مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الاستهتار!

على الرغم من كل المساعي التي بذلها الامين العام للامم المتحدة، لاتزال اسرائيل متمسكة برفضها لجنة تقصي الحقائق في مخيم جنين swissinfo.ch

"يرحب (المجلس) بمبادرة الامين العام الى استقاء معلومات دقيقة بشان الاحداث الاخيرة في مخيم جنين للاجئين عن طريق فريق لتقصي الحقائق ويطلب اليه ان يبقي مجلس الامن على علم بذلك". "يقرر ان يبقي المسألة قيد نظره". البندان 2 و 3 من قرار مجلس الامن رقم 1405 بتاريخ 19 ابريل 2002.

المتهم بريء حتى تثبت ادانته. هذا القانون الذي يمثل منطلقا قضائيا لكافة التحقيقات الجنائية في معظم بلدان العالم قد لا ينطبق اليوم على اسرائيل وعلى حقيقة ما ارتكبته قواتها في مخيم جنين. فالدولة العبرية متمسكة برفضها استقبال لجنة تقصي الحقائق التي شكلها الامين العام للامم المتحدة للوقوف على الاوضاع الانسانية التي خلفها اجتياح القوات الاسرائيلية مخيم جنين في اول الشهر الجاري. وبما ان اللجنة عاجزة عن انجاز مهمة التحقيق التي كلفها بها مجلس الامن، فان كل الاحتمالات، وبالتحديد السيئة منها، تظل قائمة.

فاللجنة الدولية للصليب الاحمر تحدثت عما يشبه الزلزال في جنين. ومنظمة العفو الدولية التي ارسلت وفدا عاين الاوضاع في المخيم اكدت وقوع تجاوزات قريبة من جرائم الحرب وعمليات الابادة. ومنظمة “ميدل ايست واتش” ذهبت في نفس الاتجاه. هذا علاوة على المنظمات الاهلية الاسرائيلية والفلسطينية التي اكدت ان ما جرى في المخيم انتهاك خطير لمبادئ القانون الانساني الدولي، ولاسيما معاهدة جنيف الرابعة حول حماية المدنيين.

وما كانت الولايات المتحدة التي استعملت حق النقض اكثر مما صوتت في مجلس الامن على القرارات المتعلقة بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي لتوافق على القرار رقم 1405 الذي تنص فقرته الخامسة على “…استقاء معلومات دقيقة بشان الاحداث الاخيرة في مخيم جنين للاجئين عن طريق فريق لتقصي الحقائق…”، لو لم تكن لديها معلومات كافية عن الكارثة الانسانية التي وقعت في جنين. وذهبت مصادر دبلوماسية اممية الى حد التاكيد ان واشنطن هي التي كانت وراء فكرة تشكيل الامين العام لجنة لتقصي الحقائق.

وعلى الرغم من ان كوفي انان قدم على مدى الايام الماضية تنازلات ملموسة للحكومة الاسرائيلية من شانها ان تضعف مصداقية هذه اللجنة والثقة في استنتاجاتها، فان حكومة ارييل شارون ضربت بهذه التنازلات عرض الحائط وتمسكت بموقفها الرافض لقدومها. هذا الرفض دفع بالامين العام الى التلويح بحل اللجنة والغاء مهمتها والعودة بالموضوع امام مجلس الامن.

عجز المجلس وازدواجية المعايير

ومن حق الفلسطينيين والراي العام العربي والعالمي عموما ان يتساءلوا عن اسباب عجز مجلس الامن والامين العام، الذي اصبح مثيرا للشفقة، عن فرض قرارات الشرعية الدولية على اسرائيل بالوسائل المتاحة لهما في ميثاق الامم المتحدة ولوائح المجلس مثلما كان الحال في العراق ويوغسلافيا.

ولا داعي هنا للعودة الى التاريخ البعيد. فقد صدرت عن مجلس الامن باجماع اعضائه الخمسة عشر منذ بداية عام 2002 اربعة قرارات،1398 و 1402 و 1403 و1405، لكن اسرائيل لم تكترث باي منها ولا حتى باحد بنودها، وواصلت حكومة ارييل شارون تنفيذ مخططها في المناطق الفلسطينية المحتلة وفق الجدول السياسي والعسكري الرامي الى تركيع الفلسطينيين والقضاء على كافة اشكال مقاومتهم وتفكيك السلطة الوطنية، غير عابئة بان ما جرى في جنين، اذا ما ظل طي التكتم، سيخلف جيلا فلسطينيا قد يلجأ الى اكثر من العمليات الانتحارية للانتقام من اسرائيل.

ومهما كانت التطورات المتعلقة بلجنة تقصي الحقائق في مخيم جنين، فان مجلس الامن الدولي اظهر انه جهاز واهن وهزيل في تعامله مع اسرائيل. كما ان الامين العام تحلى بمرونة لا مبرر لها من خلال التنازلات التي قدمها لاسرائيل في الوقت الذي يعلم يقينا ان حكومة ارييل شارون تناور وتماطل من اجل كسب الوقت وفرض واقع جديد في المخيم. ولم يجد كوفي انان افضل من التلويح بانه سيلغي مهمة لجنة تقصي الحقائق ويعرض الموضوع برمته مجددا على مجلس الامن. فما الذي سيفعله المجلس الذي عجز عن فرض قراره بارسال اللجنة وواجه الرفض الاسرائيلي بخنوع كامل؟

يقول رئيس الوزراء الاسرائيلي ان “أي محاولة لتشويه صورتنا او محاكمتنا امام العالم سوف لن تنجح” ويضيف “…لم يتصرف جيش آخر وفق معايير وممارسات اخلاقية عالية” كما تصرف الجيش الاسرائيلي في المناطق الفلسطينية. اذا كان الامر كذلك، ما الذي يجعل الحكومة الاسرائيلية ترفض لجنة مشكلة من شخصيات اثبتت درجة عالية من الكفاءة والنزاهة والموضوعية على الساحة الدولية؟ اليست هذه قمة الاستهتار؟

سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية