مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

من سيدفع الثمن؟

حديث الرئيس الامريكي عن الدولة الفلسطينية اثار بعض الامال لكن استمرار المواجهات في الاراضي المحتلة يدفع الى المزيد من العنف Keystone

تباينت ردود الفعل العربية والاسرائيلية والدولية على الجملة القصيرة التي ايد فيها الرئيس الامريكي قيام دولة فلسطينية. ترحيب العواصم العربية والاوروبية الهامة، جاء بالتوازي مع استبشار فلسطيني وحذر مشوب بقلق في الاوساط الاسرائيلية.

فاجأ الناطق الرسمي باسم الحكومة الإسرائيلية، أفي بزنر، الكثيرين عندما صرح يوم الاربعاء “ان إسرائيل لن تدفع فاتورة تشكيل أمريكا لحلف ضد الإرهاب في المنطقة”. ويعكس هذا التصريح نقاشا داخليا جادا في إسرائيل حول مرحلة ما بعد انفجارات الحادي عشر من سبتمبر أيلول الماضي في الولايات المتحدة.

اذ بالرغم من مبادرة إسرائيل المبكرة ومحاولتها ركوب الموجة وتحريض الولايات المتحدة والغرب عموما ضد النضال الفلسطيني ضد الاحتلال واعتباره إرهابا، الا ان النجاح لم يحالفها كثيرا وسرعان ما وجدت الولايات المتحدة مرة أخرى خلال عشرة السنوات، ان إسرائيل، تحولت في لحظة حاسمة، الى عبء استراتيجي على بعض سياسات ومصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

يشعر بعض الإسرائيليون ان مرحلة جديدة نسبيا قد بدأت في تعامل الولايات المتحدة مع الموضوع الإسرائيلي الفلسطيني، عندما ضغط كولين باول وبوش على شارون لكي يسمح بعقد الاجتماع بين بيريز وعرفات، الذي كان قد تدخل شخصيا لمنعه عدة مرات في الأسابيع التي سبقته، وكذلك الضغط الذي أدى لتوقف سياسة الاغتيالات الإسرائيلية للفلسطينيين إضافة الى التقليل من عمليات اجتياح مناطق السلطة الفلسطينية.

وبسبب تنامي بعض التخوفات من هذا التوجه، وخصوصا اثر تصريحات بوش الأخيرة المؤيدة لاقامة دولة فلسطينية، تدخل داني ميريدور احد أقطاب ائتلاف الليكود يوم الخميس للتأكيد بان “لا تغيير في سياسة أمريكا تجاه إسرائيل مضيفا بان تصريح بوش حول دولة فلسطينية يأتي بعد أربعة أيام من تصريح صدر عن شارون نفسه، أبدى فيه استعداده لتقبل فكرة دولة فلسطينية من حيث المبدأ”.
ولكن حتى ميريدور، الذي حاول البروز بمظهر غير المنشغل، لم ينس في تصريحاته ان يذكر الولايات المتحدة بالتفاهم الأمريكي الإسرائيلي التقليدي القاضي بان لا تفاجئ أمريكا إسرائيل بمواقف او مقدمات غير منسقة مسبقا.

ولعل هذا التذكير جاء على أرضية إشاعات حول احتمال قيام الادارة الامريكية قريبا (ربما في سياق تدخل “كولن باول” امام الجمعية العامة للامم المتحدة المنعقدة حاليا في نيويورك)، بطرح مبادرة شرق أوسطية توفيقية على غرار “أفكار كلنتن”، التي لم تلاق نجاحا كبيرا، ولكنها ساهمت في المقابل في تحديد وتوضيح الموقف الأمريكي تجاه نقاط مفصلية مثل مسالة الدولة الفلسطينية.

استبشار فلسطيني ولكن..

أما على الصعيد الفلسطيني، فالوضع يختلف قليلا. فقد استبشر المسؤولون الفلسطينيون خيرا بتصريحات بوش وبالإشاعات حول مبادرة أمريكية محتملة.ولم يتخلف الرئيس عرفات قبل ذلك عن التجاوب مع زيادة اهتمام الادارة الأمريكية بالوضع في المنطقة وباتصالاتهم المكثفة، حيث أعلن عن وقف لاطلاق النار (رغم معارضة غالبية الجمهور الفلسطيني لذلك) ونجح في فرض وقف شبه كامل للعمليات الفدائية الفلسطينية ضد إسرائيل وخاصة الموجهة منها ضد المدنيين وفي الداخل الاسرائيلي.

الا ان عدم تجاوب الحكومة الاسرائيلية واستمرارها في سياسة الحصار وسياسة القتل الذي أدى لسقوط اثنان وعشرون شهيدا منذ الاعلان عن وقف إطلاق النار، حد من قدرة عرفات والسلطة على الاستمرار في ضبط نشطاء الانتفاضة، حيث عادت ردود الفعل الفلسطينية للتصاعد مجددا في الايام القليلة الماضية.

على كل، رحب الرئيس عرفات من خلال مستشاره أبو ردينه بتصريحات الرئيس بوش واعتبرها إيجابية، واعتبر العديد من المسؤولين الفلسطينيين من بينهم نبيل شعث، ان هذه التصريحات تمثل “بداية جيدة لكن نجاحها يتوقف على ترجمتها الى مبادرة سياسية عملية وخطوات تؤدي لاعادة الأطراف الى طاولة المفاوضات وتنفيذ الاتفاقات الموقعة ووقف الهجمات الإسرائيلية” على حد تعبيره.

لكن لب المشكل يتمثل في كل هذا يحدث على مستوى سياسي، ومن خلال تصريحات لفظيه نظرية. أما ميدانيا، فلم يتغير أي شيء تقريبا، فالوقائع المؤلمة والصعبة التي تخلقها سياسة الحصار المستمرة منذ اكثر من عام، لا زالت تجعل حياة الفلسطينيين اليومية، اقرب منها الى الجحيم، الأمر الذي يزيد يوما بعد يوم من اتساع الفجوة القائمة بين الشارع والقيادة، ويجعل من الصعب على الراي العام الفلسطيني فهم مغزى وقف إطلاق للنار لا يؤدي الى رفع الحواجز عن الطرق أو الى وضع نهاية لجنازات الشهداء اليومية.

اخيرا، لم يعد مفاجئا ان تعطي استطلاعات الرأي العام الدورية، زيادة في نسبة التشدد في المواقف السياسية للفلسطينيين وارتفاعا في نزوعهم الى تأييد العنف بجميع انواعه ومزيدا من تراجع ثقتهم في عملية السلام برمتها.


د. غسان الخطيب – القدس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية