مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

البحث عن سياسة تجارية جديدة؟

هل ستتحول الابقار السويسرية إلى جزء من المشهد الطبيعي والسياحي فقط وانتهاء دورها في الصناعة؟ Keystone

يدفع تفاقم أزمة صناعة منتجات الألبان في سويسرا إلى التفكير الجدي في ضرورة حدوث تغيير جوهري في أسلوب التجارة السويسرية لتتواكب مع السياسة التجارية العامة للإتحاد الاوروبي.

فبعد أن بات اغلاق أكثر من 80 معمل للأجبان مؤكدا خلال العام القادم، لم يبق الكثير من الوقت للبحث عن طريق تتقارب فيه السياسة التجارية السويسرية مع مثيلتها الأوروبية.

تواجه التجارة السويسرية أكبر تحد لها منذ وقت كبير، بعد أن بدأت المخاوف من تراجع حجم التعامل التجاري مع الاتحاد الاوروبي تأخذ طريقها إلى أرض الواقع، حيث ستتراجع صادرات سويسرا من الأجبان في العام القادم بنسبة 38% ، بسبب ارتفاع أسعارها مقارنة مع الانتاج المتاح في دول الاتحاد الاوروبي.

ويعني هذا، أن أكثر من 80 معملا للأجبان ستغلق أبوابها، أغلبها في مناطق شرق سويسرا وتحديدا في كانتوني سان غالن وتورغاو، إلى جانب خطوط انتاجية في زوريخ ولوتسرن وصولوتورن وبرن وآرغاو وفريبورغ، مما يعني تحويل ما لا يقل عن 1000 عامل إلى البطالة، يعملون بشكل مباشر أو غير مباشر مع هذه الصناعة.

وتعود المخاوف مما يحدث اليوم إلى عام 1999 عندما بدأت 10% من معامل الاجبان تغلق أبوابها، وأطلقت النقابات الصناعية ابواق التحذير من تزايد أعداد العاطلين في هذا الميدان، مشيرة آنذاك إلى ضرورة التوصل إلى حل سريع يؤدي على تقارب في أسعار منتجات الألبان السويسرية مع نظيرتها الأوروبية، لضمان تسويقها والحفاظ على أماكن العمل إلى جانب تواصل هذه الصناعة التي تعتبر أيضا أثرا ثقافيا، وهو ما لم تفلح في التوصل إليه.

الحكومة تتتصل من دعم الفلاحين

ومن اللافت للنظر أن الحكومة السويسرية أعلنت في أكثر من مناسبة عن عدم رغبتها في مواصلة دعم الفلاحين ماديا لمواجهة ما يتكبدونه من خسائر، في الوقت نفسه لا ينوي خبراء الاقتصاد التفكير من تقليل أسعار منتجات الألبان، مما اعتبره المزارعون اعلانا واضحا أنهم باتوا شريحة غير مرغوب فيها على الساحة الاقتصادية، وأنهم أصبحوا عبئا، يحب التخلص منهم بطريق أو بآخر.

وما ينطبق على قطاع انتاج الألبان يسري على منتجات سويسرية أخرى يتم تسويقها في الداخل والخارج، لن تجد مفرا إلا أن تعدل أسعارها بشكل يتوافق مع النسق الأوروبي، أو أن تغلق أبوابها لتفرخ طوابير من العاطلين ينتظرون إعانات البطالة أو مساعدات الشؤون الاجتماعية.

أما اللجوء إلى تعديل الاسعار لتتناسب مع النسق الأوروبي فهو أمر ليس بالسهل لارتباط ذلك بمحاور مختلفة، من بينها مستوى المعيشة وأسعار الخدمات المرتفعة في سويسرا، والتي يجب أن يكون دخل العامل مناسبا لها، مما ينعكس على سعر المنتج النهائي، لذا فإن تخفيض أسعار المنتج برتبط بضرورة تخفيض المبالغ التي يسددها العامل سواء في مجال التأمين الصحي أو المسكن أو التموين والاتصالات والمواصلات، وهي خدمات ترتفع في سويسرا بنسبة تتراوح بين 181 و 129% مقارنة مع دول الاتحاد الاوروبي المتاخمة لسويسرا.

ركائز الاقتصاد السويسري الهامة

في المقابل تمثل الصناعات الوسيطة مثل المواد الكيماوية والاليكترونيات الدقيقة الاستثناء الوحيد من هذه المشكلة، حيث تقوم أغلب الشركات العاملة في هذا المجال ببيع انتاجها مباشرة إلى معامل في الخارج وتحرص على تقديم اسعار منافسة أو منتجات متميزة أو تنفرد بها، أو أن تؤمن مستقبلها بنوع من الشراكة مع مؤسسات متعددة الجنسيات أو تعاقدات طويلة المدى، لذلك لا تستشعر أغلبها مخاطر المنافسة الشرسة التي تتعرض لها بقية القطاعات الصناعية.

علاوة على ذلك فإن مبيعات سويسرا من المنتجات الكيماوية وما يحققه قطاع البنوك وشركات التأمين من أرباح تمثل أهم مكونات الناتج الداخي الخام، وبالتالي فهي واحدة من أهم دعائم الاقتصاد القومي إلى جانب صناعة الساعات، التي يتخذ الخبراء من تحركات مؤشراتها معيار صحة الاقتصاد.

إلا أن الصادرات السويسرية إلى كل من ألمانيا وبريطانيا واليابان تراجعت هذا العام بنسب تراوحت بين 7 و 8%، وإلى 10% مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعني أن الصادرات السويسرية الهامة والمتميزة يمكن أن تتراجع بسبب ارتفاع اسعارها.

سويسرا أغلى من جاراتها

يعتقد بعض خبراء الاقتصاد أن مواصة سويسرا في تطبيق سياسة الاكتفاء الذاتي في انتاج المواد الاساسية أهم من النظر في اجراء تعديلات تعمل على خفض الاسعار، وما سيؤدي إليه من تراجع حتمي في أسعار الخدمات بأنواعها المختلفة، في المجال الصحي والتأمينات والاتصالات والإسكان والمواصلات.

ويرى مؤيدو هذا الرأي، أن ارتفاع أسعار الخدمات في سويسرا مقارنة مع الاتحاد الاوروبي أمر طبيعي، فهي تتناسب مع الدخل العام وتتميز بنوعية وجودة تجعله متفوقا. ولا ينظر المؤيدون إلى مشكلة مثل التي تعاني منها صناعة منتجات الألبان، حيث يعتقدون أن كل مرحلة زمنية تفرض تغيرات حتمية على الاقتصاد، ولا يضير سويسرا أن تتغير ملامح خريطتها التجارية، بما يتناسب مع الواقع.

نعم للاقتصاد الحر … ولكن

وهذا الإتجاه، الذي من الواضح أن الحكومة السويسرية تتبناه بدعم من أصحاب رؤوس الأموال، ليس من السهل أن يستمر لفترة زمنية طويلة، فالإتحاد الاوروبي الذي سيتوسع ليشمل 25 بلدا سيفرض على سويسرا بشكل تلقائي أن تعدل من سياستها التجارية، وإلا فرضت هي على نفسها عزلة تجارية اختيارية.

فمن غير المنطقي أن تستمر الحركة التجارية داخل سويسرا اعتمادا على سياسة الاحتكار والاكتفاء الذاتي القصري في بعض المنتجات، في الوقت الذي تحرص فيه الحكومة على مواكبة قطار العولمة مهما بلغت سرعته، وتؤكد في كل مناسبة على أن الاقتصاد الحر والمنافسة الشريفة هي أحد مميزاتها، وانها تحرص على أن تكون في مقدمة من يطبق ذلك بشكل عملي.

إلا أنه على مايبدو أن المقصود بهذه التصريحات هو التعامل في سوق الأوراق المالية والاستثمارات الكبيرة والتجارة الدولية، على حساب الصناعات المحلية الصغيرة، دون النظر إلى البطء الشديد الذي أصاب النمو الاقتصادي في سويسرا هذه السنة، وما أسفر عنه من معدلات بطالة لم تشهدها البلاد منذ فترة، ومن المتوقع أن تتواصل في العام المقبل.

تامر أبو العينين – سويس انفو

بعد تراجع صادرات سويسرا من الجبن إلى دول الاتحاد الاوروبي بنسبة 38% واغلاق أكثر من 80 معملا، بات واضحا أن سياسة سويسرا التجارية لا تتناسب مع المتغيرات التي يمر بها الاتحاد الاوروبي حاليا من ناحية قوانينه التجارية أوالتوسعات التي باتت في حكم المؤكدة، وهو ما يعني ضرورة حدوث تغييرات جوهرية في سياسة سويسرا التجارية.
إضافة إلى تراجع حجم اصادرات السويسرية هذا العام مع كل من ألمانيا وبريطانيا واليابان والولايات المتحدة الامريكية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية