مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

البلقان في مقدمة أولويات الرئاسة السلوفينية والشرق الأوسط في… ذيلها

وزير الخارجية السلوفيني يتسلم العلم الأوروبي من نظيره البرتغالي يوم 31 ديسمبر 2007 Keystone

لا تملك سلوفينيا الصغيرة سفارات في العواصم المغاربية ومع ذلك، ستترأس الإتحاد الأوروبي إلى أواخر يونيو المقبل وتُدير مسار برشلونة، الذي تُشكل البلدان المغاربية طرفا أساسيا فيه.

وعزا سفير أوروبي في تونس، رفض الكشف عن هويته، ضمور الحضور السلوفيني في العالم العربي إلى أن البلد حديث عهد بالإستقلال (لم يستقل إلا في سنة 1991 بعد تفكك الإتحاد اليوغسلافي السابق)، وكذلك إلى صِـغر حجمه (مليونا ساكن فقط)، وتواضع إمكانياته الاقتصادية، قياسا إلى جيرانه، وخاصة إيطاليا والنمسا.

ومثلما تشعر سلوفينيا بأنها تُواجه تحدّيا كبيرا بإسناد رئاسة الإتحاد إليها، مثلما أشار إلى ذلك رئيس وزرائها جانيز جانزا في كلمة وجَّـهها إلى شعبه بمناسبة تسلمه الرئاسة الأوروبية، يطغى على بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط مزيج من مشاعر الترقب والرّيبة، في قدرة بلد أمضى نصف قرن وراء ستار الشيوعية ولم ينضَـم إلى الإتحاد الأوروبي إلا في سنة 2004، على السيطرة على الملفات وإدارة العلاقات مع الشركاء المتوسطيين بالخِـبرة والاقتدار، اللذين تتمتع بهما إسبانيا أو إيطاليا أو حتى البرتغال واليونان.

اتجاه عكسي

ربما من المفارقات، أن وزير الخارجية السلوفيني ديميتري روبل، أعلن في منتصف ليلة رأس السنة الميلادية في جزيرة مادير البرتغالية، أن رئاسة الإتحاد الأوروبي “تنتقل من المحيط الأطلسي (البرتغال) إلى البحر المتوسط على ساحل سلوفينيا الأدرياتيكي، أي من الغرب نحو الشرق”، في وقت يشعر المراقبون في الضفة الجنوبية أن الأمور تسير في اتجاه عكسي، فكأنما انتقلت الرئاسة من المتوسط إلى الأطلسي أو إلى بحر الشمال.

ولعل ما يُفسر هذا الانطباع، هو الحيوية التي اتَّـسمت بها الرئاسة البرتغالية التي “اشتغلت” كثيرا على الملفَّـين، المتوسطي والإفريقي طيلة ستة أشهر وتوفَّـقت إلى احتضان ثاني قمة أوروبية – إفريقية، حتى اعتقد مَـن هُـم غير مطَّـلعين على الجغرافيا، أنها بلد متوسطي.

ومعلوم أن البرتغال، التي ليست لها سواحل على المتوسط، عضو مؤسس لمجموعة بلدان الحوض الغربي للمتوسط المعروفة بمجموعة 5 + 5، وهذا ربما من سوء حظ السلوفينيين، الذين يعتزمون العمل بجِـد على مِـلف العلاقات الأوروبية المتوسطية، مثلما أكد لسويس أنفو مسؤولون في بعثة الإتحاد الأوروبي في تونس.

صحيح أن لوبليانا (العاصمة السلوفينية) تابعت تلك الملفات باهتمام خلال عضويتها للترويكا الأوروبية. والترويكا صيغة تجمع الرئاسة السابقة والحالية والمُقبلة للإتحاد، لضمان الاستمرارية والسيطرة على سلبيات الرئاسة الدوارة.

وصحيح أيضا أن فرنسا المُتحفِّـزة لتسلم الرئاسة المقبلة، والتي أعدت لها منذ السنة الماضية مشاريع إقليمية موجَّـهة للمنطقة المتوسطية، ستساعد السلوفينيين أيَّـما مساعدة، رغم العوائق اللغوية.

لكن الثابت أيضا، هو أن لوبليانا بعيدة عن هموم المنطقة وقليلة الخِـبرة بشؤون الشرق الأوسط، فعلاقاتها مع العرب ضامِـرة، وكانت تتم من خلال العاصمة الصربية بلغراد على أيام الرئيس الشيوعي الراحل جوزيب بروز تيتو، كما أن وزنها الإقتصادي والسياسي لا يُخوِّلان لها اتِّـخاذ مبادرات مُهمة خلال ترؤُّسها الإتحاد الأوروبي في النصف الأول من عام 2008.

البلقان أولوية

في المقابل، سترُكِّـز سلوفينيا على قضية كوسوفو، التي هي أهم من قضية فلسطين بالنسبة إليها، وستمنح الأولوية للوضع في البلقان على الوضع في الشرق الأوسط أو العراق.

السلوفينيون القاطنون في البلقان مسكونون بقضاياه أولا، ويرون في إعادة تشكيل الجمهوريات اليوغسلافية السابقة في كيانات مستقلة، قضية في قلب مصالحهم القومية.

وفي هذا الإطار، يستعدون لمعركة كسْـر عظم مع روسيا، لإزالة العقبات أمام انتزاع كوسوفو استقلالها عن صربيا، ويمكن القول أنهم يستخدمون موقعهم في رئاسة الإتحاد الأوروبي، لإعطاء دفعة قوية لهذا الملف في مجلس الأمن وفي المحافل الأوروبية والدولية الأخرى، في مواجهة روسيا وصربيا.

وأعلنت الولايات المتحدة ونحو عشرين بلدا أوروبيا، استعدادها للاعتراف باستقلال كوسوفو، الإقليم الذي يعيش فيه 1.8 مليون ساكن من أصول ألبانية في مقابل 200 ألف صربي، غير أن البلدان الأرثودكسية الأعضاء في الإتحاد الأوروبي، مثل اليونان وقبرص وسلوفاكيا ورومانيا، متحفِّـظة على تلك الخطوة، أما سلوفينيا، التي سبق أن انسلخت عن صربيا، فتؤيد استقلال الإقليم بقوة.

وليس أدل على ذلك من تصريح وزير الخارجية السلوفيني روبل مؤخرا في بروكسل، الذي عبَّـر فيه عن أمل بلاده بأن يُستكمَـل مسار استقلال كوسوفو (الذي يُـديره الأوروبيون)، قبل نهاية فترة الرئاسة السلوفينية في يونيو المقبل.

أما على صعيد الإستراتيجيا العامة، فسلوفينيا أميَـل إلى الرؤية الألمانية التي تُقلِّـل من الاهتمام بتطوير الشراكة مع بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط، وتمنح الأولوية المُـطلقة لإدماج الأعضاء الجُـدد في الإتحاد الأوروبي، وسيُؤدي هذا التوجُّـه طبعا، إلى سحب القِـسم الأكبر من الإستثمارات والمساعدات نحو بلدان أوروبا الشرقية والوسطى.

ولن يُفيد التحفّـظ الإسباني والتردّد الفرنسي – الإيطالي في تعطيل الآلة الأوروبية الضخمة، ما يعني أن هذا التجاذب سينعكس خسارة للشركاء المتوسطيين، وفي مُقدمتهم العرب.

وبتعبير آخر، ستستقطب الرئاسة السلوفينية أوروبا إليها ولن تستقطِـب الاهتمام الأوروبي إلى الشرق الأوسط أو الضفة الجنوبية للمتوسط، وإن كان الأوروبيون الآخرون شاعرين بخطورة هذا المنحى الذي حذّر منه رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي بصورة غير مباشرة، حين صرح بأنه “إذا كان الشمال يُـعاني من صعوبات، فإن المنطقة (المتوسطية) بأكملها لا يمكن ان تتطوّر، وهذا ما ينطبِـق أيضا على إيطاليا وإسبانيا، اللتان تعتمدان سياسة خارجية مع الدول العربية مُـختلفة عن تلك التي تعتمدها البرتغال أو بولوندا…”

وأقر الباحث في المعهد الفرنسي للدراسات الإستراتيجية والدولية (IRIS) باراه ميكائيل Barah Mikail في تصريح لسويس أنفو بهذا الترابط بين الموقع الجغرافي للبلد وأولوياته الخارجية، مؤكِّـدا أن ما نُلاحظه، هو أن الإهتمام بالقضايا المتوسطية يخفت كلَّـما ابتعدنا عن “ماري نوستروم” (التسمية اللاتينية للمتوسط)”.

وضرب مثلا على ذلك بدرجات الحماسة المتفاوتة لمشروع “الإتحاد المتوسطي”، الذي طرحه الرئيس الفرنسي ساركوزي العام الماضي.

عوائق هيكلية

مع ذلك، يثير تعثر مسار برشلونة الأورو متوسطي شكوكا في قُـدرة أوروبا على طرح بدائل ومشاريع جديدة قابلة للتحقيق، سواء في ظل الرئاسة السلوفينية أو حتى الفرنسية التي ستليها في غرة يوليو 2008، بالنظر للعوائق الهيكلية التي وُلِـدت مع الشراكة نفسها.

وفي هذا الإطار، اقترح الباحث المغربي عبد الله ساعف، مدير مجلة “أبحاث” وأستاذ العلوم السياسية، عقد مقارنة بين عقود الشراكة المتوسطية واتفاقات التبادل الحر مع أمريكا الشمالية، “التي تبدو على المستوى السياسي، أكثر شمولا وطموحا وتقدُّما من صيرورة برشلونة”، على حد تعبيره.

وأكد ساعف أن مسار برشلونة، كان من المفترض أن يُنتج مشروعا أكثر تقدُّما من اتفاقيات التبادل الحر مع أمريكا الشمالية، “لكن لا شيء ينبِّـئ بإمكانية حدوث ذلك الآن”.

وستجد الرئاسة السلوفينية نفسها في الوضع الحالي للمسار الأورو متوسطي، أمام نوعين من المُنجزات: فمن جهة، هناك مُنجزات مؤسساتية تمّ اجتراحُها عبر عشر سنوات من الاجتماعات في عدة مستويات، مما أوجد منظومة مؤسساتية بيروقراطية وكرس وتيرة معيَّـنة لحياة هذا الفضاء الأورو متوسطي، مثل لجان “أوروميد” والأجندات المتفرعة عنها، إن كانت ثنائية أو متعددة الأطراف. وهناك من الجهة الثانية، تفاقم للتحدّيات الاجتماعية والاقتصادية في الضفة الجنوبية للمتوسط، على رغم التحسن الطفيف المسجل في مُؤشر التنمية البشرية من 0,694 في 1995 الى 0,751 سنة 2004، لكن مع استمرار مُـثير لمشاكل البطالة والإقصاء الاجتماعي والأمِـيَّـة.

كما لم تسمح الاصلاحات الإدارية وإعادة هيكلة القطاع الخاص أو القطاع المالي أو سوق الشغل، بإحداث تغييرات ذات بال في اقتصادات البلدان المتوسطية الجنوبية، ومثلما قال ساعف “لم يسمح كل هذا بتغيير دال للوضع، إذ يبدو التأثير هامشيا”.

مع ذلك، سيبقى العرب مرة أخرى متفرّجين على تقلُّـبات رِياح السياسة الأوروبية مع تعاقب الرئاسات، من دون القدرة على التأثير. وما لم يوحِّـدوا كلمتهم أسوة بالإتحاد الأوروبي وما لم يطرحوا مشاريع للتعاون بين ضفَّـتي المتوسط في مجالات حيوية لأوروبا، لا يمكن أن تكون لهم مرتبة متقدمة في قائمة الأولويات الأوروبية.

تونس – رشيد خشانة

تسلمت سلوفينيا رسميا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، التي ستتطلب منها العمل مع باقي الدول الأعضاء في الاتحاد على حل مشكلة إقليم كوسوفو والمصادقة على معاهدة دستورية جديدة خاصة بالاتحاد. ومع تسلمها الرئاسة يوم الثلاثاء 1 يناير 2008، باتت سلوفينيا التي لا يتجاوز عدد سكانها مليوني نسمة، الخلف الرسمي للبرتغال لفترة تمتد ستة أشهر، تسلم بعدها الراية إلى فرنسا في الأول من يوليو المقبل.

وتسعى سلوفينيا إلى استغلال أنها كانت من دول الاتحاد اليوغسلافي السابق – الذي انفصلت عنه عام 1991 بعد حرب قصيرة مع الجيش الاتحادي الذي كان يسيطر عليه الصرب – لأن تكون جسرا للتواصل بين الغرب الأوروبي ومنطقة البلقان التي تشهد توترا ملحوظا بسبب أزمة إقليم كوسوفو.

وفي هذا الإطار أقر وزير الخارجية السلوفيني ديمتري روبيل بحجم المصاعب التي تواجه بلاده في إمكانية التوصل لتسوية بين صربيا وكوسوفو، بالتوازي مع مسؤولياتها الأخرى المتصلة بضرورة المحافظة على موقف الاتحاد الأوروبي الموحد تُـجاه هذه المسألة الشائكة.

وكذلك تطمح سلوفينيا لأن تلعب دورا فاعلا عبر رئاستها للاتحاد الأوروبي في المصادقة على الاتفاقية التي تم توقيعها في لشبونة، الخاصة بتنظيم صناعة القرار في الاتحاد، علما بأن سلوفينيا أعلنت عزمها على أن تكون الدولة الثانية بعد المجر، التي ستصادق على هذه الاتفاقية مطلع العام الجاري.

يشار إلى أنه، إذا صادقت جميع الدول على اتفاقية لشبونة، سيتم إلغاء الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي والاستعاضة عنها برئيس منتخب لولاية دستورية مدتها عامين ونصف.

وكانت سلوفينيا قد انضمت إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي رسميا عام 2004، وأقرت اليورو عُـملة رسمية لها قبل عام من الآن ودخلت في اتفاقية شنغن للحدود في الحادي والعشرين من ديسمبر المنصرم.

(المصدر: وكالات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية