مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

استراتيجية الرُّعب

فرضت احداث 11 سبتمبر ضرورة البحث عن مفاهيم جديدة للامن العالمي وفق رؤى الولايات المتحدة Keystone

اصدر معهد ستوكهولم لابحاث السلام، SIPRI تقريره السنوي عن التغيرات الاستراتيجية الدولية التي احدثتها اعتداءات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة وعن انتاج وتجارة السلاح في العالم.

·بلغ الانفاق العسكري في العالم خلال عام 2001، 839 مليار دولار.


· انفقت السعودية في عام 2001، 27 مليار دولار على شراء الاسلحة.


· ان موقع الولايات المتحدة على الساحة العالمية لم يسبق له مثيل في التاريخ.


·العقوبات الدولية لم تعد تستهدف الدول فحسب، بل اصبحت تشمل الاشخاص والمنظمات.

ظل مفهوم “توازن الرّعب” سائدا طوال حقبة الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشيوعي وعاد له الفضل في عدم توسيع رقعة العديد من الحروب الاقليمية، التي خاضتها دول مؤيدة لاحد المعسكرين نيابة عن الحلف الاطلسي وحلف وارسو.

وتميّع هذا المفهوم مع اندثار الاتحاد السوفييتي وظهور صيغة جديدة، هي “احادية القطبية”، وجوهرها ان الولايات المتحدة اصبحت القوة الوحيدة والمهيمنة على شؤون العالم والقادرة على فرض ارادتها او وصايتها على باقي الدول، بما في ذلك روسيا، وريثة الاتحاد السوفييتي.

لكن هذا الوضع لم يدم اكثر من عشر سنوات. فقد قلبت احداث 11 سبتمبر 2001 كل المعطيات المنطقية والتوازنات الدولية الهشّة من حيث ضرورة البحث عن مفاهيم جديدة “للامن العالمي” وفق رؤى وتصورات الولايات المتحدة التي انفردت بوضع استراتيجية جديدة، داخلية ودولية، لا تأخذ في الاعتبار سوى المصالح الامريكية، ولا تخوّل لاي دولة اخرى او تجمع اقليمي، مهما كانت قوته وثقله، الاعتراض او حتى التحفظ على ما ترسمه واشنطن وتقرره.

وقد تجلى الواقع الجديد للعالم في التقرير السنوي لمعهد ستوكهولم لابحاث السلام، وهو احد اعرق مؤسسات الدراسات الدولية واكثرها مصداقية في تقييم التغييرات والتوازنات الاستراتيجية والعلاقات الدولية بما في ذلك التصنيع الحربي وتجارة الاسلحة. ونورد فيما يلي اهم استنتاجات التقرير عن 2001.

الامن العالمي بعد احداث 11 سبتمبر

شكلت الاعتداءات الارهابية التي استهدفت الولايات المتحدة مفترقا في مفهوم الامن العالمي. فقد غيرت هذه الاعتداءات طبيعة العلاقات السياسية والاستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا ودول عديدة اخرى. واصبحت مقاومة الارهاب اولوية قصوى في السياسة الدولية.

لكن هنالك اختلافات في وجهات نظر الدول الغربية وحلفائها حول الاهداف الاساسية لمقاومة الارهاب بين الدول التي ترى ضرورة التركيز على تدمير شبكة القاعدة، ودول تعتقد في ضرورة العمل على القضاء على جذور الارهاب من خلال انتهاج سياسات تأخذ في الاعتبار مجالات متنوعة، مثل تسوية النزاعات، والتنمية، وتعزيز الديموقراطية والحريات، وسيادة القانون…

وهنالك اربع معطيات جوهرية يجب اخذها في الاعتبار في وضع “نظام امني عالمي جديد”.


1.تطور وانتشار التكنولوجيات الحديثة ولاسيما تكنولوجيا انتقال وتداول المعلومات التي هي اساس العولمة.

2.العدد المتزايد للدول التي لا تملك الامكانيات الملائمة للدفاع عن اراضيها وتتحول بالتالي الى أوكار للجريمة المنظمة والشبكات الارهابية.

3.التداخل غير الواضح بين الامن الداخلي والامن الخارجي.

4.تزايد اهمية الجوانب غير العسكرية في مفهوم امن الدول.


كما ان نجاعة تسيير شؤون الدولة في كنف الشفافية والالتزام بسيادة القانون، اصبحتا اكثر اهمية في الحفاظ على النظام الدولي من القدرات العسكرية للدول…

ان بامكان الولايات المتحدة ان تتحمل دورا حاسما. فهي تحتل موقعا لم يسبق له مثيل في تاريخ الانسانية من حيث قدراتها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية. فالدخل القومي الامريكي يمثل 31% من الدخل العالمي. وبوسع الولايات المتحدة العمل والتحرك من جانب واحد. الا ان اساس الامن هو التعاون وليس الثراء والاستقلالية عن العالم.

وفي الوقت الذي تعلن فيه الولايات المتحدة التزامها بالتعاون الدولي في خطابها السياسي، فانها في الممارسة، تتصرف بشكل انفرادي في وضع السياسات واتخاذ القرارات. ان العالم بحاجة الى الولايات المتحدة اكثر من أي وقت مضى، لكن الولايات المتحدة هي ايضا في حاجة الى العالم. فالهيمنة والانعزالية الجديدة وفرض الارادة بالقوة، لا تضمن الحفاظ على الامن العالمي.

الانفاق العسكري

بلغ الانفاق العسكري في العالم خلال عام 2001، 839 مليار دولار او ما يعادل 2,6% من المنتوج الداخلي العالمي، وهذا يعني ان كل انسان على وجه الارض أنفق حوالي 140 دولارا سنويا على التسلح.

خمسة بلدان هي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا واليابان وبريطانيا انفقت لوحدها 441 مليار دولار على التسلح، في حين ان الدولة العربية الاولى التي وردت ضمن القائمة هي المملكة العربية السعودية، التي جاءت في المرتبة الثامنة خلف المانيا والصين، حيث انفقت عام 2001، 26,6 مليار دولار على شراء الاسلحة. اما اسرائيل، فانها جاءت في المرتبة الثالثة عشرة، حيث انفقت 9,1 مليار دولار.

ويتوقع تقرير SIPRI ارتفاعا كبيرا في الانفاق العسكري العالمي نتيجة احداث 11 سبتمبر، لاسيما في الولايات المتحدة التي قد يبلغ انفاقها العسكري خلال العام الجاري زهاء 400 مليار دولار مقارنة مع281 مليار في عام 2001.

وقد سجلت منطقة الشرق الاوسط النمو الاكبر في انفاقها الحربي، حيث استثمرت عام 2001، 15 مليار دولار اضافية لشراء الاسلحة مقارنة مع عام 2000. كما سجل الانفاق العسكري العالمي بين عامي 1998 و 2001 ارتفاعا بلغ 52% بعد الركود الذي ساد سوق السلاح الدولية نتيجة تفكك الاتحاد السوفييتي.

العقوبات الدولية

كان للعقوبات الدولية دور مهم في المساعي المبذولة لتسوية العديد من القضايا الامنية، في الوقت الذي يتواصل الجدل الذي بدأ في اول التسعينات، إثر اجتياح العراق للكويت، حول طبيعة نظام العقوبات وجدواه. وواصلت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي البحث عن افضل السبل لجعل نظام العقوبات اكثر نجاعة وفعالية في التعامل مع القضايا الامنية الدولية.

وعلى الرغم من كثرة استعمال كلمة “العقوبات- Sanctions”، فان هذا المفهوم لازال غير واضح ولا يوجد بشانه أي اتفاق دولي، خصوصا وانه لم يرد ذكره اطلاقا في ميثاق الامم المتحدة، الذي يشير الى “اجراءات يتم اعتمادها ردا على تهديد السلام او الاعمال العدوانية”. ولهذا السبب، فان شرعية العقوبات التي لم يقرّها مجلس الامن الدولي، تظل محلّ تساؤل.

ان العقوبات لم تعد اليوم تشمل الدول فحسب، بل اصبحت تستهدف المنظمات والاشخاص. فبعد الاعتداءات الارهابية التي استهدفت الولايات المتحدة، صادق مجلس الامن الدولي على توسيع اجراءات العقوبات، لتشمل المجموعات والاشخاص الذي ارتكبوا اعمالا ارهابية.

ان اللجوء الى العقوبات لمقاومة الارهاب، وهو تهديد ذو بعد كوني وليس تهديدا او انتهاكا للسلام او عدوانا يرتكب في مكان وضد هدف معيّن، امر لم يسبق له مثيل ويثير تساؤلات خطيرة حول ما تقوم به الامم المتحدة في تطوير نظام العقوبات…

العالم في وضع أسوأ

ما يمكن استنتاجه من تقرير معهد ستوكهولم لابحاث السلام SIPRI، أنّ احداث 11 سبتمبر، فاجأت العالم وهو لم يستوعب بعد التغييرات الجوهرية التي نجمت عن تفكك الاتحاد السوفييتي وظهور مفهوم العولمة التي بشّرت بها الولايات المتحدة والغرب، لتحقيق التقارب الحضاري وازدهار الدول الغنية وانتعاش الدول الفقيرة وتضييق الهوّة الساحقة بينهما.

وتبدي بعض الدول الاوروبية الحليفة لواشنطن ودول اخرى عديدة في العالم من بينها روسيا والصين، ترددا وتحفظا احيانا في مسايرة السياسة الامريكية مسايرة عمياء منذ بداية “الحرب العالمية على الارهاب” في 7 اكتوبر 2001، وفق المبدأ الامريكي الثابت “اما ان تكون معنا او فانت ضدنا”. ويجسد هذا التردد التّجاذُب الذي يسود العلاقات الدولية منذ 11 سبتمبر.

وقد يساعد هذا التّجاذُب في الحفاظ على السلام والامن وسيادة الدول، مثلما كان “توازن الرعب” عامل استقرار دولي خلال حقبة الحرب الباردة. لكن كل المعطيات تشير الى ان هذا لن يحدث على المدى القريب، بما ان واشنطن قررت قيادة العالم كما تريد والى حيث تريد.

محمود بوناب/ تقرير معهد ستوكهولم لابحاث السلام

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية