مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل سيعود الاتحاد المغاربي إلى الأضواء؟

انتهت سنة 2002 مغاربيا كما بدأت، محملة بآمال إعادة الحركة لمشروع وحدة حمله جيل استقلال الدول المغاربية الخمس؟

غير أن الأجيال التي تعاقبت على السلطة فشلت في تجسيده من خلال خطوات ثابتة لا تتأثر بالمستجد الآني على حساب المستقبل المشترك

لم تر الآمال التي حملتها السنة الماضية النور، وإن كانت لم تنتشل “المشروع – الحلم” من الجمود الذي كبّـله منذ عشر سنوات، حيث فشلت كل محاولات عقد قمة مؤجلة دون موعد.

طوال عام 2002، كان تنشيط المؤسسات المغاربية والعمل المشترك ينتظر قمة الجزائر التي كان مقررا عقدها في يونيو الماضي. وكان رؤساء ليبيا وتونس وموريتانيا يستعدون للتوجه إلى الجزائر، إلا أن تطورات اللحظات الأخيرة حالت دون ذلك.

أجواء العلاقات المغربية الجزائرية الباردة حالت دون المشاركة الشخصية للعاهل المغربي الملك محمد السادس في قمة الجزائر، وارتأى الرئيسان التونسي والليبي التأجيل حتى يتسنى حضور الجميع في القمة المفترض أن تنهمك في إعادة الحياة لمؤسسات أنهكها تعب التجميد الرسمي منذ 1995 والجمود الفعلي قبل ذلك التاريخ وبعده.

انعدام التنسيق والإرادة الجماعية

لم تكن العلاقات الجزائرية المغربية الحائل الوحيد لعدم ارتباط عام 2002 بحدث إنعاش العمل المغاربي المشترك. فالأوضاع الداخلية وتداعيات هجمات 11 سبتمبر جعلت كل عاصمة مغاربية منشغلة في ترتيب أوضاعها الداخلية وعلاقاتها الخارجية في محاولة لتقليص تداعيات 11 سبتمبر التي عاش العالم طوال السنة الماضية على إيقاع مضاعفاتها الممزوجة بالحملة الأمريكية ضد العراق.

ليبيا التي واصلت قيادتها توجهها الإفريقي وعدم إيلاء الاهتمام للأطر الإقليمية الأخرى، الجامعة العربية واتحاد المغرب العربي، وذهبت إلى حد تقديم طلب للانسحاب من الجامعة العربية، وجدت في هجمات 11 سبتمبر وتركيز اهتمام العالم على الحرب ضد الإرهاب فرصة ثمينة لإصلاح ذات البين مع أوروبا بإعادة علاقاتها الدبلوماسية مع بريطانيا وتحسينها مع فرنسا وإيطاليا، وإدخال علاقاتها مع الولايات المتحدة دائرة الهدنة بعد عقود من التوتر.

لم تكن القيادة الليبية فقط، بحكم ما تتبناه من أفكار، خصما للتيارات الأصولية المتشددة عموما، بل كانت خصما عنيدا لتنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن خصوصا، إثر المواجهات المسلحة التي عرفها عقد التسعينات في عدد من المدن الليبية بين السلطة وأنصار هذا التيار.

تونس التي كانت أول من أعلن مغاربيا حربا على التيارات الأصولية، ورغم أنها كانت مسرحا لعمليات تنظيم القاعدة الذي تبنى في أبريل اعتداء إرهابيا على معبد يهودي في جزيرة جربة، لم تحشر نفسها مباشرة في الحرب العالمية على الإرهاب، لكنها واصلت ضبط الحركات الأصولية وتطويقها.

بين المغرب والجزائر!

ووجدت الجزائر في الحرب العالمية على الإرهاب انتصارا لوجهة نظرها حول مخاطر الحرب بين الدولة والجماعات المسلحة، والتي تعيشها البلاد منذ 1992، وحرصت على حصاد ما يمكن أن تدره عليها هذه الحرب، من دعم سياسي أو صفقات أسلحة تبدأ في موسكو ولا تنتهي في واشنطن.

ولم يعرف الوضع الداخلي الجزائري تحولات جذرية رغم الانتخابات البلدية التي جرت في الخريف الماضي. فالأزمة السياسية بقيت قائمة والدولة واصلت مواجهاتها مع الجماعات المسلحة المتشددة دون أن تَظهَـر آثار فعلية لقانون الوئام المدني الذي أقره الرئيس بوتفليقة نهاية عام 2000، وبقيت مؤسسات الدولة وصناعة القرار في حالة تعايش دون تصفية الأجواء ولا اندلاع مواجهات تهدد هذا التعايش الهش.

المغرب الذي تجاوز بسرعة توتر علاقاته مع جارته الشمالية بعد احتلال إسبانيا لجزيرة تورة (ليلى) في يوليو الماضي وإعادة العلاقات إلى حالة الحوار بعد القطيعة، كان أكثر بلدان المغرب العربي مساهمة علنية في الحرب على الإرهاب والأصولية الإسلامية، وذلك لحسابات داخلية أو خارجية.

فإضافة لإعلان الرباط تفكيك خلية لتنظيم القاعدة من ثلاثة سعوديين، كانت تعد كما تقول السلطات، لهجمات مسلحة على أهداف بحرية أمريكية وبريطانية في مضيق جبل طارق، فإن السلطات شنت حملة على النشطين في التيارات الأصولية المتشددة وقدمت العديد منهم للمحاكمة.

داخليا، خيّم الحماس المغربي في الحرب على الإرهاب على الانتخابات التشريعية التي جرت في 27 سبتمبر، وما رافقها من تخوف من اكتساح الجماعات الأصولية المعتدلة البرلمان.

جاءت الانتخابات المغربية بخارطة سياسية تحمل نفس سمات خارطة مجلس النواب السابق، دون أن يكون لأي حزب أغلبية واضحة، مع تقدم ملموس لحزب العدالة والتنمية الأصولي المعتدل، وضعف حضور ما كان يعرف بالأحزاب الإدارية. وأدى التنابز بين الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال، الحزبين الرئيسيين في مجلس النواب، إلى حرمان أي منهما من رئاسة الحكومة الأولى في عهد الملك محمد السادس، وتكليف وزير الداخلية في حكومة عبد الرحمن اليوسفي، التكنوقراطي إدريس جطو بهذه المهمة.

أما موريتانيا، فبقيت في عزلتها المغاربية والعربية التي وجدت فيها أمانا من عواصف قد تهب عليها ولا تستطيع البلاد تحملها.

تحديات جسيمة

على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، ظلت أزمات الدول المغاربية، منفردة أو مجتمعة على ما هي عليه دون أن تتعمق أو تنفجر أو تعرف مسار الحل، أو حتى التخفيف. فالأزمة الاجتماعية بقيت ظاهرة بسماتها، بطالة وفقر وأمية. وثوابت الوضع الاقتصادي لم تتغير، من مديونية وضعف الاستثمار الداخلي والخارجي.

أما نزاع الصحراء الغربية، فقد بقي حاضرا دون أن يسجل جديدا بعد أن اتُّـفق على مواصلة انتظار توفر أجواء ثنائية أو جماعية تسمح بإعادة النزاع إلى سكة التسوية.

تأتي سنة 2003 حاملة معها آمالا مغاربية عديدة، في مقدمتها إعادة الروح لمؤسسات الاتحاد المغاربي، وانفراج العلاقات الثنائية، ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية الجسيمة التي تُـحتِّـم على هذا التجمع تأمين المستقبل المشترك لشعوبه. ولا شك أن اجتماع المجلس السياسي (وزراء الخارجية) يوم 3 يناير في الجزائر مؤشر على حقيقة نوايا وتطلعات القادة المغاربيين.

محمود معروف – الرباط

تأسس اتحاد المغرب العربي في 17 فبراير 1989 في مراكش
الدول الأعضاء: موريتانيا، المغرب، الجزائر، تونس وليبيا
يعقد وزارء خارجية الاتحاد اجتماعا في الجزائر يوم 3 يناير 2003
من المنتظر عقد القمة المغاربية المقبلة في الجزائر

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية