استعدادات أممية للمرحلة المقبلة في العراق
شرح روس ماونتن، نائب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق في لقاء مع الصحافة العربية في جنيف، ملامح الدور المستقبلي للمنظمة في المرحلة المقبلة
وأكد ماونتن أن هذا الدور مرتبط بمدى تحسن الأوضاع الأمنية وبتسوية الخلافات القائمة بين العراقيين بخصوص آليات انتقال السلطة وعودة السيادة
حرص الدبلوماسي النيوزيلندي روس ماونتن على إجراء لقاء مع ممثلي الصحافة العربية في جنيف قبل توجهه إلى قبرص وعمان والكويت ومباشرة مهمته الجديدة كنائب لممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق.
وفي لقاء انتظم يوم 23 يناير الجاري، أوضح السيد ماونتن للصحفيين العرب الذين التقى بهم تطللعات الأمم المتحدة فيما يتعلق بدورها المرتقب في مرحلة نقل السيادة في العراق.
وكان كوفي انان قد عين في العاشر من ديسمبر 2003 الدبلوماسي النيوزيلندي، الذي يشغل منصب مساعد منسق الأمم المتحدة للإغاثة في حالة الطوارئ، ومدير مكتب الشؤون الإنسانية في جنيف، محل سيرجيو فيرا دي ميللو الذي لقي حتفه مع واحد وعشرين موظفا أمميا في الاعتداء الذي استهدف مقر الأمم المتحدة في بغداد يوم 19 أغسطس 2003.
وتهدف مهمة السيد روس ماونتن التي تستمر ستة أشهر قابلة للتجديد إلى التحضير لإمكانية عودة الموظفين الدوليين إلى العراق في حال تحسن الأوضاع الأمنية، وتسوية الخلافات السياسية القائمة قبل انطلاق المرحلة الانتقالية.
وقد كانت تفاصيل التصور الذي يحمله السيد ماونتن عن هذه المهمة ذات الطابع السياسي والإنساني في الظروف الحالية للعراق أهم المحاور التي دار حولها الحوار الذي شاركت فيه سويس انفو.
استهداف متعمّـــد
وفي الوقت الذي تستعد فيه الأمم المتحدة للتحقق من إمكانية إجراء انتخابات في العراق قبل نقل السلطة، يُـذكر السيد روس ماونتن، الذيعليه التأكّـد من وجود ظروف تسمح بعودة الموظفين الدوليين إلى العراق، بأن المنظمة “تواجه مشاكل أمنية كبرى. فليست هذه هي المرة الأولى التي يقتل فيها عمال إغاثة، وسوف لن تكون الأخيرة، ولكن ما يميز هذه الأحداث أنها استهدفت الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية كاللجنة الدولية للصليب الأحمر بشكل متعمد”.
لقد أدّى استهداف الأمم المتحدة وموظفيها بشكل متعمّـد إلى اتخاذ إجراءات أمنية مشددة مثلما يقول السيد ماونتن الذي يضيف “نحن نواجه مشاكل أمنية في أفغانستان، ولكنها ليست من نفس النوع”.
ويذكّـر المسؤول الأممي في هذا السياق بأنه قد عمل في ليبيريا وفي عدة مناطق من إفريقيا وأجرى مفاوضات مع الأطراف المتنازعة، كما استُـهدف هو وزملاؤه إلى القصف عن طريق الخطأ، ووجدوا أنفسهم أحيانا في مرمى نيران متبادلة بين مجموعات متصارعة، إلا أن كل ذلك يختلف عن الاستهداف المتعمّـد الذي تعرض له مقر الأمم المتحدة والعاملون فيه في بغداد.
واعتبر مساعد ممثل الأمين العام في العراق أن هذا الاعتداء المتعمد “يمس بحياد الأمم المتحدة، وهو ليس من صنع الشعب العراقي، بل من عمل مجموعات صغيرة جدا ومنظمة بشكل محكم، وهذا ما يدفعنا إلى الحذر الكبير”.
وفي رد على سؤال لسويس انفو حول حقيقة الدوافع التي أدت إلى استهداف الأمم المتحدة بشكل مباشر في العراق، أجاب السيد روس ماونتن: “لا أعتقد أن الذين هاجموا المنظمة يسيئون فهم دورها في العراق، مع اقتناعنا بوجود ضرورة لمزيد من الشرح لهذا الدور داخل الأوساط الشعبية العراقية. فنحن ندرك جيدا أن بعض الأدوار التي قامت بها الأمم المتحدة في الماضي أثناء فترة الحصار وفي مرحلة البحث عن أسلحة الدمار الشامل لم تكن بالمهام التي رحب بها كل الناس في البلاد، وليس هذا هو لب الموضوع، بل إن المسألة تتعلق بمجموعة محدودة من الناس تعلم جيدا أننا نعمل من أجل إقامة دولة مستقرة وديموقراطية ولا تقصي أحدا، وهذا لا يعجبهم. لذلك، فهم ينظرون إلى الأمم المتحدة على اعتبار أنها هدف سهل المنال، وذلك من اجل خلق الفوضى في البلاد”.
ويؤكّـد المسؤول الأممي أنه: “ليس بإمكاننا التواجد في بغداد والبقاء وراء المكاتب المحصنة دون الاختلاط بالشعب العراقي وتقديم المساعدة الإنسانية له، وإجراء الاتصالات بالأحزاب السياسية، وهذا ما لا يروق لهذه المجموعة الصغيرة”.
وفي المحصّـلة، اعتبر نائب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق أن ما هو مهم يتمثل في الحرص على أن يُـفهم الدور المحايد والمستقل للمنظمة من قبل كل الأطراف. وقال “لقد سعدنا خلال الاجتماع الأخير الذي تم في نيويورك بتشديد قوات التحالف، ومجلس الحكم الانتقالي في العراق على ضرورة احترام استقلالية الأمم المتحدة”.
وفي رد على سؤال يتعلّـق بنوعية الإجراءات الأمنية التي ترغب الأمم المتحدة في اتخاذها من أجل الإسراع بعودة الموظفين الدوليين إلى العراق، اكتفى المسؤول الأممي بالإشارة إلى أن هناك لجنة تسهر حاليا على دراسة هذا الموضوع. وقال: “لا ارغب في تقديم مزيد من التفاصيل. إلا أنه يمكن القول أننا نرغب في ضمان اكبر قدر من الأمن لموظفينا عند عودتهم، ولو انه لا توجد ضمانات مطلقة في هذا المجال، وهذا في كل مكان من العالم وليس فقط في العراق”، على حد تعبيره.
أي دور سياسي؟
وفي الوقت الذي يشتدّ فيه الجدل حول طبيعة الدور الذي تسعى الولايات المتحدة إلى إسناده إلى المنظمة الأممية بعد استبعادها المُـطلق في مرحلة الإعداد للحرب على العراق، ومنذ احتلاله بدون تفويض دولي، أوضح السيد روس ماونتن في رد على سؤال لسويس انفو حول حيثيات الدور الجديد للمنظمة في العراق، بأن هناك تركيزا، في المرحلة الحالية، على “دراسة الأدوار التي يمكن للأمم المتحدة أن تقوم بها ما بعد شهر يونيو القادم انطلاقا من مبدأ أن السيادة ستعاد للعراقيين في ذلك الموعد”.
وفي معرض شرحه لهذه الأدوار، قال السيد ماونتن “هناك تطلعات لكي تتولى الأمم المتحدة عدة مهام لها علاقة بتحضير الدستور، وتنظيم الانتخابات، والمساعدة في تنظيم الأحزاب السياسية، وإقامة النظام الإداري والقضائي، وهذه كلها قطاعات هامة دعت الحكومة العراقية الحالية إلى الحصول على مساعدات أممية فيها، وقد تطالب الحكومة العراقية المقبلة بذلك أيضا في المستقبل. لذلك، علينا استباق الأحداث، وأن نكون جاهزين عندما يطلب منا ذلك”.
ويعترف نائب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق بوجود جدل واسع داخل العراق حول المسار الإنتخابي المقبل، مشيرا إلى مطالبة المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني بإجراء انتخابات للمجلس الانتقالي قبل تعيين الحكومة الانتقالية.
وفي هذا الصدد، يقول ماونتن: “إن هذا هو السؤال المطروح على الأمم المتحدة في الوقت الحالي. فهي تنظر في إمكانية تنظيم هذه الانتخابات او عدم إمكانيتها. وإذا تعذر ذلك، هل يمكن اعتماد طريقة التمثيل الحالية داخل المجلس كوسيلة مثلى، أم علينا انتهاج منهج آخر من خلال مجلس انتقالي معين بدل أن يكون منتخبا، وهذا ما يُـنتظر أن يتخذ الأمين العام للأمم المتحدة قرارا بشأنه”.
وأضاف الممثل الأممي بأنه “من السابق لأوانه القول إن الحكومة العراقية القادمة سوف لن تكون مقبولة، بل اعتقد أن هناك تحركا يسير في اتجاه جعل الحكومة التي ستنبثق بعد نقل السلطة في شهر يونيو حكومة يعترف بشرعيتها، داخل أوساط الشعب العراقي أولا، ومن قبل بقية بلدان العالم، ثانيا”.
رســـالــــة
وفي ختام لقائه بالصحفيين العرب في جنيف، حرص نائب ممثل الأمين العام في العراق على توجيه رسالة إلى الرأي العام العربي، أكّـد فيها على أن الدور الذي ترغب الأمم المتحدة في القيام به في العراق في مرحلة نقل السلطة “لن يُـخيّـب آمال الشعوب العربية”.
ومع اعترافه بأن الأمم المتحدة غير قادرة على القيام بكل شيء، وبأنها أصبحت أكثر عُـرضة للخطر، إلا أنه يعتبر أنها “تبقى المصدر الرئيسي للشرعية الدولية، كما تظـل المحفل الحيوي المحايد القادر على تقديم المشورة والخبرة في شتى الميادين الحساسة من سياسية وإنسانية وقضايا إعادة الإعمار”.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
شغل السيد روس ماونتن المناصب التالية:
1991ـ1995: منسق الشؤون الإنسانية في أفغانستان وليبيريا وهايتي
1995ـ1998: ممثلا مقيما لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان
منذ 1998: المنسق المساعد لمكتب عمليات الإغاثة في حالة الطوارئ
2003: ترأس فريق مهام الآزمات للعراق
10 ديسمبر 2003: تم تعينه نائبا لممثل الأمين العام في العراق.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.