مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مطالب عرب إيران بين الشرعية والواقعية

قوات الأمن الإيرانية تعاين آثار التفجير الذي أودى بحياة 6 أشخاص يوم 24 يناير 2006 في مدينة الأهواز عاصمة إقليم خوزستان جنوب البلاد Keystone Archive

تعيش منطقة خوزستان بايران (التسمية الرسمية)، أو عربستان (التسمية التي يطلقها عليها سكانها العرب) الاقليم الذي تقطنه أغلبية عربية، على صفيح ساخن هذه الأيام.

إذ تشهد مظاهرات وتفجيرات واعتقالات، ربما تكون الأهم والأبرز منذ سقوط نظام صدام حسين، وحتى قبل العمليات العسكرية الأنجلو-أمريكية لاسقاط النظام العراقي السابق.

في الأهواز مركز الاقليم تفجيرات أودت بحياة مدنيين، ومنظمات عربية انفصالية تبنتها وأخرى نفت صلتها بها، ونسبتها الى جهاز المخابرات الايرانية، والبعض (على غرار موقع “عربستان” الأليكتروني) لايُخفي أن تكون القوات البريطانية في البصرة تقف خلف تحريض بعض الانفصاليين على تنفيذها.

وفي الأهواز انطلقت في العيدين الفطر والأضحى مظاهرات “بيضاء”، وتكررت في بعض أيام شهر محرم (العشر الأوائل)، عندما خرج المئات من العرب مرتدين “الدشداشة البيضاء” ومرددين شعارات لها دلالات منها المطالبة بالافراج عن معتقلي حوادث سابقة.

وخارج ايران، تجمع عدد من العرب الايرانيين أمام مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، وهو أمر تقوم به باستمرار منظمة مجاهدي خلق للتنديد بما يسمونها مساع ايرانية لحيازة سلاح نووي، لكن ما ميز مظاهرة العرب أنها طالبت أيضا بمنع إيران من حيازة ” طاقة نووية”، وليس فقط “التقنية النووية” الموصلة الى الطاقة.

من الممكن تفهم أن يطالب سكانُ الأهواز، وباقي مدن إيران التي تشكل إقليم “خوزستان”، بحقوقهم القومية المشروعة التي أقرها دستور الجمهورية الاسلامية، وبأن تتحول مناطقهم الغنية بالنفط والغاز وبالماء عصب الحياة المهم، الى قطب اقتصادي حيوي، بما يمنع عن منطقتهم صفة “المحرومة” التي لازمتها وعددا غير قليل من المدن الايرانيةٍ، خصوصا وأن العرب بايران ساهموا بفاعلية في الثورة التي أدت إلى اسقاط نظام الشاه السابق، وفي الحرب التي فرضت على إيران والعراق بين الأعوام “1980-1988″، وقبل كل شيء فانهم عانوا في الحقب الماضية (أي قبل نجاح الثورة الاسلامية في فبراير 1979) من التهميش والقهر، ومن القمع القومي.

قمع مستمر

بعد قيام نظام الجمهورية الاسلامية، كان الواقع آنذاك يتحدث عن نية جدية للامام الخميني الراحل لاشراك العرب في الحكم، أثناء التوجه الواضح للنظام الجديد نحو القرآن الكريم، وتعليم اللغة العربية، إلا أن ذلك لم يتحقق بسبب ظروف الحرب، وتركيز النظام العراقي السابق على “خوزستان” لاحتلالها، في مخطط كُشف عنه فيما بعد وكان يرمي إلى تقطيع أوصال الجمهورية الاسلامية الفتية وماشهدته في تلك الفترة من تحرك قومي في معظم الأقاليم القومية ومنها خوزستان وكردستان.

بعد توقف الحرب، جرت محاولات لاشراك العرب في السلطة على أساس قومي وليس فقط اعتمادا على الكفاءة والالتزام بنهج ولاية الفقيه، خاصة بعد أن كشفت الحرب حجم الدور الذي لعبه العرب للدفاع عن بلادهم، ورد ما حاول البعض الصاقه بهم من تهمة التعاون مع صدام الذي قام بالفعل بضم العديد منهم الى حزب البعث، ودعم أيضا بعض جماعاتهم وزودها بالمال والسلاح.

بين “الشرعية الدولية” و “خيمة الدستور”

الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي كان رفع شعار “حاكمية القانون” وتعزيز سلطة الدستور، ونجح في حصد أغلبية الأصوات وأدار نحوه الأعناق في انتخابات الرئاسة عام 1997، كما أنه بذل جُهدا كبيرا كي يحتوي ملف القوميات الساخن، إلا أنه ولأسباب عدة (منها معارضة القوميين العنصريين المختبئين تحت عباءته الاصلاحية)، أخفق في تحقيق القدر الأكبر من وعوده الانتخابية بالرغم من أن عهده الذي استمر ولايتين شهد انفراجة كبيرة لصالح القوميات خصوصا العرب الذين يشكلون غالبية سكان اقليم خوزستان.

في عهد خاتمي تأسست في ايران جمعيات تمزج بين القومية العربية والاسلام، وبرز نجم المطالبين من العرب بتوزيع عادل للثروة وإعمار الاقليم الذي يقطنه أناس عُرفوا بطيبتهم وبساطتهم حتى وهم يمارسون المعارضة، ويمشون في درب السياسة المليء بالانحرافات.

وفي نفس السياق، أنشأت جمعيات ومنظمات في ايران تطالب بتطبيق المادتين 15 و19 من الدستور وتنصان على منح القوميات غيرالفارسية حقوقها القومية كالسماح باستعمال اللغات المحلية والقومية الأخرى في مجال الصحافة ووسائل الإعلام العامة، وتدريس آدابها في المدارس إلى جانب اللغة الفارسية، وأن تتمتع هذه القوميات بالمساواة في الحقوق وأن لا يعتبر اللون أو العنصر أو اللغة أو ما شابه ذلك سببا للتمييز.

وتحرك كتّاب وسياسيون على أكثر من صعيد داخل الجمهورية الاسلامية وخارجها، ملتزمين بسقف الدستور، ليبقوا في دائرة الوطنية المشروعة، رافضين الاستقواء بالأجنبي على بلادهم.

وقد بقي نشاط الجمعيات العربية أقل من مستوى الطموح ومتأخرا كثيرا عن غيرها في كردستان مثلا التي تم الاعلان فيها مؤخرا عن تشكيل جبهة الكرد المتحدة (جبهه متحد كرد ) في كردستان – إيران، وهي جبهة قال بهاء الدين أدب ممثل مدينة سنندج في مجلس الشورى الاسلامي السابق، “إنها لا تسعى إلى الانفصال وهي تعمل بشكل شفاف وسلمي ضمن إطار دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية وذلك من اجل تحقيق حقوق الأكراد المشروعة”.

هذه الجبهة قد تدفع العرب الى إعلان مثلها في مناطقهم الملتهبة هذه الأيام، إذ تفيد المعلومات أن عددا من الناشطين (ومنهم أعضاء سابقون في مجلس الشورى)، يستعدون لتشكيل جبهة مماثلة في الداخل، بينما تسعى منظمات في الخارج الى تنظيم صفوفها وأعلنت عن “ميثاق شرف” دفع العديد الى ابراز مخاوفهم منه في البند المتعلق بـ”الاستقواء بالأجنبي” والايمان بـ مقولة “الشرعية الدولية” التي لاتعني سوى الولايات المتحدة الأمريكية. فهذه المنظمات تدعم “المقاومة” ضد الأمريكان في العراق، وتستقوي بأمريكا على ايران بحجة “الشرعية الدولية”…

ومن الناحية المنطقية، يرى كثيرون أن خيمة الدستور، وتجنب استخدام العنف، والالتزام بالعمل في إطار القوانين النافذة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتعهد بالعمل على وحدة إيران وسيادتها الوطنية، وتطبيق شعار “إيران لجميع الإيرانيين” يشكل القاعدة الأساسية لنشوء منظمات وجمعيات عربية رغم أن معظمها لا يخفي خشيته مما يسميه البعض بسياسة الكيل بمكيالين التي يقولون إن وزارة الداخلية تمارسها، فهي مثلا رفضت تسجيل جمعية “الديمقراطية وحقوق المساواة” التي أسسها عدد من النواب الأكراد في مجلس الشورى السابق، بينما وافقت على طلب تقدم به مهدي كروبي، الرئيس السابق للمجلس لتأسيس حزب سياسي جديد يحمل اسم “حزب الاعتماد الوطني”.

محطات .. وملامح مرحلة جديدة

قبل التاسع من أبريل عام 2003 يوم سقوط النظام العراقي السابق، كانت العشائر العربية في ايران، تجتمع على مرأى ومسمع من السلطات الايرانية، وتعلن وهي ترفع أعلاما خاصة بكل عشيرة، رفضها للحرب على العراق، منسجمة بذلك مع السياق العام لنظام الجمهورية الاسلامية، وموقفه الرافض (علنا) لتلك الحرب،الا أن ما ميز موقف العرب في ايران، أن العديد منهم بالغ في إظهار ردة فعله وأخذ البعض منهم يعلن تأييده لصدام خصوصا أولئك الذين لايزالون يعيشون الحلم العربي بشعاراته القومية في عهد الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.

هذه المنطقة كانت شهدت تحركا قوميا حادا بعد الثورة الاسلامية عام 1979، وتعرضت لقمع مدروس مارسه محافظ خوزستان آنذاك، الجنرال أحمد مدني والذي سرعان ما تكشفت صلاته بوكالة المخابرات الأمريكية CIA، وكأنه كان ينفذ مخططا لتغذية التوتر، وإحراج الجمهورية الاسلامية الفتية بالنسبة لموقفها من ملف القوميات. وهكذا أصبحت “خلق عرب” التسمية التي يطلقها الاسلاميون الايرانيون على العرب بايران ممن يؤمن بالقومية العربية كملاذ، ويطالب بالانفصال، “وخلق تعني الشعب”.

في الخامس عشر من شهر أبريل 2005، وزعت “الوثيقة الاستيطانية” المنسوبة لمحمد علي أبطحي نائب الرئيس الايراني السابق وقد أنكرها، وأفرزت اضطرابات حادة وعكست مجددا تطورا خطيرا عما مايمكن أن تمر به إيران بسبب أزمة القوميات.

في الاقليم شعب عربي الهوية، إسلامي الانتماء، شيعي المذهب، قريب جدا من العراق ومن كل مايجري فيه، وهو اليوم نقطة الاحتكاك الأولى بين ايران وبريطانيا المحتلة للبصرة المحاذية للاقليم، ومعبر للتوترات من وإلى العراق من بوابته الجنوبية.

لقد كان يفترض بنظام الجمهورية الاسلامية، أن يعطي للعرب في الاقليم المزيد من الحريات في إطار الدستور الذي شاركوا في التصويت عليه عبر استفتاء، ويشركهم على نطاق واسع يتلائم مع نسبتهم، في إدارته، وفي صنع القرار. وإذا كان الشاه السابق مارس مع العرب أبشع ما يخطر في باله من عنصرية فارسية، وحرمهم من جميع حقوقهم، فان الجمهورية الاسلامية التي بشرت بنظام تعددي حر، أخفقت في الوصول باهدافها الى ماتريد خصوصا مايتعلق الأمر بمشاركة الأقلية العربية في الحكم وصناعة القرار.

إن النموذج الذي تقدمه الجمهورية الاسلامية عن شكل الحكم يتيح – نظريا – للأكفاء ومن يؤمن بنظام ولاية الفقيه تولي مناصب قيادية، إذ لايُشترط أن يكون الرئيس مثلا من أصول معينة عدا كونه يؤمن بحاكمية الاسلام وولاية الفقيه، ولكن بعد ربع قرن من التطبيق، وفي أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي المجاور وتفكيكه الى جمهوريات تتكيء على الأساس القومي، فان هذا الشكل لم يعد يلبي حاجة النظام الى الاستقرار والوحدة وتجنب مخاطر التفكيك والتجزئة.

نعم.. يمكن القول أن الأحداث الأخيرة التي اندلعت على شكل مظاهرات، أو عمليات التفجير قد تؤشر على ملامح مرحلة جديدة في عمر الجمهورية الاسلامية، إذ أن حصول الأكراد العراقيين على الفدرالية، واحتمال توسيع رقعتها لتشمل الجنوب العراقي المحاذي لخوزستان، سيصعب الامور على نظام الجمهورية الاسلامية أكثر من أي وقت مضى.

وحينها لن ينفع توجيه الاتهامات لبريطانيا في التورط في هذه الوقائع الخطيرة (حتى إذا صحت) في تخفيف حدة التوترات القادمة في الاقليم، وهنا يقول مراقبون: “إن على إيران أن تدرك أن تحالفها غير المباشر في العراق مع الولايات المتحدة، إنما هو هـش لن يصمد طويلا، كما تؤثر فيه عوامل إقليمية ودولية عدة”.

ويعتقد هؤلاء أنه “لكي تُحبط الجمهورية الاسلامية أي مشروع يرمي الى تفكيكها، فقد يتوجب عليها أن تعود الى شعاراتها التي رُفعت في الأيام الأولى للثورة الاسلامية وماقبلها من تصريحات للامام الخميني الراحل حول شكل الحكم ونظام الاقاليم أو الولايات، والذي لايبتعد كثيرا عن الفدرالية، ولايتعارض مع نظام ولاية الفقيه، وهو مطلب باتت العديد من المنظمات الانفصالية تتمناه”.

كذلك فان عرب خوزستان، يدركون من جهتهم أن الدعوة الى الانفصال ليست مطلبا سهلا في ظل الظروف الراهنة، ولأنهم شيعة ينامون على برميل ضخم من النفط، فانهم بذلك يثيرون مخاوف الدول السنية المحيطة بهم، ولن ينجحوا بسهولة في خطب ودها، وعليهم أيضا أن يتعاملوا مع الظروف الدولية والاقليمية بالكثير من الواقعية الممزوجة بالوطنية والرغبة في التحرر والانعتاق من الهيمنة الأمريكية، وأن لايكونوا مؤيدين لـ”المقاومة” في العراق ضد الاحتلال الأنجلو-أمريكي من جهة، ويتعاونون معه عندما يتعلق الأمر بايران تحت مسميات “الشرعية الدولية”، من جهة ثانية.

لا بد من الواقعية

هناك حقيقة تغيب عن بال الكثير من المراقبين، وهي أن المحافظين الممسكين بمقاليد الحكم اليوم في إيران هم الأقرب الى تطلعات سكان باقي القوميات من الإصلاحيين المشبعين في معظم الأحيان بالولاء للقومية الفارسية.

فالرئيس محمود أحمدي نجاد عمد ومنذ تسلمه السلطة في شهر أغسطس 2005 إلى افساح المجال للاقاليم(المحافظات) لكي تتخذ قراراتها بنفسها، وعقد عدة اجتماعات للحكومة في الاقاليم وانطلاقا منها أدار البلاد، ويقترب هذا التوجه كثيرا من شعارات الثورة الاسلامية الأولى التي بشرت بنظام الولايات واللامركزية في الحكم.

ولعل تأسيس “جبهة الكرد المتحدة” في عهد أحمدي نجاد، يشير الى أن الحكومة الايرانية ربما تتجه إلى التعاطي بأساليب أخرى أكثر مرونة في التعاطي مع المسألة القومية في إيران.

أخيرا فان الامم المتحدة والجامعة العربية لم تُقرّا حتى الآن بوجود مشكلة باسم الاهواز أو عربستان، مايعني أن الطريق أمام “الانفصال” أو “الاستقلال” طويل وطويل جدا، ولابد من الواقعية.

وهنا يأتي دور السلطات في إيران لسحب البساط من دعاة تفكيك الجمهورية الاسلامية (وهم كثيرون) فيما تظل الفدرالية واللامركزية أو نظام الولايات (وإن جاء إداريا) الحل الأفضل – برأي كثيرين – لمشكلة القوميات في إيران مادام حق تقرير المصير بات من المستحيلات في ظل النظام العالمي الراهن.

نجاح محمد علي – دبي

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية