مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في اليمن.. خطوة “فريدة” لكنها مُـكبَّـلة

تظاهرة احتجاجية لمواطنين يمنيين في العاصمة صنعاء يوم 8 أبريل 2008 للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين في المواجهات التي جدت في بعض مدن الجنوب Keystone

أثارت التعديلات التي أدخلتها السّـلطات اليمنية على قانون السلطة المحلية، جدلا واسعا في الساحة اليمنية وتنوّعت وتعدّدت حولها التفسيرات والتحليلات المعطاة لهذه الخطوة "الفريدة في المنطقة العربية"، كما يحلو للصحافة الرسمية نعتها منذ إعلانها الأسبوع الماضي.

وكان الحزب الحاكم، المؤتمر الشعبي العام قد اتّـخذ المبادرة منفرِدا بعدَ تعثُّـر الحِـوار مع المعارضة بشأن التعديلات الدستورية، والذي ظل يراوح مكانه منذ أمَـد طويل، دون الخروج بتوافق على القضايا التي تشملها التّـعديلات الدستورية.

ونتيجة لتباين وجهات النظر وتوسّـع شقة الخلاف بين الجانبين، خاصة مع اشتداد الحِـراك في الشارع اليمني خلال الفترة الأخيرة، قرّر الحزب الحاكم، الذي يحظى بالأغلبية المُـطلقة في البرلمان، المُـضي في التّـعديلات، حسب رُؤيته، مما سيزيد من تأجيج الخِـلافات مجدّدا بين السلطة والمعارضة، طِـبقا لما يرصده المتابعون والمراقبون.

ومنذ الوهلة الأولى لإعلان التعديلات، التي رفضها مُـمثلو المعارضة في البرلمان، سارعت قيادات حِـزبية في تكتّـل اللقاء المشترك المعارض إلى انتقادها، واعتبرها النّـاطق الرسمي باسم التكتّـل مجرّد مسرحية هزلِـية تُـعيد إنتاج هيمنة الحزب الحاكم بإشارة ضمنية منه، إلى أن أعضاء المجالس المحلية البالغ عددهم 7200 عضو، ينتمي ما يزيد عن 80% منهم إلى المؤتمر الشعبي الحاكم، مما يعني أن النتيجة محسُـومة سلفا لصالحِـه، طالما وأن التّـعديل الجديد للقانون أناط بالأعضاء المنتَـخبين اختيار مُـحافظي المحافظات.

وذهبت قيادات في المعارضة إلى اعتبار الأمر التِـفافا على عملية الإصلاح الوطني الشامل، الذي تعتبِـره المعارضة المدخل إلى الخروج من الأزمات التي تعيشها البلاد، وظل محور الحوار والخلاف بين السلطة والمعارضة.

ويطرح التعديل الجديد تحدِّيا كبيرا على المعارضة اليمنية، التي لا تتوفّـر سوى على نسبة 20% من المجالس المحلية على مستوى المديريات والمحافظات، مقارنة بالأغلبية المُـطلقة التي يمتلكها الحِـزب الحاكم، علاوة على ظهور أصوات داخل أحزابها نفسها، استحسنت الخطوة الجديدة، وإن رأت أنها غير كافية.

“خطوة جيدة.. ولكنها ناقصة..”

فقد نقل عن الدكتور منصور الزنداني، قيادي ونائب برلماني عن حزب التجمّـع اليمني للإصلاح استحسانه للتوجّـه، أما القيادي الاشتراكي محمد أحمد المقالح في ردّه على سؤال لسويس انفو حول المبادرة الجديدة فقال: إنها خطوة جيِّـدة، وإن كانت ناقصة، مشيرا في هذا الإطار إلى أن الأهَـم فيها أنها ستعمل على تقليص مراكِـز النفوذ التي تُـعتبر من المشاكل الكبيرة التي تعاني منها البلاد وتعيق مؤسسة الدّولة وحضورها في بعض المناطق اليمنية، خاصة منها التي تسُـود فيها البِـنية القبلية، مؤكِّـدا أنه عندما يترك للهيئة النّـاخبة أن تقرر من يُـدير أمورها، فإن فُـرص مراكز النُّـفوذ ستتضاءل وتوضع على مِـحكّ المنافسة.

وكان القانون المعدّل قد أناط إدارة انتخاب محافظي المحافظات بوزارة الإدارة المحلية، مما عدّ في نظر البعض مُـخالفة للمقتضيات الدّستورية وقانون الانتخابات اللّـذان يحيلان مسألة إدارتها على اللجنة العليا للانتخابات المحلية مؤخرا، بعد انتهاء مدة عملها، ولاستيضاح حقيقة الموقف القانوني توجهت سويس انفو للمستشار القانوني رئيس القطاع القانوني السابق في اللجنة العليا للانتخابات الدكتور عبد المؤمن شجاع الدين فرد قائلا: “إناطة الانتخابات بوزارة الإدارة المحلية، من وجهة نظري، لا يناقض الدستور، لأنها انتخابات داخلية تختلف عن الانتخابات العامة التي تجرى تحت إشراف وإدارة اللجنة العليا المنصوص عليها في الدستور وقانون الانتخابات. أما الانتخابات الداخلية، التي تجرى لاختيار أطُـر وتكوينات السلطة المحلية أو الهيئات والنقابات المهنية، فهي غير مشمولة بقانون الانتخابات ومتروكة للهيئات الناخبة المُـخوّلة للتصويت على المرشّـحين، وتستطيع أن تشكِّـل أربع لِـجان منها تتولى الإشراف والتنظيم وإدارة الاقتراع والتصويت والفرز، وبالتالي، فإن تشخيص المسألة وتحديدها من أنها انتخابات داخلية أو عامة، يفضي بنا إلى التكييف القانوني، وهو تكييف سليم في هذه الحالة”.

انتخابات السلطة المحلية.. تفتح فسحة للأمل!

وبالنظر إلى مُـقتضيات القانون المعدّل، فإنه أعطى صلاحيات واسعة لرئيس الدولة تُـضعف موقِـف المحافظين المنتخبين، إذ مكّـنه من إقالة المحافظين وقبول استقالتهم، مما يُـفقِـد العملية الانتخابية أي معنى.

وفي معرض تعليقه على ذلك، قال الشجاع: المادة (145) من الدستور تنُـص على أن المحافظين مسؤولون أمام رئيس الجمهورية، وهذا يعني أن الأساس الدستوري هو الذي يخوِّله مثل تلك السلطات، فالمسألة لها أصل دستوري لا يمكن تجاوزه، إلا بتعديل الدستور.

ومع أن الحكومة اليمنية تقول إن هذه الخطوة لم تكن إلا تنفيذا للالتزامات التي قطعها الرئيس علي عبد الله صالح للنّـاخب اليمني في برنامجه الانتخابي عام 2006 وليست بنت لحظتها، لكن عددا من المراقبين والمتابعين يرَون أن انتخاب المحافظين في الأقاليم اليمنية ليست إلاّ محاولة للخروج من حالة الاحتقانات التي تسود الشارع اليمني، الذي يتذمّـر من الأوضاع، خاصة في المناطق الجنوبية الشرقية التي ارتفعت فيها لأول مرّة أصوات تُـطالب بالانفصال أو بأنها مُـحاولة لصرف الناس عن مشاكل تزايُـد أسعار المواد الغذائية الأساسية، خاصة وأنها مرشحة لمزيد من الارتفاع جرّاء الأزمة الغذائية التي تعصِـف بالعالم.

ووِفقا لهذا التفسير، فإن انتخابات السلطة المحلية من شأنها أن تفتح فُـسحة للأمل، بعد أن ظلت الحياة السياسية معكّـرة طيلة الأشهر العشرة الماضية.

وفي معرض تعليقه على ذلك قال السياسي والقيادي الاشتراكي محمد أحمد المقالح لسويس انفو: “بدون شكّ هو تعبير عن أزمة يُـراد بها التنفيس عن حالة الاحتقان التي تُـخيِّـم على البلاد، لكنها حسب اعتقادي خطوة غير كافية للخروج منها، لأن الأزمة التي تعيشها البلاد”، على حد تعبيره، “تتعلق ببنية الدولة وتتطلب معالجات أشمل وأوسع من مجرد انتخاب محافظين”.

وحول الأسباب التي دفعت السلطات إلى توقيت قرارها هذا قال الشجاع: عموما، انتخاب المحافظين بادرة يُـمكن النظر إليها بأنها خُـطوة مرحلية ستلحقها مراحل، وأنها أفضل من تعيِـين المحافظين، مشيرا إلى أن الشعب يتطلّـع إلى ما هو أكثر من الانتخابات، بصرف النظر عن الباعِـث الذي دفع الحكومة إلى إقرار هذا التعديل.

معوّقات تشريعية وقانونية

على الرغم من استِـحسان الفِـكرة ومعارضتها من قِـبل العديد من الفعاليات اليمنية، فإن الأهم هو ما الذي يُـمكن أن تُـحققه هذه الخطوة من انعكاسات على حياة المواطنين الذين أصبحوا في الآونة الأخيرة لا يكترِثون بالعملية الانتخابية، بقدر ما يهتمّـون بالهم المعيشي والحدّ من الفساد الإداري، الذي يُـنغِّـص عليهم حياتهم، مما يطرح على الهيئات الجديدة المنتخبة تحدّيات كبيرة، لاسيما أنها ستوضع في مواجهة صلاحيات يكتنِـفها التعقيد وغير قادرة على العمل باستقلالية إدارية ومالية، حيث تشير المُـعطيات المتوافرة، أن الهيئات المحلية المُـنتخبة لم يكُـن أداؤها منذ عام 2001 وحتى اليوم، بالأداء المُـرضي وما زالت تُـواجه مُـعوِّقات كبيرة تشريعية وقانونية مالية.

فالتجربة تشير إلى أن هناك تضاربا تشريعيا بين اختصاصات السلطة المركزية والسلطة المحلية، لم يفصل في كثير منها، وهناك ما يربو على ثلاثين قانونا بحاجة إلى تعديل، لأنها تتعارض مع ممارسة السلطة المحلية لمهامِّـها، مما حدّ من تدخلاتها في تسيير الشأن المحلي باستقلالية تامة.

كما أن تقريب الإدارة من المواطن، الذي يُـعدّ الهدف الرئيسي للسلطة المحلية، لم يتحقق في الحالة اليمنية وارتبطت في تعاملاتها مع الفرد اليمني بمدلول سلبي نتيجة لفرض مجموعة من الإتاوات والجبايات الجديدة، كرسوم المجالس المحلية رسوم الأسواق ورسوم النظافة.. إلخ، وهي أوعية استحدثت بغرض تأمين موارد لا مركزية، إلا أنها لم تُـحقق الغرض المنشود.

فطِـبقا للمعطيات الإحصائية، الموارد المحلية الذاتية والمشتركة مُـجتمعة لم تتجاوز عام 2007 سوى 11.4% من إجمالي النّـفقات التي جرى تغطيتها بالدّعم المركزي، وبالمثل الموازنة التقديرية للعام الجاري، قدِّرت الموارد المحلية بالنسبة نفسها، مما يُـبقي الدعم المركزي في الحدود ذاتها 88.6%.

كل ذلك يفسِّـر الأداء الضعيف لفعالية المجالس المحلية، الأمر الذي يقتضي التخلّـي عن كثير من العوائد الضريبية، التي تورد مركزيا، حتى يكون للإدارة المحلية استقلاليتها.

مستحسنة.. لكنها تظل مكبّـلة

الأمر الآخر الذي يكبِّـل فعالية الإدارة أو السلطة المحلية، أن التّـقطيع الإداري لليمَـن، تقطيع قديم يرجع إلى العهد العُـثماني في عهد الإمبراطورية العثمانية، ولا يأخذ في الاعتبار تحوّلات النمُـو الحضري.

ومع أن التعديلات الطفيفة التي أدخِـلت على تقسيم بعض المُـديريات والمحافظات، إلا أنها تخضع لاعتبارات الحِـراك والنمُـو الحضري، بقدر ما حكمتها اعتبارات قبَـلِـية ومُـحاباة لبعض النافذين المحلِّـلين، على حساب مصالح السكّـان، وهذا الأمر كثيرا ما تعالت أصوات مشتكِـية منه، لكنه لم يجد الصّـدى الذي يستحقّـه ويعزّز الثقة بالحُـكم المحلي.

من الواضح أن مُـبادرة السلطات اليمنية لإشاعة الخِـيار الديمقراطي وتطويره السلطة المحلية عبر التعديلات الأخيرة لقانون السلطة المحلية، خطوة مستحسنة، لكنها تبقى مكبّـلة وغير قادرة على الوصول إلى مبدإ تقريب الإدارة للمواطن، الذي يُـعد المعيار الأساسي للحكم، على مردودّية أي هيئة على أن إعادة النظر بالعوامل التي تكبِّـل هذه الخطوة “الفريدة”، ربما تؤدّي إلى انطلاقة جديدة يمكن أن تُـصبح فعلا، كما يطلق عليها، “خطوة فريدة” بالمنطقة.

صنعاء – عبد الكريم هائل

صنعاء – سبأنت: قالت مصادر مطّـلعة إن عملية انتخاب المحافظين التي كانت مقرّرة في 27 أبريل الجاري، تأجلت إلى 15 مايو القادم.

وأرجعت المصادر في تصريحات نقلتها صحيفة (الثورة) أن سبب التأجيل من أجل “استكمال كافة الترتيبات والتجهيزات لإجراء الانتخابات بصورة سليمة”.

وكانت قيادة وزارة الإدارة المحلية اطّـلعت أمس على تقارير الانجاز المقدّمة من اللجان المكلفة بالإعداد والتحضير لإجراء عملية انتخاب المحافظين المقرّر تدشينها في 27 ابريل الجاري.

وتناولت التقارير ما تمّ إنجازه من أعمال فنية ومكتبية، وِفقا للتعديلات القانونية على قانون السلطة المحلية التي جرت مؤخرا بشأن انتخاب المحافظين ومشروع القرار الجمهوري للائحة التنظيمية الخاصة بانتخاب محافظي المحافظات، والتي أقرها مجلس الوزراء في اجتماعه الاستثنائي اليوم (21 أبريل).

وشدّد وزير الإدارة المحلية عبد القادر هلال على أهمية الإعداد الدقيق والجيد لإجراء العملية الانتخابية بشكل يعكِـس أهمية هذا الحدث الديمقراطي، الذي تشهده اليمن لأول مرة، باعتبار عملية انتخاب المحافظين خُـطوة متقدمة نحو تعزيز اللامركزية وتؤسّس للانتقال نحو الحُـكم المحلي واسع الصلاحيات، وتمكن أبناء المحافظات من المشاركة الواسعة في صناعة القرار وإدارة الشؤون المحلية بكفاءة وفاعلية.

وكانت الحكومة أقرّت أمس ألأول في اجتماع استثنائي مشروع القرار الجمهوري بشأن لائحة تنظيم إجراءات انتخاب، أمين العاصمة ومحافظي المحافظات .

وتضمن مشروع القرار جُـملة الإجراءات التنظيمية لعملية انتخاب أمين العاصمة ومحافظي المحافظات، بدءً من الأحكام الأساسية التي تشمل التهيئة والإعداد والإشراف على الانتخابات، بما في ذلك تشكيل اللجان الإشرافية واستقبال طلبات الترشيح وفحصها والبت فيها وإدارة العملية الانتخابية، وكذا قواعد وإجراءات الترشيح لمنصب أمين العاصمة أو المحافظ والشروط اللازم توفّـرها في المرشح لهذا المنصب، بما فيها حصول المرشح على تزكية 10% من إجمالي أعضاء السلطة المحلية للمحافظة ومجالس مديرياتها، إضافة إلى قواعد إجراءات الانتخاب.

(المصدر: وكالة الأنباء اليمنية “سبأ” بتاريخ 21 أبريل 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية