مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل استنفد “المنتدى” أغراضه قبل أن يحقق أهدافه؟

مشهد من الجلسة الختامية لفعاليات منتدى المستقبل الذي انعقد في في البحرين في شهر نوفمبر 2005 Website des US-Aussenministeriums

مرت 5 سنوات على خطة "الشرق الأوسط الكبير"، التي أعلن عنها الرئيس بوش، قبل أن تتبنّـاها وتعدّلها الدول الصناعية الثمانية في يونيو 2004، وينبثق عنها "المنتدى من أجل المستقبل".

ورغم الجدل الذي أثارته هذه الخطة، والمخاوف التي زرعتها في قلب الأنظمة العربية المذعورة من أي تغيير، إلا أن تساؤلات جدية تُـطرح حول مصيرها.

مرت الآن خمس سنوات على خطة “الشرق الأوسط الكبير”، التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي بوش، قبل أن تتبنّـاها وتعدّلها الدول الصناعية الثمانية في قمة سي آيلاند، التي عقدت في يونيو 2004، وتنبثق عنها مبادرة “المنتدى من أجل المستقبل”.

ورغم الجدل الذي أثارته هذه الخطة في أوساط النخب، والمخاوف التي زرعتها في قلب الأنظمة العربية المذعورة من أي تغيير يُـفرض عليها من الداخل أو الخارج، إلا أن تساؤلات بدأت تُـطرح هنا أو هناك تشكّـك في جدوى الخطة، وفي جدّية القائمين عليها. فهل أن منتدى المستقبل سيصبح أمرا لاغيا في المستقبل القريب؟

شهدت العاصمة اليمنية قبل أيام آخر المفارقات التي تكشف عُـمق المسافة بين الخطاب والممارسة. ففي يوم الأحد 25 يونيو، انطلقت فعاليات “مؤتمر صنعاء حول الديمقراطية والإصلاح السياسي وحرية التعبير” بمشاركة 500 شخصية. وكانت المفاجأة، عندما قرر الرئيس عبد الله صالح أن يفتتح أشغال المؤتمر بدل الوزير الأول، وذلك بعد أربع وعشرين ساعة فقط من إعلانه التراجع عن قرار التخلي عن رئاسة اليمن، والترشح لعهدة رئاسية أخرى تمتدّ سبع سنوات، تضاف إلى مسيرته في الحكم التي استمرت 28 عاما، وذلك استجابة منه لـ “رغبة الجماهير”.

وتمثلت رسالته الأساسية، التي أراد أن يبلغها في خطابه بحضور مسؤولين أمريكيين وأوروبيين، في أن الديمقراطية لا تُـفرض من الخارج، وأن العراق والصومال مثال حي وقوي على ذلك. وتوجه للمعنيين بالأمر بقوله “ظلت المنظومة الاشتراكية تُـدرّسنا 70 عاما دون أن نستفيد منها، وأنتم تعيدون نفس الخطأ، تكثرون الحكي عن الديمقراطية والمجتمع المدني، لكن بدون جدوى”. وأضاف: “درَّسونا الديمقراطية، لكن في الآن نفسه أطعمونا”.

رغم خيبة الأمل التي عبّـر عنها الكثير من ممثلي المنظمات غير الحكومية، الذين كانوا يتصوّرون – على غرار ما صرح به سعد الدين إبراهيم – بأن يكون علي عبد الله صالح قنديل العرب، إلا أنه شعور أصبح يلازمهم بأن المؤتمرات التي تعقد تحت راية منتدى المستقبل تكاد تصبح بلا جدوى.

هذا الشعور عبّـر عنه وزير خارجية إيطاليا الجديد حين قال في مداخلته: “أخشى أن تكون جهودنا قد فقدت شيئا من الحماس بسبب كثرة المؤتمرات أو البطء في عملية الإنجاز”، وأضاف “نشعر بضرورة التوصل إلى صيغ عمل جديدة تكون بعيدة عن الرّوتين أو التوظيف لاعتبارات محلية، وتمكن من تنفيذ التوصيات وتوسيع آثارها”.

أما أسمى خضر، الناشطة والوزيرة الأردنية السابقة، فقد حثت المشاركين على التفكير في تجاوز المأزق “حتى لا نبقى ندور داخل دوائر مغلقة”، وبلغ الأمر بالبعض إلى استعمال مفردات أكثر حدّة لتوصيف المشاركة الشكلية للمجتمع المدني في مثل هذه الاجتماعات، مثل “المفعول بهم من غير الحكوميين” أو “شهود زور”.

تباين المواقف

حددت الدول الصناعية الثمانية الهدف من إنشائها لمنتدى المستقبل، وهو “الأمل في إقامة حوار غير رسمي مَـرن ومفتوح وشامل، يكرّس لتقوية الديمقراطية ومشاركة المجتمع المدني لتطوير مهارات التدريب وتشجيع نمو الاقتصادات الحديثة، التي تولّـد الثروات وتمتد وتندمج في الاقتصاد العالمي”.

وكانت البداية واعدة، رغم الخلافات التي شقّـت ولا تزال منظمات المجتمعات المدنية العربية بسبب تبايُـن مواقف من مبدأ المشاركة. ففي اجتماع وزراء خارجية الدول الثمانية إلى جانب نظرائهم من الدول العربية وغيرها، المشاركة في “المنتدى من أجل المستقبل” الذي عقد في الرباط في 11 ديسمبر 2004، تمكّـن وفد يمثل الاجتماع الموازي غير الحكومي الذي دعا إليه مركز القاهرة لحقوق الإنسان من “اقتحام حرمة” قاعة الاجتماعات الرسمية بدعم من وزير الخارجية الأمريكي كولن باول، وتبليغ مطالب النشطاء والديمقراطيين العرب. لكن تلك المطالب بقيت بدون أي صدى أو متابعة، ثم جاء اللقاء الثاني في البحرين (نوفمبر 2005)، وحمل معه خلافات المنظمات العربية غير الحكومية حول الموقف من المنتدى، وإن كانت المشاركة فيه أوسع.

أما على الصعيد الرسمي، فقد انفض الاجتماع الوزاري دون إصدار بيان ختامي بسبب تحفظ عدد من الحكومات العربية على إنشاء صندوق لتمويل منظمات المجتمع المدني. وفي الاجتماع القادم، الذي يُفترض أن يلتئم في الأردن خلال شهر ديسمبر القادم، يخشى البعض من أن يكون مردوده أضعف من سابقيه.

فهل يعني ذلك أن الأنظمة العربية قد نجحت في إبعاد الخطر عنها بإفراغ مبادرة الشرق الأوسط الكبير من أي مفعول “سحري” لتسريع الإصلاحات السياسية؟

تظل مسألة التمويل عائقا….

يقول سكوت كاربنتر، المسؤول على “الميبي” MEPI، “أجزم بأننا خلال السنتين الماضيتين قطعنا شوطا هاما”، لكنه يُـقر بضرورة البحث عن “طرق أفضل” نظرا لأن حوار دعم الديمقراطية “يجب ألا يبقى مجالا للكلام فقط، وإنما الفكرة جاءت لدعم مبادرات عملية”، مُحذرا من أنه في صورة “عدم إحراز أي تقدم، فسيكون السيناريو القادم أكثر سوءا”.

هذا الرجل الذي لا تطمئن له معظم الحكومات العربية، ساند بوضوح النص الذي تقدّمت به المنظمات غير الحكومية العربية في مؤتمر صنعاء لتعديل مشروع البيان الختامي، الذي حاولت الحكومات تمريره، وهو النص الذي حاول السفير المصري لدى اليمن إفراغه من كل نبرة احتجاجية، مما دفع بوزير الخارجية اليمني إلى رفض ما أسماه بـ “دكتاتورية المجتمع المدني”.

وقد شكل التوافق بين الرسميين وغير الحكوميين حول البيان الختامي، بعد تباين الآراء والمواقف، أول إنجاز رمزي يحققه المجتمع المدني العربي في مسعاه الشاق من أجل تغيير طبيعة العلاقة القائمة بينه وبين أنظمة الحكم في المنطقة.

الأمر الآخر، الذي سلك طريقه نحو الإنجاز، ويتوقع البعض أن يكون له تأثير مباشر على أوضاع الجمعيات والمنظمات العربية غير الحكومية، يخص “مؤسسة المستقبل لمنطقة الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا”، وهي عبارة عن صندوق لتقديم المنح إلى مختلف منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال دعم الديمقراطية والإصلاح، والمعلوم أن مسألة التمويل لا تزال تشكّـل مثار جدل واسع في أوساط النشطاء والديمقراطيين العرب، إضافة إلى تحفظات الحكومات.

فهذه الأخيرة، أو أغلبها، يرفض تقديم مساعدات مالية غير مشروطة، وفي الآن نفسه، تعمل هذه الحكومات على وضع العراقيل أمام تلقي الأموال من مؤسسات أجنبية، وتقوم بتخوين من يلجأ إلى ذلك.

تأرجح مبادرة المستقبل

وفي اجتماع البحرين، المشار إليه سابقا، اعترضت عديد الحكومات وفي مقدمتها مصر على إنشاء “مؤسسة المستقبل”، ورأت فيها وسيلة للمس من “السيادة الوطنية”، لكن حكومات أخرى سارعت إلى دعم الفكرة، وقامت بتخصيص مساعدة مالية هامة، مثلما فعلت قطر. وأمام الضغوط التي مارستها واشنطن، تراجعت الحكومات المتحفظة، وقبلت على مضض بهذه المؤسسة، التي بدأت تشق طريقها رويدا رويدا نحو الهيكلة وضبط الصلاحيات.

إذ سيتولى مجلس إدارة مُـكوَّن من شخصيات معروفة على الصعيدين، الإقليمي والدولي، ولا تتولى مسؤوليات رسمية، وسيكون رئيس المجلس من أحد دول المنطقة، وليس من خارجها. وعلمت سويس أنفو أنه تم ترشيح 41 شخصية لهذه الهيئة، سيقع اختيار 15 منها بالتساوي بين الرجال والنساء ليكونوا أعضاء في مجلس إدارتها، مع الملاحظة أن الحكومات غير ممثلة في المؤسسة، ولا علاقة لها باتخاذ القرار فيها أو بطريقة توزيع المنح المالية، وسيقع الإعلان عن قائمة الأعضاء خلال الأيام القليلة القادمة.

ومن الأسماء التي تم ترشيحها المفكر السوري برهان غليون، والدكتورة رحمة بورقية، أول امرأة مغربية تتولى رئاسة جامعة، والصحفي السعودي عبد الرحمان الراشد، مدير مجلس إدارة قناة العربية، وبختيار أمين، وزير حقوق الإنسان العراقي السابق.

وفي هذا السياق، تم أيضا ترشيح الناشطة الحقوقية خديجة الشريف والرئيسة الحالية لجمعية النساء الديمقراطيات، لكنها اعتذرت لاعتبارات قد تكون لها علاقة بالموقف المتحفظ الذي تتمسك به بعض فعاليات المجتمع المدني التونسي.

كما عبّـرت خمس دول (أربع منها عربية) عن رغبتها في احتضان مقر “مؤسسة المستقبل”، وهي المغرب وقطر والأردن واليمن وتركيا، وستنطلق المؤسسة من رصيد مالي يتراوح بين 60 و70 مليون دولار، تبرّعت بها عديد الحكومات العربية والغربية، من بينها الولايات المتحدة، وقطر وسويسرا.

لكن المؤسسة لن تعتمد في أسلوب عملها لتقديم المنح إلى المنظمات غير الحكومية على قبول الحكومات أو رفضها، وهو أمر إن تم، فإنه يشكل عاملا هاما في توسيع دائرة المستفيدين من هذه الآلية الجديدة.

هكذا تبدو مبادرة المستقبل، متأرجحة بين حالة الشك التي أخذت تنتاب آلاف النشطاء الذين يحاولون استثمار ما اعتبروه فرصة لتعديل موازين القوى لصالح التغيير والإصلاح، وبين جهود تُـبذل من قبل جهات متعددة حكومية غربية وأخرى مدنية غير حكومية، من أجل تفعيل المبادرة، والحيلولة دون أن تفشل وتذهب ريحها.

وبين هذا وذاك، يبقى المجال واسعا للحسابات السياسية الاستراتيجية والمناورات المتعددة التي تقوم بها مختلف الأطراف، سواء للمحافظة على الأوضاع الراهنة، رغم سوئها، أو العمل على إدخالها في حركية مجهولة النتائج والتداعيات، أما على أرض الواقع، فأعراض الحمل لا تزال قائمة، لكن لا توجد الدلائل على أن الجنين سيكون خاليا من العاهات والتشوّه.

صلاح الدين الجورشي – صنعاء

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية