مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الانتفاضة والشارع العربي

مظاهرات عارمة تعبيرا عن غضب الشارع العربي تجاه ما يجري في الاراضي الفلسطينية المحتلة Keystone

طوال الأسابيع الثلاثة الماضية، كان خروج مظاهرة عربية أو اكثر في البلد نفسه، أو في اكثر من بلد عربي، خبرا عاديا. الغليان الشعبي العربي بلغ ذروته بكل المقاييس وبات يكتسي أكثر من معنى..

فالجماهير العربية الغاضبة التي تفتقر غالبا الى القنوات التنظيمية السياسية الفاعلة كالأحزاب والجمعيات غير الحكومية، لم تجد مفرا من الخروج الى الشوارع بصورة عفوية في الغالب، وبقليل من التنظيم الحكومي أو الحزبي فى بعض الأحيان.

وفي مصر خرج الطلاب في جامعات مدن القاهرة والسادس من اكتوبر والاسكندرية والسويس والاسماعيلية، الى جوار المواطنين العاديين من أروقة جامع الأزهر بعد صلاة كل جمعة على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، الى جانب أعضاء في عدد من النقابات، أبرزها المحامين والصحفيين والأطباء، والذين نظموا اعتصامات وندوات مفتوحة للتضامن مع الشعب الفلسطيني.

وبعض هذه المظاهرات، لاسيما التي خرجت من الجامعات المصرية كالقاهرة، وتحديدا من الاسكندرية، تضمنت عنفا متبادلا مع قوات الشرطة والأمن، حتى أن طالبا قتل وأصيب عدد اخر، واعتقل الأمن ستة طلاب افرج عنهم لاحقا بعد ستة أيام بتوجيه من الرئيس مبارك وبعد مناشدة أولياء امرهم له، حفاظا على مستقبل أبنائهم.

وكان مثيرا ان يخرج في هذه المظاهرات طلاب المدارس الثانوية والمرحلة الاعدادية الذين لم تتجاوز أعمارهم الإثنتى عشر ربيعا أو اقل، أي انهم أبناء حقبة كامب ديفيد والمعاهدة المصرية الإسرائيلية، وهم يندفعون الى الشوارع زاعقين بأصواتهم الغضة “يا شارون يا خسيس .. دم الفلسطينيين مش رخيص”.

مشهد عربي متكرر

وتكرر المشهد ذاته في كل الدول العربية من محيطها الى خليجها، فالمغرب خرجت في عاصمته الرباط مظاهرة فاقت المليونين، تقدمها رؤساء أحزاب وسياسيون بارزون ووزراء. كما شهدت ليبيا مظاهرة نظمتها اللجان الشعبية وقادها العقيد القذافي، حيث طالب فيها بفتح الحدود للدول المجاورة لإسرائيل حتى يندفع المتطوعون العرب الى فلسطين المحتلة لتحريرها حسب ما قال.

وفي صنعاء العاصمة اليمنية، خرجت اكثر من مظاهرة شاركت فيها كل الأحزاب وجموع الشعب اليمني بطلابه وموظفيه. والأمر تكرر في دمشق وبغداد وبيروت والخرطوم ومسقط بعمان. وحتى المنطقة الشرقية في السعودية التي تمنع في كل أرجائها أي تجمع جماهيري تحت أي ظرف أو أي نوع ، شهدت جمعة الخامس من ابريل مظاهرة حاشدة عبرت عن الغضب وطالبت بخروج الأمريكيين من الأراضي السعودية.

أما المنامة عاصمة البحرين، فقد خرج مواطنوها غاضبون من وقاحة السفير الأمريكي الذي طالب البحرينيين في مناسبة أكاديمية، بالوقوف دقيقة حداد على “الضحايا الإسرائيليين”، فما كان من المتظاهرين إلا أن خرجوا في اليوم التالي وحاصروا السفارة الأمريكية ووضعوا فوق أحد أسوارها علم فلسطين.

ولم يشذ الأردن عن القاعدة، إذ نظمت المظاهرات، بعضها بتحفز من أحزاب إسلامية وقومية، وحدثت فيها المواجهات مع قوات الأمن، لا سيما حين جنحت المسيرة الى موقع السفارتين الإسرائيلية والأمريكية. وإحداها كانت مظاهرة رسمية قادتها ملكة البلاد رانيا، دعت فيها الى التبرع بالدم والأموال للشعب الفلسطيني.

غضب وصور وشعارات

وفى كل هذه المظاهرات، حملت الجماهير العربية الصور والشعارات لتعبر عن موقفها مما يجرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة. بعض هذه الصور كان غير مألوف في بلدان معينة، كصور الرئيس عرفات في العاصمة العراقية بغداد، التي لا تعرف صورا إلا للرئيس صدام حسين، كما أن بيروت التي لا تعترف بأي حقوق للاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون على أراضيها منذ قرابة نصف قرن، بما في ذلك حق التظاهر وتفريغ شحنات الغضب، سمحت ربما على مضض، في مظاهرات عارمة، برفع صور عرفات جنبا الى جنب صور السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله. لكن صور عرفات كانت من المستحيلات في دمشق تحديدا، التي لا تعرف إلا صور الرؤساء الأسد ولا غير، وإن كانت حملت شعارات الغضب من إسرائيل والولايات المتحدة، وعدم الترحيب بالسيد باول، وبعض من يافطات التأييد للفلسطينيين.

ومن ملاحظة مسيرات المظاهرات في اكثر من بلد عربي، يمكن القول أن صورتي عرفات ونصر الله كانتا القاسم المشترك. حتى ان أحد الشعارات التي أطلقها طلاب جامعة الجزائر في العاصمة قالت “نصر الله يا حبيب .. أضرب أضرب تل أبيب”، في إشارة إلى تأييد لقيام حزب الله بتسخين جبهة مزارع شبعا المحتلة.

وفى مظاهرة الأربعاء العاشر من ابريل شهدتها دمشق، والتي أحاطت بالسفارة المصرية هناك، كانت الشعارات موجهة بالأساس لإدانة موقف القاهرة الرافض، التورط في حرب غير معد لها ولا مبرر لها (من وجهة نظر القاهرة) فيما رأى المتظاهرون السوريون، ان الموقف دليل تراجع وخيانة. وهنا عبر أحمد ماهر وزير الخارجية المصري عن اسفه للمظاهرات المعادية لبلاده متوقعا من المسؤولين السوريين ألا يخرج ما يسيء الى مصر.

أما مظاهرة بيروت يوم الاثنين 15 ابريل، فكانت موجهة بالاساس الى حضور باول الى بيروت، واستنكارا للدور الامريكي المتواطئ مع مجازر شارون فى جنين ونابلس وغيرهما من الاراضي الفلسطينية، وكان شعارها الأبرز بالانجليزية والعربية معا “الموت لامريكا .. الموت لاسرائيل”.

اكثر من معنى

هذه المظاهرات بكل ما فيها من غضب وشعارات وصور ورسائل ظاهرة وباطنة، تعبر عن حالة غليان شعبي عربي بكل المقاييس، وفيها اكثر من أكثر من معنى، الأول معنى الإدانة الشديدة للوحشية الإسرائيلية تجاه اخوة عرب في فلسطين المحتلة وللتواطؤ الامريكي، والثاني التعبير عن الاستياء من مستوى الموقف العربي الجماعي الذي يتسم بالضعف الشديد وغياب القدرة على حماية الفلسطينيين أو مساعدتهم فى الدفاع عن أنفسهم. والثالث توجيه رسالة الى الولايات المتحدة تحمل الى جانب الغضب الشديد والرفض والكراهية والاستياء، معنى آخر بأن الجماهير العربية تعي الدور المتواطئ والمشارك لواشنطن في العدوان الإسرائيلي، وانها لن تغفر ـ في حدود ما تستطيع ـ ذلك الموقف المخزي والعدواني.

ولعل الشعارات التي طرحت، عكست بدورها ما يجيش في نفوس الجماهير العربية، فهناك ما دعا الى خيار الحرب، لانها اللغة الوحيدة التي تفهمها إسرائيل، والى الغضب من سلوك الجامعة العربية والنظام العربي الرسمي، الذي يعكس خنوعا وضعفا غير مقبولين.

دعوات الى الحرب والمقاطعة

وفى مصر والاردن تحديدا، كانت الشعارات المطروحة داعية سلطات البلدين الى اتخاذ موقف محدد ينفس الغضب الجياش والاستياء المتعاظم، وهو إبعاد السفيرين الإسرائيليين ووقف العمل بالمعاهدتين الموقعتين مع إسرائيل عام 1979 بالنسبة لمصر، وعام 1994 بالنسبة للأردن.

وجنح البعض الى حد المطالبة بإعلان الحرب. وهو ما عبر عن مساحة كبيرة بين مشاعر الناس والسياسات الرسمية، التي ترى في البلدين أن إلغاء المعاهدة أو إبعاد السفير الإسرائيلي أو إعلان الحرب، فيه من الأضرار اكثر ما فيه من المكاسب، والأمر أخيرا ليس في صالح الفلسطينيين.

ولكن الضغوط الشعبية لم تكن خالية من التأثير، ولو الجزئي المحدود، فمصر وتحديدا حكومتها قررت قطع كل الاتصالات مع إسرائيل غير التي تصب لصالح القضية الفلسطينية، اي التفرقة بين الاتصالات العادية في مجالات التجارة والسياحة والزراعة وبين الاتصالات السياسية والدبلوماسية. لكن التطور لم يقنع الكثير من المتظاهرين الذين ما زالوا يطالبون بالمزيد.

الى جانب صور عرفات وحسن نصر الله كقاسم مشترك، كان هناك مطلب مشترك، اجتمعت عليه الجماهير العربية الغاضبة، وهو مطالب مقاطعة المنتجات الأمريكية، وفي مصر والأردن أضيف مقاطعة المنتجات الإسرائيلية. والبعض تطرف الى حد مهاجمة المحلات التي تحمل أسماء شركات امريكية متعددة الجنسيات، لاسيما في مجال الأطعمة السريعة. وفي كل الاحوال فقد تساوى لدى المتظاهرين معنى الخيانة والإضرار بالفلسطينيين والقضية العربية مع من لم يقاطعوا المنتجات الأمريكية، والتي توازى معها دعوة الدول الخليجية الى قطع البترول على مساندي العدوان الاسرائيلي.

هذه الأمور التي اختلطت فيها الرسائل ما بين الموجهة الى بلد عربي اخر، أو إدانة لتواطؤ الولايات المتحدة وإدانة وحشية إسرائيل، وحول ذلك وفي مقدمته تأييد وتعاطف مع الشعب الفلسطيني، تجعل من هذه المظاهرات العربية تطورا مهما بكل المقاييس. وبعضها ذي دلالة خاصة جدا، لاسيما في العلاقات العربية – العربية.

حسن أبوطالب – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية