مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مأزق ما بين اوروبا والعالم العربي ـ الاسلامي

الترويكا الاوروبية استمعت إلى وجهات نظر مخالفة لبعض التوجهات الغربية أثناء جولتها على بعض العواصم العربية والاسلامية Keystone

تطال مضاعفات تفجيرات نيويورك وواشنطن العلاقات بين اوروبا وبلدان الجوار العربي والاسلامي. وقد بدأت بوادر الأزمة تتضح بعد من خلال التغيير الذي طرأ على سلم أولويات العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي بشكل لا يتوافق حتما مع الأولويات المرسومة في المنطقة العربية والاسلامية بشكل عام.

وإذا لم يتدبر المسؤولون روزنامة عمل سريع فان الأزمة ستعمق الهوة القائمة بين ضفتي حوض البحر الأبيض المتوسط، بين الأوروبيين من ناحية والعرب والمسلمين من ناحية أخرى، بل قد تزيد في طروحات الكراهية ومصطلحات الصراع المزعوم بين الحضارات وتفوق بعضها على بعض، مثلما زعم رئيس وزراء ايطاليا سيلفيو بيرلوسكوني، وذلك على رغم قرب موقع بلاده من عديد البلدان العربية والاسلامية.

ويرشح خبراء أن تزداد الهوة اتساعا بين الغرب والعالمين العربي والاسلامي بعد الهجومات العسكرية المزمع تنفيذها ضد أفغانستان والقواعد المفترضة لشبكة “القاعدة” التي يتزعمها أسامة بن لادن.

وقد ابلغت الولايات المتحدة شركاءها في منظمة حلف شمال الأطلسي يوم الثلاثاء أدلة عن ضلوع شبكة القاعدة في تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر الماضي. وقال الأمين العام للحلف جورج روبيرتسون بأن الأدلة التي عرضها المنسق الأميركي فرانك تايلور تؤكد ضلوع شبكة القاعدة في تفجيرات نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من الشهر الماضي.

من ناحية أخرى، كشفت مباحثات أجرتها الترويكا الأوروبية في الأسبوع الماضي في الشرق الأوسط عن التوصل إلى اتفاق مع الدول العربية والاسلامية حول ضرورة مكافحة الإرهاب واستعداد دول المنطقة للمشاركة في الجهود الدولية لاجتثاث آفة الارهاب.

إلا أن الجولة التي قادت الديبلوماسيين الأوروبيين إلى مركز الثقل العربي والاسلامي كشفت ايضا اتساع الهوة بين اوروبا والمنطقة العربية الاسلامية عندما تعلق الأمر باحتمالات المشاركة في الحملة العسكرية على افغانستان وبضرورة معالجة مسببات الارهاب المنسوب للجماعات الإسلامية المتطرفة.

ورأى خبير في الشؤون الأوروبية الآسيوية بأن وفد الترويكا تعلم مما سمعه خلال زيارته إلى عدد من بلدان المنطقة من دون أن يغير بشكل مؤثر في مواقف كل من العواصم حيال مشكلة افغانستان وإشكالية الارهاب.

وضم الوفد الأوروبي كلا من وزير الخارجية البلجيكي رئيس المجلس لويس ميشيل و المندوب السامي للسياسة الخارجية خافيير سولانا والمفوض الأوروبي للعلاقات الخارجية كريس باتين.

مشاركة أوروبية مقابل رفض عربي إسلامي

وبينما تؤكد البلدان الأوروبية بأن بعضها سيشارك مباشرة في الهجومات العسكرية ضد افغانستان فيما يوفر البعض الآخر مختلف اشكال الدعم والإسناد العسكري والمدني، فان باكستان شددت رفضها المشاركة في العمليات العسكرية ضد حلفائها السابقين في كابول.

أما إيران فأكدت بدورها رفض فتح مجالها الجوي أمام اسراب الطائرات الغربية التي ستغير على مواقع طالبان. وترفض السعودية من ناحيتها استخدام الولايات المتحدة قواعدها القائمة في التراب السعودي لتنظيم غارات ضد أي بلد عربي أو اسلامي.

وتوقف الوفد الأوروبي خلال المباحثات التي أجراها مع الرئيس حسني مبارك في القاهرة على ظاهرة ملفتة عبرت عن تقارب في المواقف العربية والاسلامية من باكستان حتى القاهرة مرورا بطهران والرياض. أما دمشق فأبدت حساسية بالغة إزاء خلط الأوروبيين بين العمليات الارهابية وحق الشعوب في المقاومة المشروعة ضد الاحتلال.

ونقلت مصادر ديبلوماسية عن وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل تأكيده أمام وفد الترويكا الأوروبية للحاجة العاجلة للضغط على اسرائيل لأنها الطرف الذي يعمل ضد السلام. وقال سعود الفيصل بوجوب حمل اسرائيل على القبول بالعيش إلى جانب الفلسطينيين أحبّت أم كرهت.

ويعكس كلام الوزير السعودي و التحذيرات التي قدمها الرئيس حسني مبارك وكذلك المواقف الحازمة في سورية قناعة العواصم العربية بأن الاحتلال الاسرائيلي يمثل السبب الرئيسي للحرمان و انقطاع حبل الأمل والدافع الكبير على تنظيم العمليات الانتحارية. وعقب وزير الخارجية البلجيكي لويس ميشيل على تصريحات المسؤولين العرب و المسلمين بوجود وعي لدى الأوروبيين بضرورة استعجال حل أزمة الشرق الأوسط.

تباين قد يزيد من اتساع الهوة

وتتسع اختلافات وجهات النظر بين العرب والأوروبيين لتطال مفاهيم الارهاب و مسبباته وأولويات معالجته. فأكدت البلدان العربية والاسلامية و خاصة ايران و سورية حق الشعوب في مقاومة الاحتلال. و اعترف وزير الخارجية البلجيكي بوجود الخلاف بين الجانبين فيما أكد المفوض الأوروبي للعلاقات الخارجية برفضه التمييز بين اشكال الارهاب.

وبينما يفاخر اللبنانيون بانتصار المقاومة التي قادها “حزب الله” ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي فان البلدان الأوروبية تميل الى تصنيف “حزب الله” و كذلك حركة المقاومة الاسلامية “حماس” ضمن المنظمات الارهابية. إلا أن البلدان الأوروبية و كذلك الولايات المتحده تتفادى في الظرف الراهن ضم حزب الله و المنظمات الفلسطينية ضمن قائمة المنظمات الارهابية السبعة والعشرين التي أمرت الدوائر المسؤولة في واشنطن بتجميد أرصدتها.

و كانت الترويكا الأوروبية هدفت خلال زيارتها إلى تبديد الانطباعات التي أثارتها مصطلحات “الحرب الصليبية” و “الصراع بين الغرب والاسلام” التي ترددت على لسان عدد من كبار المسؤولين الغربيين.

إلا أن جهودها كادت تنسف بفعل التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو بيرلسكوني حول تفوق الحضارة الغربية على الحضارة العربية الاسلامية، على حد ما نقل عنه من تصريحات بثتها قنوات تلفزيونية ونشرتها الصحافة الايطالية. وأثارت التصريحات حرجا كبيرا بالنسبة للديبلوماسية الأوروبية وإحراجا أشد للمباحثات التي كانت الترويكا تجريها في العواصم الاسلامية آنذاك.

وتؤكد تصريحات بيرلوسكوني اتساع الهوة، في ذهن بعض المسؤولين الأوروبيين بين الغرب وحضارة الاسلام عموما. وتكتسب التصريحات – على الرغم مما قيل عن إساءة فهمها وإخراجها من سياقها – أبعادا خطيرة لأن رئيس الوزراء الإيطالي كان ذكر الكلام نفسه، حول تفوق الغرب على حضارة المسلمين، أمام القادة الأوروبيين خلال اجتماعهم الاستثنائي، الذي عقد يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر سبتمبر – أيلول الماضي في بروكسيل، و ذلك من دون أن يثير رد أي منهم.

إلى ذلك فان الأزمة الجارية ستزيد في اختلافات المفاهيم واتساع الهوة بين اوروبا الغنية والصناعية وجوارها العربي-الاسلامي، غير الصناعي ومحدود الثروة. وستبدو مسيرة برشلونة واتفاقات الشراكة الأوروبية المتوسطية غير كفيلة بردم الهوة المتسعة يوما بعد يوم.

نورالدين الرشيد – بروكسيل

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية