الحرب على غزة تمثل اختبارا لالتزام ألمانيا “التاريخي” تجاه إسرائيل

من توماس إسكريت وأندرياس رينكه
برلين (رويترز) – يعلق مستشار ألمانيا الجديد فريدريش ميرتس على جدار مكتبه صورة فوتوغرافية لشاطئ زيكيم في جنوب غرب إسرائيل بالقرب من غزة والذي تعرض لهجوم مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) الذين قدموا على متن قوارب في حرب عام 2014 والحرب الدائرة بالقطاع.
تشير الصورة الشاعرية، لصف من الأكواخ الشاطئية التي أعيد ترميمها بعد مداهمات حماس للشاطئ، إلى أن المستشار المحافظ من أشد الموالين لإسرائيل، وهو ما يتماشى مع تضامن ألمانيا معها منذ زمن طويل بسبب المحرقة النازية (الهولوكوست).
لذا فإن انتقاد ميرتس لإسرائيل يوم الثلاثاء، بسبب توسيع عملياتها العسكرية في غزة، مثَّل للكثيرين تحولا ملحوظا.
وقال ميرتس “لم أعد أفهم الهدف مما يفعله الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة… إلحاق الأذى بالسكان المدنيين على هذا النحو، كما يحدث بشكل متزايد في الأيام الماضية، لم يعد من الممكن تبريره على أنه محاربة للإرهاب”.
ثم قال وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول إنه قد تكون هناك “عواقب” غير محددة، في سلسلة من تصريحات المحافظين المنسقة مع شركاء الائتلاف من الحزب الديمقراطي الاجتماعي، مما يمثل تحولا في الخطاب بعد دعم ألماني غير مشروط لإسرائيل على مدى عقود بسبب شعور برلين بأنها عليها التزاما بحكم التاريخ تجاه إسرائيل.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، زميلة ميرتس المحافظة الألمانية، في سياق منفصل إن مقتل الأطفال في حرب غزة أمر “بغيض”، مما يعكس اتساع نطاق الاستياء في أوساط النخبة الألمانية.
وإلى جانب العضوية في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، مثَّل دعم إسرائيل الركيزة الثالثة في سعي ألمانيا للعودة إلى المجتمع الدولي بعد المحرقة التي تعرض لها يهود أوروبا في الحرب العالمية الثانية.
ورغم استمرار بعض وقائع معاداة السامية، تشكلت أجيال من الساسة الألمان الملتزمين تجاه أمن إسرائيل. وبرر كونراد أديناور، وهو أول مستشار ألماني بعد الحرب، دفع تعويضات لإسرائيل بالحاجة إلى استرضاء “قوة اليهود”، مما أرسى أساسا للعلاقات الألمانية الإسرائيلية.
لكن شدة الحرب الإسرائيلية على غزة ساهمت في حدوث تحول واضح في الرأي العام الألماني. وبحسب مسؤولي الصحة الفلسطينيين، أودى القتال بحياة ما يزيد على 53 ألفا من الفلسطينيين. واندلعت الحرب بعد هجوم قادته حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 أدى بحسب إحصاءات إسرائيلية إلى مقتل 1200 شخص.
وأظهر استطلاع لمؤسسة برتلسمان أن 36 بالمئة فقط من الألمان ينظرون الآن بإيجابية إلى إسرائيل، بانخفاض 10 نقاط مئوية عما كان عليه الحال قبل أربع سنوات.
ويعتبر الألمان الذين تقل أعمارهم عن 40 عاما أنفسهم أقل معرفة بإسرائيل مقارنة بمن تزيد أعمارهم على 60 عاما، كما أنهم أقل اقتناعا على الأرجح بأن العلاقات يجب أن تتشكل من خلال ذكرى المحرقة.
فرض هذا التحول معضلة على ميرتس الذي كان قد وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عند فوزه في الانتخابات في فبراير شباط بأنه سيساعده في مواجهة مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية إذا زار ألمانيا.
وقال موشيه زيمرمان المؤرخ الألماني البارز في الجامعة العبرية في إسرائيل “هم يفهمون أن لديهم التزامين متعارضين وعليهم الاختيار بينهما… في الماضي كانوا سيقولون إن التزامنا تجاه إسرائيل هو الأساس. أما الآن فعليهم أن يوازنوا بين البدائل بشكل مختلف”.