب.

لفترة طويلة، كانت المنظمة العالمية للملكية الفكرية تعتبر مفخرة المنظمات الدولية التي تتخذ من جنيف مقرا لها، نظرا لما حققته من تطور وتميزت به من حسن إدارة وعافية مالية تغنيها عما تعرفه العديد من المنظمات الدولية من ضيق في الموارد والميزانيات، لكنها تمر منذ عامين بحالة من الإضطراب قد تؤدي إلى عرقلة نشاطها بشكل كبير.

في هذا السياق، لم تتمكن الجمعية السنوية الثالثة والأربعون للمنظمة التي اختتمت أشغالها يوم 4 أكتوبر من المصادقة على ميزانيتها المقترحة لعامي 2008 و 2009.

فقدان الثقة في المدير!

بعد الإتهامات التي وجهت للسيد كامل إدريس (سوداني الجنسية)، المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية بتزوير تاريخ ميلاده لكي يتمكن من تولي إدارة المنظمة لفترة ثالثة، جاء تقرير شركة المحاسبة المستقلة “برايس ووترهاوس كوبرس” ليضيف مآخذ أخرى يلوح بها خصوم السيد كامل إدريس لتأكيد فقدان الثقة فيه.

ففيما يتعلق باتهام تزوير تاريخ الميلاد، أفاد التقرير أن السيد كامل إدريس – الذي تنتهي فترته الحالية في عام 2009 – قد قام بإجراءات لتغيير تاريخ ميلاده من 1945 الى 1954، بغرض تمكينه من استمراره لدورة ثالثة على رأس المنظمة.

إضافة إلى ذلك، توصل التقرير إلى وجود نواقص في عملية تسيير المنظمة تجسدت بالخصوص في افتقار مسؤولين تم توظيفهم في الفترة الفاصلة ما بين عامي 2001 و 2002 للكفاءة والخبرة، وهو ما أطلق عليه البعض عبارة “توظيف أبناء السفراء والمقربين بغرض الحصول على الدعم”.

كما اعتبر تقرير شركة المحاسبة أن المنظمة انتدبت عددا يفوق احتياجاتها من الموظفين وأوصى بإلغاء حوالي 200 وظيفة، أي ربع مجموع الموظفين الحاليين.

تباين في كيفية معالجة موضوع الثقة

في الوقت الذي أصرت فيه الولايات المتحدة ومعها عدد من الدول الغربية ومن ضمنها سويسرا، على مطالبة السيد كامل إدريس بتقديم شروح حول ما تم، امتنع هذا الأخير لحد الآن عن ذلك.

وقد أدى إصرار الدول الغربية على طرح موضوع التقرير ضمن نقاش الدورة الأخيرة للجمعية السنوية، إلى تعطيل افتتاحها كما تسبب في اختتام أشغالها بدون المصادقة على ميزانية المنظمة للعامين القادمين.

وامام هذا التأزم، هددت واشنطن على لسان سفيرها بعرقلة المصادقة على ميزانية المنظمة وهو ما حدث بالفعل، كما لوحت الولايات المتحدة بإمكانية الانسحاب من المنظمة عل غرار ما قامت به في منظمة اليونسكو في السبعينات ابان مناقشة نظام إعلام عادل.

كما أوضحت سويسرا على لسان وزارة خارجيتها بأن “المدير العام يجب أن يُحاسب على طريقة تسييره”، وطالبت بضرورة احترام طريقة التسيير في المنظمة لـ “مبادئ النزاهة والشفافية والمصداقية والنجاعة”.

سكرتارية المنظمة وجهت من جهتها رسالة للبلدان الأعضاء تفند فيها كل الادعاءات والشائعات المروجة منذ ثلاث سنوات جاء فيها أنه “فيما يتعلق بسن المدير العام، فقد ولد سنة 1954 لا سنة 1945. وفي سنة 2006، أجرى المدير العام، بمبادرة منه، تصويب تاريخ ميلاده في السجلات الرسمية لضمان ألا يحصل على أية فوائد من خطأ عند مغادرته للمنظمة في 2009” .

أما مجموعة الدول الإفريقية في المنظمة (ومعها المجموعة الإسلامية) فترى أن مسألة الثقة في المدير العام يجب أن تعالج من قبل محفل قانوني متخصص. وأشار السفير الجزائري، الناطق باسم المجموعة الإفريقية بأن “الأمر لا يتعلق بمناصرة صديق بل فقط أننا ليست لدينا الصلاحية للفصل في هذه القضية لأن الأمر يتطلب احترام القانون واحترام تمتع المتهم بالبراءة إلى أن يثبت العكس”.

وفيما أكد السفير الجزائري على ضرورة أن “لا يُفهم موقفه خطأ”، أوضح بأنه لا يمكن عزل مدير عام لمنظمة دولية بمثل هذه السهولة، وذكر بتحالف بعض الدول الغربية من أجل عزل مدير منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وهو الإجراء الذي قضت محكمة منظمة العمل الدولية لاحقا بأنه كان خاطئا.

دوافع أخرى وراء التأزم

التأزم الذي تشهده المنظمة العالمية للملكية الفكرية لا تقتصر جذوره على أزمة الثقة القائمة في المدير العام بل تتعداه إلى تحول في الأولويات بدأت تعرفه المنظمة مع وصول كامل إدريس الى رئاستها.

فهذه المنظمة التي كانت تسير وفقا لرغبات ومصالح الدول الغربية النشيطة في مجالات الإبداع والاختراعات، توجب عليها في الفترة الأخيرة الخوض في ميادين جديدة مثل كيفية احترام قوانين الملكية الفكرية بالنسبة للمعارف التقليدية للشعوب.

ومن بين نقاط الخلاف بين البلدان النامية والبلدان المتقدمه في داخل المنظمة المقترح الذي تقدمت به كل من الولايات المتحدة واليابان والداعي إلى تخفيض قيمة رسوم تسجيل البراءات والاختراعات بحوالي 15%. وهو ما يعني تخفيض نسبة الدخل الرئيسي للمنظمة وبالتالي تقليص حجم الدعم المقدم للدول النامية في مجال حماية الملكية الفكرية، وهو أمر لا تقبل به الدول النامية. وفيما حاولت دول الاتحاد الأوروبي التوصل إلى حل وسط بتخفيض النسبة بحوالي 5%، تقدم البرازيل باقتراح يدعو إلى تخفيض في حدود 3% ولكن بدون جدوى.

وفي الوقت الذي طالب فيه تقرير شركة المراقبة بتخفيض عدد الموظفين العاملين في المنظمة، توقعت مراجعة ميزانية العامين 2006 و 2007 زيادة في الميزانية القادمة لإضافة مواطن شغل جديدة. وعللت المنظمة هذه الوظائف الجديدة بضرورة سد النقص الناجم عن الإحالة على التقاعد على المدى الطويل.

وفي محاولة لتلخيص موقف الدول السائرة في طريق النمو، يقول دبلوماسي إفريقي “إن ما يزعجهم هو أن هذه المنظمة كانت من قبل عبارة عن ناد للدول الغنية يحافظ على مصالح الشركات الكبرى، أما اليوم فعليهم ان يحسبوا حسابنا”.

أما الطرف الغربي، فيرى على غرار ما صرح به دبلوماسي سويسري أن “المنظمة العالمية للملكية الفكرية لم تعد منظمة ذات مصداقية وأنها بدأت تفرغ من محتواها بحيث بدأ كثيرون يفضلون إبرام الاتفاقات الثنائية بدل المرور عبر مصالحها”.

وقد ذهبت سويسرا في البيان الصادر عن وزارة الخارجية الى حد المطالبة بـ “الشروع في إجراءات اختيار مرشح جديد لمنصب المدير العام يكون قادرا على دعم إجراءات إصلاح المنظمة”.

محمد شريف – سويس إنفو – جنيف

“… وفي ما يتعلق بسن المدير العام، فقد ولد سنة 1954 لا سنة 1945. وفي سنة 2006، أجرى المدير العام، بمبادرة منه، تصويب تاريخ ميلاده في السجلات الرسمية لضمان ألا يستمد أي فوائد من خطأ عند خروجه من المنظمة في 2009. وتأكد كل من المستشار القانوني وإدارة الموارد البشرية من أن كل الشروط الضرورية قد استوفيت لإجراء التصويب. وعند تقديم الوثائق المطلوبة، أجرت السلطات السويسرية المختصة وصندوق الأمم المتحدة المشترك للمعاشات التقاعدية ذلك التصويب. بل إن النتيجة الوحيدة لذلك الإجراء هو انخفاض مالي كبير في المعاش التقاعدي للمدير العام. وتأكد ذلك أيضاً في خطاب رسمي مؤرخ في 6 يوليه/تموز 2006 من رئيس قسم المستحقات في صندوق الأمم المتحدة المشترك وجاء فيه أن المدير العام سيخسر من مستحقاته التقاعدية من جراء تصويب تاريخ ميلاده، وإذا تقاعد قبل أغسطس/آب 2009، فلن يكون مؤهلاً للحصول على معاش تقاعدي شهري مباشر من صندوق المعاشات، بل سيحصل فقط على مستحقات التقاعد التي يبدأ تسديدها اعتبارا من سن الخامسة والخمسين. وقد رُدَّ على التلميح بأنه كان يسعى إلى الاستفادة من ذلك الخطأ بالنفي والنفيان مرة ومرارا وبالدليل والأدلة. وأكدّ كل من الإدارة والمستشار القانوني أن ذلك التصويب لا يقيم أي حق تلقائي. وعليه، فإن تلك المزاعم لا حجة لها ولا دليل…



“..وفي ما يخص الشهادات الأكاديمية للمدير العام ورغبة منه في ألا يترك مجالاً لمزيد من الشك، فلا بد من التأكيد على أن المدير العام قد حصل على جميع الشهادات الأكاديمية التي أعلن عن تحصيلها وقت تعيينه في الويبو ولاحقاً. ويُذكر على وجه الخصوص دكتوراه في العلوم السياسية حصل عليها سنة 1984 من معهد الدراسات العليا في جامعة جنيف وماجستير آداب في العلاقات الدولية حصل عليها سنة 1978 من جامعة أوهايو وليسانس حقوق من جامعة الخرطوم سنة 1977 وباكالوريوس من جامعة القاهرة وإنه لمن المحزن جداً أن تتحول كل تلك الشهادات إلى مجال للشك والتشكيك علماً بأن من السهل جداً إثباته..ا”

(المصدر: مذكرة مقتضبة حول الادعاءات ضد المنظمة ومديرها العام من إعداد الأمانة العامة للمنظمة العالمية للملكية الفكرية بتاريخ 21 سبتمبر 2007)

عطلت الدول الكبرى إقرار ميزانية جديدة لمنظمة الأمم المتحدة لحماية الملكية الفكرية (ويبو)، وذلك في إطار محاولاتها لعزل رئيس المنظمة السوداني كمال إدريس ما يضع هذا التجمع الدولي على مسار مجهول المصير.

فقد صوتت يوم الأربعاء (3 أكتوبر 2007) 44 دولة عضوا في إطار المنظمة العالمية لحماية الملكية الفكرية (ويبو) ضد مشروع إقرار الميزانية المعتمدة للعامين المقبلين بقيمة 537 مليون دولار من أصل 108 دول شاركت في جلسة التصويت التي غابت عنها دول عديدة، فيما حرمت أخرى من المشاركة بسبب تأخرها في تسديد ما يترتب عليها من مساهمات مالية.

ورغم أن 64 دولة من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية صوتت لصالح الميزانية، لم يكن هذا العدد كافيا لتحقيق أغلبية الثلثين المطلوبة للمصادقة على القرارات الهامة داخل المنظمة.

وأشار مسؤولون في الأمم المتحدة إلى أن نتيجة التصويت وضعت المنظمة المسؤولة عن حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع أمام وضع يجبرها على العودة إلى الميزانية السابقة المعتمدة للعام 2006-2007 ما يعني خسارة الزيادة المحددة بنسبة 12% من بند الإنفاق العام.

وجاءت هذه النتيجة المخيبة لآمال العديد من الدول النامية انعكاسا مباشرا للصراع القائم بين الدول الغنية الكبرى ونظيراتها الفقيرة حول شخصية رئيس المنظمة السوداني كامل إدريس الذي تتهمه الولايات المتحدة صراحة بسوء السلوك.

فقد استبقت الدول الغنية جلسة التصويت بالتهديد علنا بإسقاط مشروع الميزانية الجديدة في حال بقاء إدريس في منصبه رئيسا لمنظمة (ويبو) حتى نهاية ولايته الرسمية عام 2009.

كما شدد المندوب الأميركي في المنظمة وارن تيشنور على أن أي مفاوضات مستقبلية بشأن الميزانية يجب أن تتركز على وضع كامل إدريس، الذي يتهمه قرار المحاسبة الداخلي بـ “الكذب بشأن سنه الحقيقي” لدى انضمامه إلى المنظمة عام 1982.

يشار إلى أن الدول العربية ومعها العديد من الدول الإسلامية في آسيا أصدرت مع بداية أعمال المؤتمر الدوري للمنظمة بيانا اعتبرت فيه الاتهامات الموجهة لإدريس محاولة لتشويه سمعته وسمعة المنظمة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 4 أكتوبر 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية