مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قمة الجزائر بين السلبيات والإيجابيات

القادة العرب المشاركون في قمة الجزائر في صورة تذكارية (الجزائر العاصمة - 22 مارس 2005) Keystone

على الرغم من أن قرارات قمة الجزائر لم تحمل اختراقات كبرى مما يطمح إليها الرأى العام العربى، بيد أنها انفردت ببعض سمات لم تتوفر لقمة عربية سابقة.

فى الوقت نفسه، أعادت تقاليد عربية محفوظة عن ظهر قلب، وأثارت التساؤلات نفسها حول مدى تقيد والتزام القادة العرب بما اقروه وتعهدوا بالعمل على تنفيذه.

في المقابل، بدت بعض خطوات الإصلاح التى أقرتها القمة للجامعة العربية بمثابة خطوة صغيرة على طريق طويل.

ما من شك في أن إصلاح الجامعة جزئيا، (وكخطوات أولى من جملة خطوات اتفق عليها فى قمة تونس مايو 2004، وسيتوزع إقرارها على عدة قمم مقبلة)، يمثل خطوة لا بأس بها أخذا فى الاعتبار حجم الضغوط والتحديات التى تواجه الجامعة كمنظمة إقليمية تمزج بين التعبير عن هوية حضارية وثقافية معينة، وبين القيام بأدوارها الوظيفية المنوطة بأى منظمة إقليمية أو فوق إقليمية.

وإذا كان التملص من الالتزام أحد الأسباب الكبرى التى أضعفت العمل العربى المشترك طوال العقود الستة الماضية، وأضفت الشكوك علي الجامعة العربية ودفعت بالكثيرين إلى المطالبة بإلغائها واستبدالها بمنظمة إقليمية جديدة خالية من العيوب، فإن القرارات التى اتخذت تحت بند إصلاح الجامعة، لاسيما تعديل قاعدة التصويت من الإجماع إلى الأغلبية، وإنشاء هيئة لمتابعة تنفيذ الدول الأعضاء للقرارات المتخذة يعطى أملا فى أن يرتفع سقف الالتزام الجماعى، ليس عن خشية من عقوبات ليست موجودة أصلا، بل من انكشاف المستور حين تتم المقارنة بين من التزم فعلا، ومن تملص عمدا. فحين ذلك، سيعرف الجميع من يعمل على تدعيم العمل العربى المشترك، ومن الذى يتملص منه ويسبب العجز والشلل وغياب الفعالية، وبذلك، تسمى الأمور بمسمياتها، وليتحمل كل طرف نتيجة موقفه.

ومثل تلك الآلية، إذا ما قدر لها قدر من الشفافية والوضوح، كفيلة بأن تعيد تصميم العمل العربى المشترك كله، لاسيما إذا وضعنا فى الاعتبار أن قاعدة التصويت الجديدة بالأغلبية ستعيد فرز الدول الأعضاء ما بين موافق، وبالتالى سيكون ملتزما بالضرورة، وبين معارض وسيكون خاليا من الالتزام بالضرورة. ولكل صنف له مسؤوليته الأدبية والمعنوية أمام مجتمعه المحلى وأمام المجتمع العربى بشكل عام.

وبالطبع، فإن المعارضين تجاه قرار أو مشروع ما، لا يعنى انهم ضد العمل العربى المشترك فى مجال بذاته، بل انهم غير قادرين على التعاطى معه لأسباب معينة، هى فى ذاتها قابلة للتغير لاحقا. وبالتال،ى سيكون أمام جميع الأعضاء فرصة الاختيار بين التطبيق الفورى أو التأخير لفترة أخرى، وبما لا يمنع الموافقين من الاستمرار فى القيام بالأعباء المنوطة بهم.

حاضرون أجانب وغائبون عرب

لقد لفت نظر الكثيرين أن قمة الجزائر، ربما حققت سابقة بين القمم العربية فى حجم الحضور الدولى الذى صاحب أعمالها، وكذلك حجم الكلمات التى قالها ممثلون لمنظمات دولية وإقليمية ودول، كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامى، ودول كتركيا وإسبانيا وغيرهما.

فى الوقت نفسه، غاب قادة عرب كثيرون، فيما كشف مفارقة بين اهتمام الغير بقمة عربية دورية بات لها عنوان وتاريخ محدد سلفا، وبين اهتمام العرب أنفسهم بقمة يعرفون موعدها وجدول أعمالها قبل مدة طويلة.

ظاهرة الحضور الدولى المكثف تكشف بدورها عن اكثر من دلالة مهمة، من أبرزها إدراك العالم المعاصر بأن المنطقة العربية هى فى قلب الأمن والسلام العالمى، وان تجاهل ما يجرى فيها هو الخطأ الأكبر، ولعل دعوة رئيس الوزراء الاسبانى بقيام “تحالف الحضارات” ردا على دعوة أمريكية سابقة بالصدام بين الحضارات، يدلل بدوره على قيمة التعاون الدولى مع هذه المنطقة ومساعدتها فى تجاوز أزماتها وعثراتها التى تسبب فى الآن نفسه الكثير من الصداع للعالم بأسره.

وبالمقابل، فإن غياب بعض القادة العرب عن قمة يُـفترض أنها تجمعهم للتعاضد إزاء التحديات المختلفة ليس ظاهرة جديدة فى حد ذاتها. فكثير من القمم السابقة شهدت هذه الظاهرة السلبية. ولعل الذين توفر لهم عذر برر عدم المشاركة كانوا الأقل، وذلك مقارنة بهؤلاء الذين فضلوا عدم المشاركة عن سابق تعمد دون أن يكون لديهم المبرر الكافى لهذا الغياب، فيما يوجه رسالة خاطئة، سواء للداخل العربى أو للخارج الدولى. وربما مع تغير آلية التصويت وإقرار قاعدة التوافق النسبى، قد تتلاشى هذه الظاهرة غير الحميدة.

نتائج مباشرة وغير مباشرة

من بين ابرز ما قدمته القمة، هو تلك الطريقة التى احتوت بها خلافات عابرة حول الورقة الأردنية التى قدمتها عمان بهدف تفعيل المبادرة العربية للسلام.

وبينما اعتبرت الصياغة الأولى هادفة لتطبيع مجانى مع إسرائيل، تم التوافق لاحقا وبسهولة نسبية على صيغة اكثر وضوحا وتوافقا مع نص وروح مبادرة قمة بيروت لعام 2002، الأمر الذى قدم مثلا فى أن وجود الخلافات نفسه ليس عيبا، وانه طالما وجدت آلية لحل الخلاف معايير واضحة يحتكم إليها، فمن الطبيعى أن تتقدم الخطوات إلى الأمام.

ولم تقف تأثيرات قمة الجزائر عند حدود العمل الجماعى. فهناك تداعيات إيجابية بدت واضحة للعيان. فالقمة الجماعية أسهمت فى كسر الجمود الذى خيم على علاقات الجزائر بجارتها المهمة المغرب، وتدخلات الرئيس الجزائرى لعبت دورا فى تجاوز البرود فى علاقات موريتانيا وليبيا، وكلا الحدثين اسهما بدورهما فى استعادة قدر من الدفء فى أوصال الاتحاد المغاربى التى تقرر عقد قمته فى شهر يوليو المقبل.

ولعل عمرو موسى وأعضاء الأمانة العامة للجامعة العربية باتوا افضل حالا مع تلك الوعود التى قدمتها الدول العربية بدفع ما عليها من متأخرات عن السنوات الثلاثة الماضية، والتى تسببت فى وقف عمل الكثير من أنشطة الجامعة ووكالاتها المختلفة، وكادت تدفع بها إلى إعلان الإفلاس.

الضفة الأخرى!

على الضفة الأخرى، لم تفلح القمة فى تجاوز عادة عربية سلبية بكل المقاييس، حيث ما زالت دول عربية عديدة تفضل استبعاد المظلة العربية من مناقشة قضايا يعتبرها أصحابها خاصة أو داخلية وثنائية لا يحق لأحد آخر التدخل فيها.

ومن ثم، فإن عتاب الرئيس الجزائرى فى كلمته الافتتاحية بأن العرب تجاهلوا الجزائر فى محنتها حين كانت تواجه الإرهاب، يبدو للمتابعين فى غير محله، لأن الجزائر فى وقتها طالما رفضت أيادى عربية حاولت مد يد المساعدة، فى حين قبلت جهودا إيطالية وأمريكية، فيما يجسد سلبية عربية بات من المطلوب التخلى عنها.

فالمظلة العربية، وهى مظلة أولى القربى ستظل اكثر رحمة من مظلة الأبعدين، وحين ترفض سوريا ولبنان مجرد إشارة فى بيان يصدر عن القمة يحيى قرار الأولى بالانسحاب من الثانية وفقا لاتفاق الطائف بحجة الخوف من أن يتحول إلى بند متكرر فى قمم عربية لاحقة، فإن مسؤولية غياب التعاطف والمساندة العربية لكل من سوريا ولبنان فى مواجهة التزامات القرار الدولى 1559، لن يكون أبدا مسؤولية الدول العربية، بل مسؤولية دمشق وبيروت نفسيهما.

والمرتجى أن تكون المظلة العربية بعد تحسين أدائها هى الأوفق فى حل معضلة الصحراء الغربية بدلا من تخبطها القائم فى الأمم المتحدة، لاسيما فى ضوء التحسن النسبى البادى فى علاقة الجزائر بالرباط، وكذلك فى ضوء ذلك التطور الجديد، وهو أن يقدم الأمين العام تقريرا عن خطوات الإصلاح التى تتخذها الدول الأعضاء، وتقوم بالإبلاغ عنها للجامعة.

ورغم الطابع التقريرى والرسمى أيضا لهذا التقرير، إلا انه يفتح الباب أمام نوع من الشفافية العربية الجماعية المتبادلة لم يكن مألوفا من قبل، وتلك بدورها خطوة إلى الأمام.

فإذا كانت عيون العالم مُـصوبة نحو ما يجرى فى بلادنا، فمن الأجدر إذن أن نفتح الباب أمام محاسبة أنفسنا بأنفسنا.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية