
“تقليص التمويل الدولي لن يؤثّر في التعاون الثقافي السويسري العربي”

في خطوة تعكس توجهاً غربياً متصاعداً نحو تقليص الإنفاق الخارجي، خفّضت سويسرا ميزانياتها المخصّصة للمساعدات والتنمية الثقافية خارج حدودها. هذا التراجع، الذي لم يستثنِ سوى المنطقة العربية، يُنذر بانعكاسات سلبية على الفنانين والمصالح الثقافية السويسرية في الخارج.
وتجادل المؤسسات الثقافية بأن تأثير هذه التخفيضات سيكون محسوساً إلى ما هو أبعد من عالم الفن، وجنوب الكرة الأرضية. فعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود، ظلّ الفنانون والفنانات العرب والسويسريون وآخرون في رحلة ذهاب وإياب لعرض أعمالهم بفضل برنامج يسمى “صندوق ثقافة الجنوب” (SKF)، وبفضل الجهود الجبارة التي يقوم بها مكتب روهيلفيتيا في القاهرة.
جوهر الموضوع:
* تقليص التمويل الدولي السويسري وتأثيراته على القطاع الثقافي.
* استثناء التعاون السويسري العربي من التخفيضات.
* أهمية الاستثمار في الثقافة كأداة للتأثير الناعم ولإحداث التنمية.
الأوساط الثقافية غاضبة
لقد تلقت أوساط الثقافة والفن في بلدان عديدة أخرى واقعة جنوب الكرة الارضية، الخبر بمرارة شديدة. وتقول إيليانا فوكيناكي، مديرة متحف “الفنون الجميلة” (Kunsthalle) في برن، وملامح الخيبة ترتسم في كلماتها: ”تكتشف فنانًا لامعًا أو فنانة لامعة وترغب في تمكينه.ها من عرض فنه.ها، فإذا بالأبواب مغلقة في وجهك. وهنا تمامًا، يتجلّى دور هذا الصندوق المحوري”.

المزيد
للاشتراك في العرض الصحفي الأسبوعي
ويُعدّ صندوق ثقافة الجنوب واحدًا من زهاء عشرة برامج سويسرية أُنشئت لدعم الفنانين.ات القادمين.ات من الدول النامية، التي باتت جميعها مهدّدة بالتوقّف عن العمل جرّاء تقليص التمويل من قبل الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون. وتبرز من بين هذه المبادرات مبادرة “أبواب مفتوحة”، التابعة لمهرجان لوكارنو السينمائي و”الصالون الإفريقي للكتاب”، وهو معرض سنوي يُقام في جنيف ويُعنى بإبراز أعمال الكتّاب والكاتبات من أفريقيا.
وقد برّر البرلمانيون.ات المؤيدون.ات لاقتطاع المساعدات الخارجية عن موقفهم.هنّ بالقول إنّ التغيّرات في المشهد الجيوسياسي تحتم على سويسرا إعادة ترتيب أولوياتها المالية، وتوجيه الموارد نحو تعزيز ميزانية الدفاع. وقال أحد نواب حزب الشعب السويسري المحافظ: ”أمن السكان السويسريين من الرجال والنساء، يتقدّم على أي إنفاق آخر”.
وتردّ المؤسّسات الثقافية بأنّ هذه التخفيضات لا تضر بالمبدعين فحسب، بل تضعف القوة الناعمة السويسرية. وقالت لجنة التنمية المستدامة في ورقة أصدرتها في عام 2020، إنّ تعزيز الثقافة هو ”جانب مرئي ومثير للإعجاب من جوانب حضور سويسرا في العالم“.
وتُعبّر راهيل لويبن، مديرة منظّمة “آرتلينك” (artlink)رابط خارجي المستقلة التي تُعنى بدعم الفنانين.ات الدوليين.ات وتوزيع منح الصندوق الثقافي للجنوب، عن هذا الدور بقولها: ”الثقافة ليست أكثر من بناء علاقات دولية“. وتوضح قائلة : ” يقوم التبادل الثقافي على الثقة والفهم؛ وهو الجسر الذي نعبر من خلاله إلى الآخر، فنصغي إلى بعضنا البعض ونسعى للحوار”.
الاستثناء العربي
لئن كان هذا المشهد محكوم عليه بالاندثار في العديد من بلدان جنوب الصحراء، ومناطق أخرى في العالم، بحلول 2028، الزمن المقرر لاختفاء هذا الصندوق، الذي تموّله الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC) بالكامل منذ عام 2010 بمبلغ 700 ألف فرنك سويسري (830 ألف دولار أمريكي) سنويًا. فإن هذا القرار لن يشمل مشروعات الإبداع الفني والثقافي العربي – السويسري.
فقد أكّدت أورسولا فاندر، مسؤولة الاتصال بمؤسسة بروهلفتسيا التابعة لوزارة الشؤون الداخلية في برن عبر مراسلة تلقتها سويس إنفو (Swissinfo.ch) أن “تقليص التمويل الدولي الذي أقره البرلمان السويسري في أواخر عام 2024 لن يؤثّر في التعاون الثقافي السويسري العربي”.
وتدعم بروهلفتسيا جميع أشكال الإبداع الفني، وبناء علاقات مع المؤسسات المشتغلة في المجال الثقافي، وتطوّر شراكات دائمة مع المنصات ذات العلاقة لتشجيع ترويج الإبداع الفني السويسري ونشره في المنطقة العربية، والعكس بالعكس أيضا.
كما تدعم هذه المؤسسة منذ إنشاء مكتبها الإقليمي في القاهرة عام 1988رابط خارجي مشاركة الفاعلين الثقافيين السويسريين والعرب في مجموعة واسعة من الفعاليات والمسارح والمنصات على الضفتين.
فقد أكمل على سبيل المثال في شهر فبراير الماضي الفنان السويسري آلان شمالز والتونسية ميريام عمري إقامات فنية في الجزائر بالنسبة للأوّل وفي سويسرا بالنسبة للثانيةرابط خارجي، حيث استكشفا مواضيع متنوعة مثل الماء واللغات، وأقاما صلات مع محيطهما. وتسلط تجاربهما الضوء على قوة التبادل الفني وتأثير المكان على الممارسة الإبداعية. وهنا المزيد من الأمثلة للتعرّف على طبيعة هذا التبادل الثقافي بين ضفتي البحر الابيض المتوسط.
في الجزائر، تميزت الدورة السابعة والعشرون من المعرض الدولي للكتاب بالجزائر، بالتعاون بين دار النشر MRL (جنيف)، ودار نشر برزخ (الجزائر)، إذ عرضت على التوالي أعمال الكاتبة السويسرية نويل ريفاز والكاتب السويسري نيتونون نويل نجيكيري. وفي سياق هذا التبادل، شارك الكاتب سفيان حجاج في نقاشات مع الكاتبيْن السويسريين. كما أدار الكاتب سفيان حجاج نقاشات بين الكاتب السويسري نيتونون نويل والجزائري صلاح باديس وبين نويل ريفاز وسميرة نغروش حول قضايا تخص اللغة والكتابة الأدبية.
وفي مدينتي تونس وبنزرت، ضمن فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان الفنون المسرحية بتونس (الذي يوفّر منصة للراقصين والراقصات الناشئين لعرض مشاريعهم)، قدمت Linga ، فرقة رقص سويسرية عرضا في قاعة الفن الرابع في تونس، وفي مسرح “الماجيستيك” في بنزرت. وبالإضافة إلى أدائها على المسرح، أقامت شركة Linga علاقات مع مجتمع الرقص المحلي من خلال تنظيم ورشة عمل إلى جانب راقصات وراقصين تونسيين في مدرسة IKAA Bab Saadoun.
أما في القاهرة، فقد استضاف مهرجان كايروترونيكا للوسائط الجديدة الذي أنشئ في عام 2016 (مهرجان يشجع التبادل والمناقشات، ويسهر على تنفيذ مشاريع متعددة التخصصات يتقاطع فيها الفن والعلوم والتكنولوجيا)، معرض ”Speculative Evolution“ للفنان السويسري مارك لي خلال الدورة الرابعة. وهي تقفز 30 عامًا إلى المستقبل وتقدم نظرة على نظام بيئي حيث أعطت الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية الحياة لأنواع معدلة تزدهر في ظل الاحتباس الحراري والانقراض الجماعي. بفضل محاكي قائم على الذكاء الاصطناعي، يمكن للجمهور إنشاء أنواع مختلفة من الكائنات الحية والروبوتات، والغوص في أعماق هذا العالم الاصطناعي.
الفن يؤمّن لقمة العيش
لقد دأبت سويسرا، منذ عقود، على دعم الثقافة خارج حدودها، بوصفها إحدى السُبل التي تفي من خلالها بالتزاماتها الدولية، ولا سيّما تلك المنصوص عليها في الاتفاقية العالمية للتنوع الثقافي.رابط خارجي وبحسب التقارير الصادرة رابط خارجيعن منظمة اليونسكو قُبيل جائحة كوفيد-19، كانت سويسرا تحتل المرتبة التاسعة عالمياً بين أكبر المانحين في مجال الثقافة والترفيه.

المزيد
نشرتنا الإخبارية المتخصصة في الشؤون الخارجية
غير أنّ التمويل الثقافي، على المستوى العالمي، لا يزال يشكّل نسبة ضئيلة جدًا من إجمالي المساعدات الإنمائية؛ إذ لم يتجاوز 0،23% في عام 2018، أي ما يعادل 281 مليون دولار (238 مليون فرنك سويسري)، وفق أحدث أرقام المنظّمة الأممية. أما الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون ، فقد بلغت مساهمتها في تمويل الشركاء والشريكات الثقافيين.ات داخل سويسرا، ومن ضمنهم صندوق ثقافة الجنوب، نحو 3،7 ملايين فرنك في عام 2024، لتنخفض إلى مليوني فرنك فقط في عام 2025، وذلك ضمن ميزانية عامة للمساعدات الخارجية، بلغت 2،16 مليار فرنك خلال العام الماضي.
ورغم تواضع المبالغ المخصّصة، تتجاوز آثارها كلّ التوقّعات، كما يؤكّد المدافعون.ات عن الثقافة. فالدعم المالي الدولي يُقدّم دفعة حيوية للفنانين.ات في الدول النامية، أولئك الذين واللواتي يعانون.ين صعوبات جسيمةرابط خارجي في الوصول إلى مصادر التمويل، واستخراج التأشيرات، والحصول على التدريب، أو النفاذ إلى البنى التحتية الثقافية، وفي عالم إبداعي تحكمه معايير السوق وتُهيمن عليه الدول المتقدّمة.
وتقول لويبن: “لا يُخلق الفنّ ليبقى حبيس جدران الاستوديو؛ لا بدّ له أن يُقدَّم، أن يُرى، أن يتفاعل مع الناس”. ثم تُضيف أنّ الوصول إلى الجمهور الأوروبي يمنح الفنان.ة فرصة ليس فقط للعيش مما تُـ.يُنتجه، بل لبناء شبكة مهنية تتجاوز حدود الوطن. “وتظهر التجربة، كما تُثبت الوقائع، أنّ كثيرًا من الفنانين.ات الناجحين.ات على المستوى الدولي، يتمكنون.نّ من تحقيق دخل مادي ثم يعيدون.ن ضخّ هذا الدخل في المشاهد الثقافية المحلية، التي ينتمون.ين إليها ويعملون.ن في نطاقها”، على حدّ قولها.

وكانت الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون قد شدّدترابط خارجي في وقت سابق، على أن الاستثمار في الثقافة لا يقتصر على خلق فرص العمل، بل يتعدّاه ليُلامس جوهر الحقوق الإنسانية. فيُعدّ الوصول إلى الثقافة، بحدّ ذاته، حقًا أساسيًّا، كما يُسهم في توسيع المشاركة الديمقراطية وتعزيز التماسك الاجتماعي، ولا سيّما في أزمنةٍ يزداد فيها التضييق على الحريات ويتصاعد النزوع إلى الاستبداد.
وتؤكّد لويبن هذه الرؤية بقولها: “في كثير من الأحيان، تكون الفضاءات الثقافية آخر ما تبقّى من ميادين التعبير الحر. ومن هنا، تنبع الحاجة الملحّة إلى تطوير هذه المشاهد الثقافية المحلية، وتمكينها من الاستمرار”.
الفوائد المجتمعية
وترى شخصيات بارزة في الأوساط الثقافية أن الثقافة ليست مجرّد ترفٍ حضاري، بل قد تتحوّل إلى قوّة دافعة للتغيير السياسي والاجتماعي، كما يؤكّد ماركوس ديساندو، مدير “صندوق الأمير كلاوس” (Prince Claus Fund)، وهي مؤسسة مستقلّة تمنح فنّاني.ات بلدان الجنوب العالمي تمويلا، بدعم من الحكومة الهولندية.
ويستحضر ديساندو، القادم من جنوب أفريقيا، تجربة بلاده مع نظام الفصل العنصري، مشيرًا إلى أنّ التبادلات الثقافية، وخروج الفنانين.ات إلى خارج البلاد، وإيصال أصواتهم.هنّ، كانت من العوامل التي ساعدت العالم على إدراك فداحة ذلك النظام. ويقول: “دونَ ثقافة، نحن شعب تائه. ولا توجد إنسانية دونَ ثقافة”.
ولا تقتصر آثار هذه المبادرات الثقافية على الدول المستفيدة وحدها، بل تمتدّ إلى البلدان المانحة وسكّانها أيضًا. فبفضل التمويل العام الموفَّر من أموال الضرائب، تتمكّن الفضاءات الثقافية في أوروبا من استضافة فنانين.ات من مختلف أنحاء العالم، ما يمنح الجمهور المحلي فرصة نادرة للتفاعل مع تجارب، وأساليب، ورؤى، لم تكن لتتوافر له في ظروف أخرى. وتوضح لويبن ذلك بقولها: “بفضل هذا الدعم، يحظى الجمهور السويسري ببرامج ثقافية غنيّة ومتنوّعة؛ يرى من خلالها إبداعات ومقاربات لم يكن ليطّلع عليها لولا هذا الانفتاح”.
وفي مدينة برن، تلقّى متحف “الفنون الجميلة”رابط خارجي منحة قدرها خمسة آلاف فرنك سويسري من صندوق ثقافة الجنوب، خُصّصت لتغطية تكاليف السفر وجزء من أتعاب الفنان الغاني إبراهيم ماهاما، الذي قدّم أول معرض فردي له في سويسرا، بعمل تركيبي غطّى فيه مبنى المتحف بأكياس خيش قديمة. وتوضح إيليانا فوكيناكي أن إنجاز مشروع بهذا الحجم يتطلب ميزانية تتراوح بين ستين ألفًا، ومئة ألف فرنك.
شاهد إبراهيم ماهاما وهو يشرح الرسائل الأساسية وراء عمله الفني التركيبي في معرض ”الفنون الجميلة“ في برن.
أما ماهاما، فقد اختار استخدام أكياس سبق أن استُخدمت لنقل حبوب الكاكاو من غانا، في إشارة رمزية تهدف إلى دفع الجمهور السويسري إلى التأمّل في واقع مرير: أن بلدان غرب إفريقيا لا تزال، حتى اليوم، تجني عوائد ضئيلة جداً من تصدير الكاكاو الذي يستخدم في صناعة الشوكولاتة الأوروبية المربحة.
الصين تُستعرض قوتها الناعمة
ليست سويسرا وحدها التي خفّضت ميزانية مساعداتها الخارجية؛ فقد سلكت الولايات المتّحدة وألمانيا، وهما أكبر الدول المانحة عالميًا في عام 2023، إلى جانب عدد من الدول الأخرى، المسار نفسه. فقد أقدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على إغلاق “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” (USAID)، التي شكّلت لعقود مصدرًا رئيسيًا لتمويل المبادرات الثقافية، وحفظ التراث. أما ألمانيا، فقد خفّضترابط خارجي موازنتها للمساعدات لعام 2024. وتظهر المؤشراترابط خارجي أنّ مزيدًا من التخفيضات قيد الإعداد.
وفي المقابل، تمثّل اليابان استثناءً لافتًا. فقد رفعت هذه الدولة التي تحتلّ المرتبة الثالثة بين كبارر الدول المانحة، ميزانيتها المخصّصة للمساعدات في عام 2023، وواصلت دعمها عبر برنامج “المنح الثقافية”، الذي حافظ على استقراره طوال العقد الماضي، وفق ما أفادت به وزارة الخارجية اليابانية لموقع سويس إنفو (SWI swissinfo.ch).
وفي المقابل، تستعدّ منظّمات غير حكومية في هولندا لمواجهة اقتطاع ضخم من المساعدات الخارجية، يُقدّر ب 2،4 مليار يورو (أي ما يعادل 2،25 مليار فرنك سويسري)، بحلول عام 2027. ومن بين ما سيطاله هذا التقليص، التمويل الثقافي، الذي لا يشكّل سوى 0،2% من الميزانية، لكنه مرشّح للاختفاء التام بحلول عام 2029. ويعتبر ماركوس ديساندو أنّ هذا التوجّه يعكس “قِصَرًا في النظر”، ويرى، كما يذهب المدافعون.ات عن تمويل الفنون في سويسرا، أنّ مثل هذه السياسات تُضعف من نفوذ البلدان المانحة في الخارج. أمّا مؤسسة “صندوق الأمير كلاوس”، فتُحذّررابط خارجي من أن يفضي التخلّي عن الثقافة، كأداة للقوة الناعمة، إلى الإضرار بالمصالح الوطنيّة لتلك الدول نفسها، في نهاية المطاف.

ويأتي هذا التراجع في سياق دولي، تتقدّم فيه الأنظمة السلطوية بثبات لتوسيع حضورها في ميدان القوة الناعمة، مستعرضة نفوذها الثقافي والإعلامي، على نطاق عالمي. ففي القارة السمراء، تُنفَّذ الغالبية العظمى من “الاستثمارات الثقافية الصينية بالتوازي مع المشاريع التنموية”، بحسب ما أفادت به الباحثة أفريل جوف في تقريررابط خارجي نُشر عام 2023 عن “المعهد الألماني للعلاقات الخارجية”. ومن الأمثلة اللافتة على ذلك، “متحف الحضارات السوداء” في السنغال، الذي صمّمه مهندسون.ات معماريون.ات صينيون.ات، وشُيّد بفضل مساهمة مالية صينية بلغت 34 مليون دولار.
ورغم أنّ الحكومات الأفريقية أبدت ترحيبًا واسعًا بهذه الاستثمارات، أعربت بعض منظمات المجتمع المدني عن قلقها من احتمال “تآكل الثقافات المحلية مع تمدّد النفوذ الصيني”، فضلًا عن تصاعد الاعتماد على وسائل الإعلام الصينية. فقد وسّعت الصين من حضورها الإعلامي في القارة، من خلال تملّكها لعدد من المنصّات. وعلى سبيل المثال، تفيد مجموعة “ستار تايمز” (StarTimes) الصينية بأنّ لديها ما يصل إلى 11 مليون مشترك.ة تلفزيوني.ة في نيجيريا، وتُعد اليوم المُشغّل الرقمي للبث التلفزيوني الأوّل في غانا.
وفي المقابل، تشهد الدول الغربية تراجعاً في تمويل خدماتها الإخبارية الدولية، مثل “صوت أميركا” (Voice of America) و”بي بي سي وورلد سيرفيس” (BBC World Service)، في وقت يُسجَّل فيه فراغ متنامٍ في ساحة التأثير الثقافي والإعلامي العالمي.

المزيد
كيف تدير سويسرا المساعدات الخارجية في ظل الأزمات الدولية؟
وبحسب ما أفادت به الحكومة السويسرية، لا تزال الثقافة تُشكّل “جزءًا لا يتجزّأ من التعاون الإنمائي” الذي تنفّذه مكاتب الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في الخارج، كما جاء في تصريح لوزارة الخارجية نقلته منصة سويس إنفو. وتبقى هذه المكاتب، حتى بعد الاقتطاعات، مخوّلة لإنفاق ما يصل إلى 1% من ميزانياتها المخصّصة لمشاريع ثقافية محلية. أما المؤسسات السويسرية التي تتعاون مع فنانين.ات من بلدان الجنوب العالمي، فلا تزال تملك إمكانية الحصول على تمويل من مصادر أخرى، مثل البلديات، والكانتونات، والمكتب الفدرالي للثقافة.
لكن توضّح لويبن أنّ المساهمات التي تتلقّاها “آرتلينك”، وإن كانت موجودة، فهي مشروطة ومجزّأة، وغالبًا ما تكون مخصّصة لمشاريع بعينها ولا تكفي وحدها لتأمين الاستدامة. وتقول: “المشروع الذي تتجاوز كلفته 200 ألف فرنك، يحتاج في الغالب إلى ثمانية أو حتى عشرة ممولين.ات مختلفين.ات”. وتؤكد لويبن أنّه “لا يوجد حاليًا في سويسرا، أيّ برنامج مماثل لدعم الفنانين.ات الدوليين.ات”، ما يجعل غياب صندوق ثقافة الجنوب أشبه بإغلاق نافذة نادرة للتبادل الثقافي.
وتربط إيليانا فوكيناكي، مديرة متحف “الفنون الجميلة”، وقع القرار بتجربة الإغلاق خلال جائحة كوفيد-19، فتقول: “لقد كانت حياة بائسة بلا موسيقى، بلا حفلات، بلا شيء”. وتختم حديثها قائلة: “آمل أن يُعاد النظر في هذا القرار، فلا يتعلّق الأمر بالمال وحده، بل بما تعنيه الثقافة لحياتنا من معنى، وصوت، وإنسانية”.
تحرير: ليندسي جونستون/اتس. مع تقرير إضافي لتوموكو موث.
ترجمة (النص): جيلان ندا
المراجعة وإضافات في النص الأصلي: عبد الحفيظ العبدلي
التدقيق اللغوي: لمياء الواد
المزيد

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.