مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مجلس وزراء الداخلية العرب.. حالة فريدة في العالم العربي

وزراء الداخلية العرب في صورة تذكارية التقطت لهم يوم 31 يناير 2008 على هامش دورتهم 25 بالعاصمة التونسية AFP

من بين جميع مؤسسات العمل العربي المشترك، يشكِّـل مجلس وزراء الداخلية العرب، الذي احتفل أخيرا بيوبيله الفضي، حالة فريدة فرادة الأمن في بنية الأنظمة العربية.

يتكاسل الوزراء الآخرون وتتأخر المجالس الوزارية، حتى لو كانت متَّـصلة بالدفاع أو الصحة، أما وزراء الداخلية، فلم يُخلفوا اجتماعاتهم سنة واحدة حتى في ذروة عاصفة الخليج الأولى في سنة 1991 والثانية في 2003.

ربما يُرجَـأ الاجتماع أسابيع لتزامنه مع أحد الأعياد الإسلامية، مثلما حصل في السنوات الأخيرة، لكنه يتم في نهاية الأمر ويُحقق دائما حضورا قياسيا، ويحضر في المتوسط 16 وزيرا (من أصل 22 وزيرا) والغائبون الدائمون، هم الصومال وجيبوتي وجزر القمر.

من الخصائص الفريدة أيضا، أنه مجلس لا يقبل استبدال وزير مُعتذر بنائب وزير أو موظف سام لرئاسة وفد بلاده، مثلما يحدث في المجالس الوزارية الأخرى.

الوزير هُنا لا يُعوَّض إلا بوزير في مرتبته، وعندما كان يتعذّر على وزير الداخلية العراقي في عهد صدّام حسين المجِـيء إلى تونس لأسباب أمنية، ناب عنه في رئاسة الوفد العراقي وزير العدل شبيب المالكي مرارا.

حصَّـة السعودية

ويمكن القول أن هذا المجلس هو الحصّـة المتروكة بالكامل للسعودية من بين مؤسسات الجامعة العربية، خصوصا أن الرياض كانت تشكو منُذ ارتحلت الجامعة إلى تونس (1979 – 1990) من كونها الأكثر تمويلا للجامعة ومنظماتها والأقل تمثيلا في المناصب القيادية.

وعلى هذا الأساس، أصبحت تضطلع بمنصب الأمين العام المساعد للجامعة، شخصية سعودية اعتبارا من أواسط الثمانينات، كما تَـعزّز التمثيل السعودي منذ تلك الفترة في المنظمات المتخصصة.

أما مجلس وزراء الداخلية العرب فكان مرآة لموازين القِـوى لدى تأسيسه في الثمانينات، إذ أسندت قيادته للعراقي أكرم نشأت إبراهيم، وكانت المنظومة الخليجية بأسرها تقِـف وراء العراق في حربه مع إيران، لكن بعد الدخول العراقي للكويت وتشكيل جبهة خليجية – غربية لإخراج الجيش العراقي منه، كان النصيب الذي حصّـله مجلس وزراء الداخلية العرب من “عاصفة الصحراء”، تنحية أمينه العام واختيار السعودي أحمد بن محمد السالم في مكانه (وكيل وزارة الداخلية السعودية حاليا).

وعندما أكمل السالم أربع ولايات (12 عاما)، حل محلّـه مواطنه محمد بن علي كومان، الجامعي الذي يحظى بتأييد الرئيس الفخري للمجلس، وزير الداخلية السعودي نايف بن عبد العزيز، وتم التجديد لكومان في دورة العام الماضي لولاية ثانية تستمر ثلاثة أعوام.

وفي خطٍّ مُوازٍ أنشأ المجلس أكاديمية للعلوم الأمنية في الرياض لإعطاء دورات تدريبية للضبّـاط وقادة الشرطة العرب. وسرعان ما حملت الأكاديمية إسم رئيس مجلس إدارتها، فصارت “أكاديمية نايف للعلوم الأمنية” وتطورت أخيرا إلى “جامعة نايف للعلوم الأمنية”، عِـلما أن جدول أعمال الدورات السنوية لمجلس وزراء الداخلية العرب، يتضمّـن بندا ثابتا يتعلّـق بتقديم وزير الداخلية السعودي تقريرا عن أعمال “جامعة نايف للعلوم الأمنية”.

إرهاب ومباحث جنائية

يختلف هذا المجلس أيضا عن المجالس الوزارية العربية الأخرى في كونه مظلّـة لاجتماعات فرعية، تستمر على مدار السنة ويرتدي جميعها طابعا أمنيا، عدا اجتماعات هيئات الحماية المدنية.

ومن هذه الاجتماعات الدورية، اجتماع قادة الشرطة والأمن العرب واجتماع المسؤولين عن مكافحة الإرهاب واجتماع رؤساء أجهزة مكافحة المخدرات واجتماع رؤساء أجهزة المباحث الجنائية واجتماع مديري معاهد الشرطة وكُـليّـاتها ومراكِـز تدريبها …

وعلى سبيل المثال، قرّر المسؤولون عن أجهزة مكافحة الإرهاب في وزارات الداخلية العربية في اجتماع عقدوه في تونس في يونيو الماضي، تبادل قائمات بأسماء قيادات تنظيم “القاعدة” وعناصره وكذلك التنظيمات المرتبطة به وتعميمها على جميع الوزارات، “لاتخاذ الإجراءات اللازمة حيالهم”.

ويناقش هؤلاء المسؤولون الأمنيون مشاريع اتفاقات وخُـطط عمل، لكنهم لا يستطيعون البتّ فيها، وإنما تعرِضها الأمانة العامة على المجلس الوزاري الذي يُصادق عليها عادة.

والأهم من ذلك، أن الرؤية التي كان يتم التعاطي من خلالها مع المسائل الأمنية، أثارت تباعُـدا بين فريقين من الدول قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، إذ تبلور محور مصري – جزائري – تونسي كان ينتقد الدول التي تُقدّم الدّعم المادي للحركات الإسلامية أو تستقبل قادتها، وهو مِـحور صُنِّـف في خانة الاستئصال في مُـقابل اتجاه خليجي – سوري كان يُلجم أي دعوة لجرّ المجلس نحو إعلان الحرب على الحركات الأصولية.
غير أن الوضع تغيّـر بعد ضرب بُـرجي مركز التجارة الدولية وتداعياته العربية، وفي مقدمتها تعرّض السعودية نفسها لضربات إرهابية، إذ بات موضوع مكافحة الإرهاب، وتحديدا شبكة “القاعدة” قطب الرّحى في عمل المجلس.

وبعدما كانت مقاومة الجريمة المنظمة ومكافحة المخدرات هما العنوانان الرئيسيان للاتفاقات الأمنية العربية، انتقل المجلس إلى وضع “الإستراتيجية الأمنية العربية” (التي يستمر تنفيذها إلى سنة 2010) وبادر بدعوة وزراء العدل العرب إلى اجتماع مشترك في القاهرة، تَـم التصديق في خِـتامه على “الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب” وتم “تطوير” الإستراتيجية والاتفاقية بوضع خُـطط مرحلية لتنفيذهما، وتسهر الأمانة العامة (مقرّها الدائم في تونس) على تنسيق الخطط، فيما يُراجعها الوزراء في اجتماعاتهم السنوية.

وفي دورة هذا العام، أقر المجلس إدخال تعديل على “الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب”، تمّ بمُـوجبه اعتبار التحريض على الجرائم الإرهابية أو “الإشادة بها ونشر محررات أو مطبوعات أو تسجيلات، أيا كان نوعها أو طابعها أو إعدادها للتوزيع أو لاطلاع الغير عليها”، جرائم إرهابية، وهي مصطلحات مطّـاطة تشكِّـل ذرائع سهلة لملاحقة الكُـتّـاب والإعلاميين قضائيا.

كذلك، أدخل الوزراء تعديلا آخر على الاتفاقية، وُضع بموجبه في خانة الجرائم “جمع الأموال أيا كان نوعها لتمويل الجرائم الإرهابية”، وهي أيضا صيغة ملتبسة تفتح الباب واسعا لملاحقة مواطنين أبرياء جنائيا.

ومن ضمن آليات التنسيق الأمني، ما كشف عنه عيد الفائز، وزير الداخلية الأردني في تصريحات أدلى بها لسويس أنفو على هامش الاجتماعات الأخيرة، إذ أفاد أن البلدان العربية اتّـفقت على تفعيل التعاون بينها في إجراءات البحث والتقصّي والقبض على المُـشتبه بهم في قضايا إرهابية، بما في ذلك إدخال تعديلات مستمرّة على “اللائحة السوداء” لمدبّـري العمليات الإرهابية ومنفّـذيها، مُعتبرا أن الإرهاب هو أخطر المشاكل التي يواجهها العالم، وليس العالم العربي فحسب.

إلا أن الزبير بشير طه، وزير الداخلية السوداني حث على أن يكون المَـخرج من هذا الخطر بالعودة إلى الأسباب العميقة لانتشار العنف والإرهاب في العالم العربي، وشدد في تصريح لسويس أنفو على ضرورة “فهم مشاغل الشباب ودعم خطوات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، للقضاء على مبرّرات الإرهاب والتطرف”.

قاموس أوسع للجرائم

إلى ذلك، فتح المجلس مجالات جديدة للتعاون الأمني في دورة العام الماضي وتوسَـع في التعريفات فصادق على مشاريع اتفاقيات جديدة تخُـص مكافحة تبييض الأموال وتجارة المخدّرات وتجارة الأسلحة واستخدامهما في تمويل عمليات إرهابية، بالإضافة للحؤول، دون “حصول الجماعات الإرهابية على أي نوع من أنواع الأسلحة الكيميائية”.

ومن أهم المجالات التي شملها التنسيق الأمني العربي، ما بات يُعرف بـ “جرائم الإنترنت” في إطار توسيع قاموس الجرائم الإرهابية. وفي هذا السياق، قرر المسؤولون عن أجهزة مكافحة الإرهاب في وزارات الداخلية العربية في الاجتماع الأخير، الذي عقدوه في تونس في يونيو الماضي، إغلاق “المواقع التي تبُـث مواد متعلِّـقة بتصنيع المتفجرات أو استخدام الأسلحة والتدريب عليها، وكذلك المواقع التي تُـروِّج للأفكار والأيديولوجيات المتشددة”، وحذر كذلك من “الفتاوى المنحرفة” وطلب تجريمها بوصفها من أعمال التحريض على الإرهاب.

ويبدو أن المسؤولين الأمنيين باتوا يرون “خطر” الإنترنت في كل مكان، إلى درجة أن الدكتور محمد بن علي كومان، الأمين العام للمجلس حث في الاجتماع الأخير للمسؤولين عن مكافحة المخدرات الذي عُقد في تونس، على إيلاء عناية خاصة لشبكة الإنترنت، التي قال إنها “باتت تشكِّـل أداة مهمّـة في يد كافة التنظيمات الإجرامية، ومن ضمنها عصابات المخدرات لتسهيل عملياتها وتنفيذ أهدافها”، واقترح إيجاد الوسائل التقنية والقانونية، “التي تُـتيح تعطيل دور الإنترنت في تفاقم مشكلة (انتشار) المخدرات”.

اتصالات جانبية

تبقى الإشارة إلى أن الاجتماعات السنوية لوزراء الداخلية العرب تُشكِّـل عادة مناسبة للقاءات تنسيق ثُـنائية بين الوزراء في أكثر من بلد عربي، حيث تستأثر الهموم الأمنية بالحصّـة الرئيسية من تلك اللقاءات.

وفي ذروة الأزمات بين الرباط والجزائر، كان وزير الداخلية المغربي ادريس البصري ثم مصطفى الساهل يُجري حوارات ثنائية على هامش اجتماعات مجلس وزراء الداخلية العرب مع نظيره الجزائري يزيد (نور الدين) زرهوني، في إطار السعي لحل القضايا العالقة بين البلدين، وكانت تلك اللقاءات تُشفع بتبادل زيارات في إطار المساعي الرامية لتحسين العلاقات بين الجزائر والرباط، إلا أن تلك المسارات تعطَّـلت لأسباب تتّـصل بجُـذور الأزمة الأكبر بين الحكومتين، والمتعلقة بقضية الصحراء.

كذلك استقطب اجتماع وزيري الداخلية السعودي والعراقي في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الراحل صدّام حسين، عدسات مصوري التليفزيونات الذين كانوا يأتون لتغطية أعمال الدورات السنوية للمجلس، حتى كادت تُصبح أهمّ من جدول الأعمال، واسترعت اجتماعات وزيري الداخلية السوري والأردني اهتماما أقل من الإعلام، وإن كانت تحمل دلالات عن التنسيق الأمني بين الحكومتين، على رغم تباعُـد المواقف.

وعموما، أظهرت الحميمية التي يستقبِـل بها وزراء الداخلية نظراءهم في البلدان العربية الأخرى (حتى المختلفة مع حكوماتهم) والحرارة التي يودّعونهم بها عندما تنفض الدورات السنوية، أن الأمن فوق كل الاعتبارات وأنه المربّـع الأخير والوحيد للتنسيق بعدما تنقطع جسور التعاون الأخرى.

تونس – رشيد خشانة

تونس (رويترز) – اتفق وزراء الداخلية العرب يوم الخميس 31 يناير على تجريم التحريض على الجرائم الإرهابية أو الإشادة بها في ختام اجتماعهم بتونس.

وقال الوزراء في بيان ختامي بعد يومين من الاجتماع بتونس “إن المجلس أقرّ تعديل المادة الأولى من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، وبموجب هذا التعديل، فقد تم تجريم التحريض على الجرائم الإرهابية أو الإشادة بها”.

كما دعا البيان إلى “مزيد التنسيق وتبادل المعلومات بين الدول الأعضاء حول هذه الظاهرة”. وصادق الوزراء على مشروع اتفاقية عربية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

لكن مساعد وزير الداخلية الليبي عمران احميدة قال لرويترز “يجب أن يكون جهدا عمليا مبذولا على أرض الواقع، حتى لا تكون القرارات مجرد أدبيات، لأن الأمن لا يتحمل الأدبيات”، وأضاف أنه يرجو أن يكون هناك عمل جاد واتصال حقيقي بين الأجهزة الأمنية.

وكان الرئيس زين العابدين بن علي دعا في افتتاح المؤتمر يوم الأربعاء 30 يناير إلى “حشد الطاقات العربية والدولية لترصد ظاهرة الإرهاب.. والحد من تحرك العناصر الإرهابية بين البلدان.. وخلاياه ومنع تمويله”.

وغاب عن الاجتماع وزراء مصر والمغرب وليبيا والصومال وجرز القمر.

ودعا مساعد وزير الداخلية الليبي إلى تنسيق حقيقي وعملي، معتبرا أن “منطقة المغرب العربي بالخصوص مستهدفة بقوة من طرف المنظمات الإرهابية التي تسعى لأن تحوّل هذه القلعة الآمنة إلى مكان للإرهاب وترويع الناس وتعطيل المشاريع الاقتصادية”.

ووافق المجلس أن تحتضن لبنان العام المقبل بصفة استثنائية الدورة الـ 26 من اجتماع المجلس، في إشارة دعم للبنان.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 31 يناير 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية