مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قمة عربية ليست كسابقاتها؟

هناك حاجة إلى موقف عربي جماعي قوي لا يحتمل التلاعب بالألفاظ Keystone

بدد قرار ولي العهد السعودي الغياب عن القمة العربية القادمة، آمال الجزائر بأن تكون القمة التي تستضيفها يومي 22 و23 مارس الجاري، استثنائية في مستوى التمثيل والقرارات التي تصدرها.

وتستعد الجزائر منذ أن اختتمت قمة تونس العربية في مايو الماضي، لتكون قمتها حدثا استثنائيا، إلى حد أن اعتبرت قمة تونس، قمة انتقالية لجديدٍ تعرفه العلاقات العربية – العربية …

الإصلاحات التي كانت مطروحة على قمة تونس، خاصة فيما يتعلق بالميثاق المنظم لعمل الجامعة منذ تأسيسها، رُحلت إلى قمة الجزائر القادمة.

والقضايا العربية الساخنة، فلسطين والعراقّ، كانت ولازالت تتسم بالضبابية أو تعيش مخاض، بحيث يصعب على صناع القرار العربي تبني موقفا واضحا وحاسما تجاهها.

وفي قمة الجزائر القادمة، بدا كما لو أن الإصلاحات اقتربت من البلورة، والقضايا الساخنة ممزوجة بقضايا جديدة كالوضع اللبناني، وباتت تحتاج إلى موقف عربي جماعي قوي لا يحتمل التلاعب بالألفاظ والالتفاف على حقائق، لم تعد تخفى قساوتها على أي مراقب بعيد أو قريب.

حرص شديد على كسب الود!

وعلى مدى الشهور العشرة الماضية، حرصت الجزائر على الابتعاد عن أية مشاحنات تؤدي إلى غيابات، واضطرت للتراجع عن مطالب كانت تلح عليها بشأن الإصلاحات داخل البيت العربي، ونجحت دبلوماسيتها في تمتين علاقات أقامتها مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وذهبت إلى أن يعيد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، على هامش إحياء الذكرى الأولى لهجمات 11 مارس الإسبانية، مصافحة شمعون بيريز نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية، على غرار مصافحته على هامش جنازة الملك المغربي الراحل الحسن الثاني في الرباط 1999 إيهود باراك رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك.

كل ذلك على أمل أن تنجح القمة العربية، وتكون الجزائر ناطقة بإسم العرب على مدى عام كامل، بتشجيع ومباركة أوروبية أمريكية وعدم ممانعة إسرائيلية.

لكن قرار ولي العهد السعودي بالغياب عن القمة، قد يضيع على الجزائر فرصتها، ويقلص نتائج قمتها إلى مستوى قمة تونس وغيرها من القمم العربية العادية، رغم أن جدول أعمالها حافل وساخن.

فالتعديلات المقترحة أبقت الميثاق على ما هو عليه دون أن تصل بالإصلاحات إلى جوهره، ودون أن تضمن عمل عربي مشترك فاعل يلتزم بقرارات مؤسساته.

الملف الفلسطيني لازال شائكاَ!

فلسطينيا، ومنذ قمة تونس، غاب الرئيس ياسر عرفات، وانتقلت السلطات بشكل سلسل إلى محمود عباس، وانتخابه رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية. كما أن العملية السلمية التي كانت مجمدة، بقرار إسرائيلي أمريكي، بانتظار غياب الرئيس عرفات، خرجت من غرفة الإنعاش، دون أن تخرج من المصحة، وتحركت، حتى وان لم تنتقل من مكانها.

وهذا ما يشجع أنصار التسوية بوضعها الحالي، وبغض النظر عما يمكن أن تسفر عنه، على التقدم بخطوات، يصفها معارضو التسوية بوضعها الحالي بالتنازلات، نحو الدولة العبرية لتشجيعها على السلام. والخطوة الأولى من هذه الخطوات، تعديلات تقرها قمة الجزائر، على مشروع السلام العربي الذي قدمه ولي العهد السعودي عبد الله بن عبد العزيز، وأقرته قمة بيروت 2002.

فحسب ما تردد طوال الأسابيع الماضية، فإن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، حمل لعدد من العواصم العربية والأوروبية وواشنطن أفكارا حول التعديلات تتعلق بالانسحاب الإسرائيلي والقدس واللاجئين، وتشير هذه الأفكار إلى عدم الإصرار، كما ورد في مبادرة ولي العهد السعودي، على انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي العربية التي احتلتها 1967، والاكتفاء بمسألة القدس بوصفها القدس الشريف لتقتصر على الأماكن المقدسة، والدعوة لحل عادل لمشكلة اللاجئين دون الإصرار على القرار 194 الذي يؤكد على حق العودة. واقرار هذه التعديلات يفقد قمة الجزائر جزءا أساسيا من بريقها المأمول.

الأفكار الأردنية التي لم تجد اعتراضا لدى العواصم التي عُرضت عليها، تعتبر تنازلات جوهرية في القضايا الأساسية للمسألة الفلسطينية، وتجد فيها القوى المتشددة في العالم العربي، خاصة الأصولية، علامة جديدة للانحدار الذي وصل إليه الوضع الرسمي العربي، وتستغله لاستقطاب المزيد من المتشددين الذين يخوضون معركة شرسة في دول، أهمها العربية السعودية، كانت تعتبر نفسها بمنأى عن العنف السياسي.

الغياب السعودي له مبرراته..

الوضع العراقي في ظل الاحتلال الأمريكي، لا يقل حراجة عن الوضع الفلسطيني. فالعنف يتصاعد، والانتخابات التي أجريت في 30 يناير لم توقف العنف، وأيضا أتت بالشيعة السياسية التي تعتبرها العواصم العربية، خاصة الخليجية، فيروسا يهدد استقرارها ووحدتها. وإذا كانت هذه العواصم مكرهة أمريكيا على التعامل مع إفرازات الاحتلال الأمريكي والانتخابات، فإنها تريد إبقاء مسافة، حتى لا يكون العراق، احتلالا وديمقراطية “طائفية”، نموذجا قابلا للتطبيق.

والى جانب فلسطين والعراق، تفرض الأزمة اللبنانية نفسها على قمة الجزائر العربية. ومنذ الحرب اللبنانية، قبل ثلاثين عاما، ظلت الجامعة العربية الإطار الإقليمي والدولي الوحيد للتعاطي معه. إلا أنه منذ صدور القرار 1559، دون موقف عربي واضح، وبعد ذلك اغتيال رفيق الحريري، خرج هذا الملف من البيت العربي ليدخل البيت الأمريكي عبر الأمم المتحدة. وإذا كانت سوريا المعنية مباشرة بتداعي القرار والاغتيال، فإن الموقف السعودي الحاد تجاه دمشق لإجبارها على تلبية الموقف الأمريكي بسحب قواتها من لبنان، له خلفياته.

تدرك العربية السعودية أن العاهل الأردني يتحرك بدعم وتشجيع أمريكي، وتعرف أن واشنطن تريد من دمشق اكثر من الملف اللبناني، فحساب واشنطن مع دمشق يتعلق بالملف العراقي وعملية السلام في الشرق الأوسط، وعلى القمة العربية أن تحدد موقفا، قد لا تكون الرياض قد استطاعت حتى الآن بلورته.

وموقف من الرياض لا ينسجم مع الرؤية الأمريكية سوف يعمق من أزمتها مع واشنطن التي تتأرجح بين التوتر والفتور منذ هجمات 11 سبتمبر، لذا يكون الخيار الأفضل لعدم مواجهة واشنطن وعدم إعطاء المتشددين ورقة للابتزاز، هو غياب صاحب المبادرة عن القمة.

وغياب الأمير عبد الله بن عبد العزيز، يحد من حماس قادة عرب لحضور القمة، ويدفع من يشارك لعدم الذهاب بعيدا فيما يبحث عنه من قرارات، والاكتفاء بما هو متفق عليه وليس محل خلاف، وتكون قمة الجزائر، كقمة تونس، باهتة، يُكتفي منها بعقدها وترحيل قضاياها الى القمة القادمة، والتي من المقر ر أن تعقد، حسب الأحرف الأبجدية للدول الأعضاء في جيبوتي، التي لن تستطيع استضافتها وبالتالي تعقد في القاهرة.

استثنائية مغاربية الطابع؟

لم يبق إذن أمام الجزائر سوى استثنائية القمة العربية مغاربيا، أي حضور كل قادة دول الاتحاد المغاربي، وان كان هذا الحضور في حد ذاته – إذا ما أصر الأمير عبد الله بن عبد العزيز على الغياب – لم يعد مؤكدا.

وعقد قمة مغاربية ولو بروتوكولية على هامش القمة العربية، لتعويضها عن احتضانها للقمة السابعة التي كان مقررا عقدها بالجزائر عام 1994، لكنها لم تعقد حتى الآن بسبب النزاع الجزائري المغربي حول عدة ملفات لازالت مطروحة ولم تعرف انفراجا رغم كل التصريحات التفاؤلية.

بالتأكيد كانت الجزائر بحاجة إلى قمة عربية تُعقد على أرضها، وتبدد كل آثار العنف الذي شوه صورتها منذ 1992 ، وقلص كثيرا دورها العربي، لكنها لم تكن تريد الاكتفاء بذلك، فقد احتضنت القمة الأفريقية في عام 1999 من قبل، ولازال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يستثمر تلك القمة حتى اليوم.

كانت الجزائر تريد أن يُسجل لقمتها الأسبوع القادم ما سُجل لقمم احتضنتها في العقود السابقة، وكان أخرها قمة الانتفاضة والتي أسست لاتحاد المغرب العربي.

محمود معروف – الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية