مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مخاوف مشروعة من سابقة زوريخ

دفع الاقبال الكبير على دراسة المعلوماتية والبرمجة في التكوين المهني وتراجع الفرص المتاحة للتدريب الشركات الخاصة لاقتناص الفرصة Keystone

أعلنت إحدى الشركات السويسرية في زيورخ عن توفير خدمات تأهيل الشباب الذين لم يعثروا على فرصة لبدء دراستهم في التكوين المهني مقابل دفع رسوم مالية باهظة.

وعلى الرغم من موافقة السلطات المتخصصة في الكانتون، إلا أن الخبراء يحذرون من تحول هذا التمشي غير المسبوق إلى ظاهرة تهدد نظام التكوين والتأهيل العريق في الكنفدرالية.

يواجه التلاميذ الراغبون في التوجه إلى التعليم الحرفي والمهني في سويسرا صعوبة في العثور على مكان للتدريب في المجال الذي يرغبون في مواصلة دراستهم فيه، وذلك نتيجة عزوف الكثير من الشركات والمؤسسات عن تقديم تلك الخدمة (التي يتميز بها نظام التكوين المهني السويسري) أو جراء تراجع الفرص المتاحة لديها إلى الحد الأدنى.

ويعود السبب في ذلك إلى أن اغلب تلك الشركات لم يعد لديها ما يكفي من العمالة بما يسمح لها استضافة التلاميذ والطلاب لتأهيلهم، نظرا للجوء الكثير منها إلى تخفيض عدد موظفيها إما لتراجع الطلبات أو في إطار إجراءات إعادة الهيكلة لتوفير النفقات.

المثير أن إحدى الشركات العاملة في زيورخ وجدت في حيرة الشباب في البحث عن مكان لتلقي تعليمهم المهني، فرصة لتقديم خدماتها للراغبين في الحصول على تكوين في مجال المعلوماتية والبرمجيات، شريطة أن يقوم كل طالب بدفع مبلغ 50 ألف فرنك لتسديد تكاليف الدراسة والتأهيل التي تستمر أربع سنوات.

ومع أن نظام التعليم في سويسرا مجاني في مرحلته الأساسية الإجبارية التي تستمر تسع سنوات، إلا أن ذلك لا يمنع وجود المدارس الخاصة (الإبتدائية والثانوية) للراغبين والقادرين على دفع تكاليفها المرتفعة.

أما أن تقوم شركة بدور “المدرسة الخاصة” في مجال التدريب المهني الأساسي، فهذا هو الجديد على الساحة التعليمية في سويسرا، والتي يرى فيها المتخصصون استغلالا للوضع الحرج للطلاب في عدم عثورهم على أماكن تدريب في المجالات التي يبحثون عنها.

حل مؤقت أم بداية تيار جديد؟

من المحتمل أن تكون موافقة السلطات في كانتون زيورخ على مشروع الشركة قد جاءت كحل مؤقت يساهم في امتصاص حيرة الطلبة التلاميذ الباحثين عن فرص الدراسة والتعليم، ولكن يبدو أن وزارة التعليم المحلية لم تقدر جيدا التداعيات المرتقبة لهذه الخطوة على مستقبل التعليم المهني والتدريب الحرفي.

إذ يتوقع كثيرون أن تؤدي هذه الخطوة إلى إقدام شركات ومؤسسات أخرى تعمل في مجالات مختلفة عليها، ويرون أن مكمن الخطر يتمثل في أن يتحول حق الشبان في الحصول على تأهيل مهني في المجالات التي يحرصون عليها إلى مجرد سلعة لا يقدر على الحصول عليها إلا الأثرياء. ولا يتردد البعض في القول بأنه من المحتمل أيضا أن تتحول العملية برمتها إلى سوق تجارية، تحتكر من خلالها الشركات والمؤسسات الخاصة إمكانيات توفير فرص التدريب في المجالات المهنية التي يشتد الإقبال عليها، وهو ما سيقضي نهائيا على مبدإ تكافل الفرص الذي يرتكز عليه نظام التدريب روالتكوين السويسري.

من جهة أخرى، كشفت هذه الحادثة عن تناقض حقيقي في سوق الشغل يتمثل في أن المؤسسات السويسرية على اختلاف تخصصاتها تعاني من نقص في المبرمجين والمتخصصين في مجالات المعلوماتية، في حين أن العاطلين عن العمل منهم في سويسرا يُعانون بسبب نقص الخبرة المهنية الكافية لديهم، وقد كان من المفترض أن تفتح الشركات المعنية أبوابها للراغبين في التدريب والتأهل بما يناسب احتياجاتها ومتطلباتها المستقبلية، بدلا من تقليص تلك الأماكن إلى الحد الأدنى والبحث المحموم عن مبرمجين في الدول النامية.

ردود فعل ومخاوف

وقد اهتمت يومية “تاكس انتسايغر” الصادرة من زيورخ بتلك السابقة ونشرت في عددها بتاريخ 30 يوليو آراء بعض المتخصصين، فقال مارتين ايسلي المتحدث باسم المكتب الفدرالي للتعليم في برن بأن إدارته لم تطلع على مبررات موافقة كانتون زيورخ على تلك الخطوة، إلا أنه يرى بأنها يمكن أن تؤثر على حق جميع التلاميذ في التمتع بنفس الفرصة في الحصول على أماكن للتكوين المهني والحرفي، ويخشى بأن يتحول النظام التعليمي في سويسرا إلى نظام طبقي، أي أن من يرغب في تعلم المهنة أو الحرفة التي يتمناها فعليه أن يدفع تكاليف باهظة.

من جهته أيد كارل اوغست تسيندر، خبير التعليم المهني في المعهد الفدرالي العالي للتقنية في زيورخ ETHZ ، هذا الرأي وقال في تصريح له لنفس الصحيفة بأنه يجب فتح جميع الأبواب أمام الراغبين في التعلم، إلا أن الخطر، حسب رأيه، هو في سيطرة بعض الشركات على قطاعات يكون الاقبال عليها كبيرا.

في الوقت نفسه، رأى الخبير السويسري أن حاجة قطاعات كبيرة إلى المعلوماتية بتطبيقاتها المختلفة يجب أن يكون دافعا لتمويل الشركات الصناعية الكبرى برامج التعليم المهني للمبرمجين بشكل جيد، حيث تشير المعطيات المتوفرة إلى أن نسبة لا تقل عن 80% من العاملين في هذا المجال حاليا في سويسرا (والبالغ عددهم 11 ألف شخص) لم يتلقوا تكوينهم الأساسي في هذا المجال بل تعلموه طبقا لمتطلبات وظائفهم.

في الوقت نفسه، سارعت النقابات المهنية المعنية بالأمر إلى رد الفعل، حيث طالبت اللجنة السويسرية لمكافحة البطالة بين الشباب الحكومة الفدرالية والقطاعات الصناعية الكبرى باتخاذ خطوات فعالة وملموسة لمعالجة النقص الحاد في توفير أماكن التعليم المهني والتدريب التقني، وطالبت السلطات في كانتون زيورخ إلى سحب موافقتها على هذا المشروع.

وحتى لا يختلط الأمر على القارئ، يجدر التذكير بأن المدارس الخاصة متواجدة في سويسرا سواء في مراحل التعليم العادية أوفي شتى مجالات الدراسة الحرة مثل تلقي دروس في اللغات الأجنبية أو فروع مختلفة من المعارف وحتى في البرمجيات والحاسب الآلي وغير ذلك، لكن الإنزعاج الذي أثارته موافقة زوريخ على التجربة الجديدة يعود إلى مسه بحق كل شاب وشابة في التأهيل والتدريب الذي يُفترض أنه حق للجميع .. حتى إشعار آخر.

تامر أبوالعينين – سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية