مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

متغيرات السياسة الخارجية لأوروبا الموسعة

تخشى بلدان الجوار المتوسطي للإتحاد الأوروبي أن تكون الخاسر الأكبر من التحاق عشر دول من أوربا الشرقية بالإتحاد ابتداء من غرة مايو 2004 swissinfo.ch

ابتداء من غرة مـايو 2004 سيرتفع عدد الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي من 15 إلى 25 وهو حدث تاريخي بكل المقاييس يحمل في طياته العديد من المتغيرات.

ومن المؤكد أن اتساع الاتحاد نحو شرق القارة وامتداد حدوده نحو روسيا وأوكرانيا سيؤثر بصفة مباشرة على علاقاته ببلدان الجوار وخاصة تلك الواقعة في جنوب وشرق المتوسط.

تُـعد أزمة الحرب الأمريكية البريطانية على العراق، وهروع العديد من البلدان الأعضاء الجدد للتضامن مع الولايات المتحدة على حساب بلدان المحور الأوروبي (أي فرنسا وألمانيا)، أبرز مثل وعيّـنة حقيقية عن طبيعة السياسة الخارجية التي قد تُـميز اتحاد البلدان الأوروبية الـ 25، أقله في الأعوام القليلة المقبلة.

ومن المؤكد أن اتساع الاتحاد نحو شرق القارة وامتداد حدوده نحو روسيا وأوكرانيا سيؤثر بصفة مباشرة على علاقاته ببلدان الجوار الجنوبي.

وكانت ألمانيا وفرنسا والبلدان الأوروبية الأخرى التي عارضت الحرب، مثل بلجيكا والسويد والنمسا واليونان وايرلندا، فوجئت في ربيع عام الحرب على العراق بانضمام غالبية بلدان شرق أوربا للسياسات العدائية التي وضعتها وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، بما فيها طروحات الحرب الاستباقية.

ووقفت البلدان الشرقية، وفي مقدمتها بولندا إلى جانب البلدان الأطلسية الأخرى (بريطانيا وإسبانيا وإيطاليا) تدعم الحرب التي شنّـها الرئيس بوش ضد العراق من دون موافقة أو أي تشريع من الأمم المتحدة.

وبدا موقف البلدان الشرقية في مثابة نكران الجميل، في نظر فرنسا وألمانيا وغيرهما من البلدان الأوروبية التي تدفع مساهمات مالية باهضة لميزانية الاتحاد من أجل توفير معونات الإنماء الكافية لاقتصاديات البلدان الشرقية، مما دفع الرئيس جاك شيراك إلى إطلاق بعض عبارات غضبه ضد عدم وفاء الأعضاء الجدد لسياسات الاتحاد ولم يتردد في القول بأنها(أي البلدان الشرقية) “أضاعت فرصة الصمت” في معرض تعقيبه على مساندتها للولايات المتحدة.

فقد كان من المنتظر من البلدان التي تمدّ يدها للحصول على المعونات الأوروبية أن تكون وفية للبلدان التي توفّـر الموارد المالية، بدلا عن السير في ركاب الولايات المتحدة. فلا تُـخفي البلدان الشرقية ولاءها للولايات المتحدة، ولم تتردد عن إرسال قواتها لدعم الاحتلال الأمريكي البريطاني في العراق.

وكان وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد قد رد من ناحيته على ما وُصف في حينه بـ “عزلة المحور الألماني الفرنسي” بأن “أوروبا الجديدة وقفت مع الولايات المتحدة ضد أوروبا العجوز”، المتمثلة في كلام رامسفيلد في ألمانيا وفرنسا والبلدان الأوروبية الأخرى التي توحّـدت حولهما وتمسّـكت بمقتضيات الشرعية الدولية.

من جهة أخرى سبق لبولندا، التي تعتمد على معونات الاتحاد لتطوير اقتصادها، أن فضّـلت التزود بطائرات “الفانتوم” الأمريكية لتجهيز قواتها المسلحة على حساب عروض طائرات “تورنيدو” البريطانية-الإيطالية-الألمانية و”ميراج” الفرنسية و”رافال” الأوروبية.

مؤشرات المستقبل

وفي واقع الأمر، تمثل المواقف الأخيرة من حرب احتلال العراق وصفقات المشتريات العسكرية أدلّـة معبرة عن طبيعة السياسات الخارجية التي قد تميّـز الاتحاد في الأعوام المقبلة.

فمن المنتظر أن تظل المواقف المشتركة لبلدان الاتحاد خاضعة لقاعدة الإجماع في مجال السياسة الخارجية، وفيما كان الأمر صعبا فيما بين البلدان الأعضاء الخمسة عشر على غرار ما حدث في العراق، سيكون الإجماع شبه مستحيل بين 25 بلدا، خاصة عندما سيتعلق الأمر بإصدار قرارات تمس مناطق ساخنة ولا تنسجم فيها المصالح بالضرورة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي.

فعلى سبيل المثال قد يكون تحقيق الإجماع سهلا بين أعضاء الاتحاد، القدامى منهم والجدد، عند التباحث في استراتيجية استيعاب دول البلقان لأن كلا منها معني مباشرة بما تمثله المنطقة من مخاطر تؤثر على استقرار وأمن القارة برمتها. في المقابل سيكون التوصل إلى اتفاق صعبا عندما يتعلّـق الأمر مثلا برفض سياسات الاحتلال الإسرائيلي، أو بضرورة انسحاب الاحتلال الأمريكي-البريطاني من العراق.

وفسر خبير بولندي لسويس إنفو أهمية الولاء للولايات المتحدة في الجزء الشرقي من القارة بعوامل بديهية تتعلّـق بقناعة الطبقة السياسية في بلدان أوربا الشرقية، بأن السياسة الأمريكية كانت العنصر الحاسم في سقوط الأنظمة الشيوعية وتفكيك معسكر وارسو.
لذلك، فان البلدان الشرقية ترى نفسها مدينة في حريتها للولايات المتحدة، وتتحرك وفق مبدإ العرفان، حتى وإن كلّـفها الأمر الوقوف ضد ألمانيا، أكبر بلد مساهم في موازنة الاتحاد التي يغدق عليها معونات الإنماء.

وقد يستمر موقف الولاء الأطلسي عمر جيل بأكمله قبل أن يستوعب الأوروبيون الجدد مفهوم المواطنة المشتركة على صعيد الاتحاد ككل. وفي الأثناء، فإن البلدان الشرقية، التي استكمل بعضها في شهر مارس الماضي إجراءات الانضمام لعضوية حلف شمال الأطلسي، ستكون أكبر داعم للولايات المتحدة داخل الاتحاد الأوروبي خارجه.

امتحانات صعبة

وستواجه السياسة الخارجية الأوروبية امتحانا صعبا فور دخول الأعضاء الجدد، ويتمثل الاختبار في انضمام جزيرة قبرص إلى الإتحاد وهي مقسمة. فاليونانيون القبارصة لم يقبلوا خطة الأمين العام للأمم المتحدة ورفضوها في استفتاء 24 أبريل 2004. وبذلك حرموا القبارصة الأتراك من الحصول على المواطنة الأوربية.

وسيضطر الاتحاد في المرحلة المقبلة إلى التعايش مع واقع احتلال 35 ألف جندي تركي للجزء الشمالي من الجزيرة، بل إنه قد يُـواجه بدعوات القبارصة الأتراك إلى الاعتراف بدولتهم كبديل عن رفض جيرانهم اليونانيين خطة توحيد الجزيرة.

من جهة أخرى، يُـضاعف انعدام حل مشكلة انقسام جزيرة قبرص، الصعوبات أمام تركيا المرشحة بشكل رسمي لعضوية الاتحاد، لكنها لم تبدأ بعدُ مفاوضات الانضمام لأنها لا تستجيب للمعايير السياسية والاقتصادية التي وضعها الاتحاد أمام البلدان المرشحة.

ومن المقرر أن تصدر المفوضية الأوروبية رأيها في موعد بدء المفاوضات مع تركيا في نهاية العام الجاري. لكن التوقعات السياسية، وخاصة الجدل الذي تشهده حملة انتخابات البرلمان الأوروبي في شهر يونيو المقبل، توحي باحتمال تأجيل بدء مفاوضات العضوية مع تركيا إلى موعد غير قريب.

الجوار الجنوبي

وعلى صعيد أوسع، فإن امتداد الاتحاد الأوروبي إلى حدود أوكرانيا والفدرالية الروسية من ناحية، وإلى عمق المياه المقابلة لكل سواحل ليبيا ومصر ولبنان من ناحية أخرى، دفع المسؤولين السياسيين إلى معاودة صوغ علاقات التعاون للحيلولة دون ترسخ الإنطباع ببروز القلعة الأوروبية المحصنة وذات الأبواب الموصدة في وجه المهاجرين من دول الجوار.

ويقترح الاتحاد على كل من دول الجنوب، وكذلك روسيا وأوكرانيا توسيع وتقوية علاقات التعاون إلى مستوى يفوق الشراكة الأوروبية المتوسطية، ولكن من دون أن تصل العلاقات إلى مستوى العضوية الكاملة، حيث تهدف الشراكة الأوروبية المتوسطية إلى إقامة منطقة للتبادل الجاري الحر بحلول عام 2010.

ويعرض الاتحاد على كل من دول جنوب وشرق حوض البحر الأبيض المتوسط وضع برامج مرحلية لتعميق التعاون الاقتصادي، وتحرير تنقل البضائع والخدمات والرساميل، وتنظيم تيارات الهجرة، وذلك في نطاق ما أصبح يُـسمى بـ “سياسة الجوار الجديدة”.

وستجد كل من دول الجنوب نفسها على طاولة تقابل فيها ممثلين عن 25 بلدا، ويقتضي الوضع الجديد قُـدرات تفاوضية هائلة لنيل موافقة هذا العدد الكبير من الشركاء. وسيعني توسيع الاتحاد أيضا اتساع السوق الأوروبية أمام حركة المبادلات بالنسبة لدول الجنوب، حيث سيتم تعميم مقتضيات اتفاقات الشراكة التي تربط كلا منها مع الاتحاد الأوروبي لتشمل الأعضاء العشرة الجدد.

لكن الترتيبات القانونية لم تنجح في تبديد الانطباع السائد في أوساط دول الجنوب منذ أعوام بأن كفة المساعدات مالت لفائدة البلدان الشرقية. وبينما حصلت البلدان التي أبرمت اتفاقيات الشراكة الأوروبية المتوسطية على معونات أوروبية بقيمة 5 مليارات أورو في الأعوام الثلاثة، ستصل المعونات المالية المرصودة لتنمية الأعضاء الجدد في الفترة نفسها إلى .. 40 مليار يورو!.

وفي المقابل، فإن عدد سكان دول جنوب وشرق الحوض المتوسطي يفوق 200 مليون نسمة لقاء 75 مليون بالنسبة للأعضاء الجدد من شرق أوروبا. ويفسر المسؤولون الفوارق بين الجانبين بأسباب “الواجب التاريخي” التي تتحملها البلدان الغربية تجاه الأعضاء الجدد، وكذلك بسرعة وتيرة اندماج البلدان الشرقية، في حين لا تزال أسواق دول الجنوب مقسمة.

وعلى الصعيد الاجتماعي، يتوقّـع أن يضاعف توسيع الاتحاد حجم هجرة العمالة الوافدة من بلدان وسط وشرق أوروبا نحو غرب الاتحاد التي تحظى بقدر من الأفضلية على حساب العمالة الواردة من بلدان الجنوب. وتذكر تقارير مقارنة أن كفاءة العمالة الشرقية تفوق المستويات المهنية للعمالة العربية والإفريقية، كما يحظى العمال من وسط وشرق أوروبا بأفضلية اللون والثقافة لدى أرباب العمل.

ويُـنتظر أن يدعو مؤتمر وزراء خارجية بلدان مسيرة برشلونة في اجتماعهم منتصف الأسبوع الأول من مايو في دبلن إلى تشجيع مبادرات الاندماج الإقليمي على الصعيد الأفقي، أسوة بالاتفاق الذي أبرمته “بلدان إعلان أغادير” (وهي المغرب وتونس ومصر والأردن) الذي يهدف إلى إقامة منطقة للتبادل التجاري الحر بين البلدان العربية المتوسطية التي تربطها اتفاقات شراكة مع الاتحاد.

على صعيد آخر، من المنتظر أن تستكمل خطة الشراكة الأوروبية المتوسطية عندما ستقدم طرابلس طلبها بشكل رسمي للانخراط في مسيرة برشلونة التي انطلقت منذ عام 1995.

وكان العقيد معمر القذافي قد أكّـد خلال زيارته إلى بروكسل يومي 26 و27 أبريل الماضي، وهي الأولى التي يقوم بخا إلى بلد أوروبي منذ 1989، بأن بلاده تبحث الانخراط في مسيرة برشلونة. كما رشح العقيد بلاده أن تكون الجسر بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي.

نورالدين الفريضي – بروكسل

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية