مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السنوات العجاف في انتظار البنوك السويسرية

من غير المتوقع أن تسمح البنوك السويسرية لمنافسيها في الاتحاد الأوربي بسحب البساط من تحت اقدامها.. Keystone

تساور المخاوف كبريات البنوك السويسرية من سنوات عجاف قادمة، قد تؤدي إلى تقلص أنشطتها بنسبة 15%، مع تراجع الرواتب والتقليل من شأن السرية المصرفية.

كما تتوقع البنوك السويسرية أن تعمل دول أخرى على تعديل قوانينها تدريجيا لسحب البساط السحري من تحت اقدامها.

تعاني البنوك السويسرية منذ أكثر من عامين من ضغوط متواصلة من قبل الاتحاد الأوروبي، بشأن الاتفاقيات الثنائية بين الجانبين، وما تبعها من مفاوضات ماراثونية مضنية بينهما، شكلت السرية المصرفية حجر الزاوية فيها والخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه بأي حال.

ورغم توصل برن وبروكسل إلى حلول وسط في تلك الاتفاقيات وضمان الكنفدرالية لعدم تعرض سرية مصارفها لاية ضغوط خارجية، إلا أن المؤسسات المالية السويسرية أعربت عن مخاوفها من عدم استمرار هذا الهدوء لفترات طويلة.

وفي حديثه إلى سويس انفو يقول البروفيسور بيات بيرنت مدير معهد المعاملات البنكية والتمويل التابع لجامعة سان غالن الاقتصادية الشهيرة، إن سرية الحسابات المصرفية بالطريقة والأسلوب الذي مارسته سويسرا حتى الآن سيتغير في المستقبل القريب.

وأضاف البروفيسور بيرنت في حديثه إلى سويس انفو، أنه يعتقد بأن سرية الحسابات المصرفية ستقل عن الشكل الذي هي عليه الآن، لقناعة خبراء الاقتصاد بأنها ستصبح ضعيفة بشكل تلقائي، ولذا فيجب على المتخصصين إجراء تعديلات جوهرية على فلسفة العمل المصرفي والبنكي في سويسرا بأسلوب يحافظ على قيمتها العالية، فالبنوك تعرف جيدا أن المنافسة والتميز لا يمكن أن يكونا من خلال سرية الحسابات المصرفية فقط.

وفي واقع الأمر فإن ما يراه البروفيسور بيرنت منطقي بشكل كبير، فالضغوط التي بدأت بعض دول الاتحاد الأوروبي المختلفة تمارسها فرادى على سويسرا بدأت بالفعل تبدو واضحة، فألمانيا على سبيل المثال وضعت أسلوب تعامل مع البنوك السويسرية يحد من نشاطها ولا يسمح لأي مؤسسة مالية بالعمل فوق أراضيها إلا بمواصفات وشروط محددة لا تتناسب إلا مع البنوك ذات الأحجام الكبيرة فحسب.

تعديلات جوهرية مطلوبة

وفي دراسة شاملة ضمت آراء 180 من قدامى مدراء البنوك السويسريين، أجمع المستجوبون على ضرورة أجراء تعديلات تتناسب مع الأوضاع الجديدة سواء داخل سويسرا أو في الاقتصاد الدولي أو على الصعيد الأوروبي.

وأظهرت الدراسة التي أعدها معهد الدراسات المصرفية التابع لجامعة سان غالن الاقتصادية بمشاركة إحدى المكاتب المتخصصة، أن الإجراءات الصارمة المتبعة في مكافحة الجرائم الاقتصادية وعمليات غسيل الأموال المشبوهة وتمويل شبكات الإرهاب كان لها تأثيرها على سياسة عمل المصارف في سويسرا.

ويقول البروفيسور بيات بيرنت مدير معهد المعاملات البنكية والتمويل التابع لجامعة سان غالن إن المؤسسات المالية السويسرية قامت بإجراءات متعددة لمواجهة ما تترقبه من تغيرات ستطرأ على عملها، ويضيف في حديثه إلى سويس انفو بأن تلك الإجراءات “حملت معها تكاليف مالية باهظة ستترك بصماتها على عمل المصارف الخاصة والمتوسطة الحجم”.

ومن المتوقع، حسب رأي الخبير المصرفي، أن تتجه تلك البنوك التي ستتضرر من الفترة المقبلة إلى “تغيير طبيعة نشاطها وأن تركز عملها على إدارة الثروات”.

تحديات الحفاظ على المكانة

وبالنظر إلى الدراسة التي قامت بها جامعة سان غالن الاقتصادية اتضح أن 80% من الخبراء المصرفيين السابقين يرون أن العدد الإجمالي للبنوك السويسرية سيتراجع إلى أقل من 730، وهو الرقم الذي وصلت إليه في عام 2002 بعدما كانت 800 قبل هذا التاريخ.

ومن الطبيعي أن ينعكس هذا على سوق الوظائف، حيث يتوقع أن يفقد 20 ألف شخص وظائفهم من إجمالي 160 ألف شخص يمتلون عدد العاملين في القطاع البنكي في سويسرا.

ولا يبالغ البروفيسور بيرنت في التشاؤم، إذ يؤكد أن التخطيط الجيد للسياسة المصرفية السويسرية ستجعل البنوك قادرة على مواجهة أية تحديات جديدة تعترضها سواء على الصعيد الأوروبي أو الدولي.

ويختتم الخبير المصرفي حديثه إلى سويس انفو بالتأكيد على أنه على قناعة بأن المؤسسات المالية السويسرية لديها المقدرة على أن تحافظ على مكانتها وصورتها في العالم بسبب المستوى الرفيع الذي تتمتع به في هذا المجال، وخبرات العاملين فيه والتميز الذي تتمتع به المصارف السويسرية عن غيرها في العالم بأسره.

البنوك هي عصب الاقتصاد السويسري الحساس، فثلث المعاملات المصرفية التي تحدث في العالم تمر عبرها سواء في القنوات الخاصة أو العادية وهو ما يقدر بـ 2.5 تريليون فرنك، كما تحتل البنوك السويسرية الخاصة المكانة الأولى عالميا من ناحية الأداء المتميز لخدمة العملاء.

ولذا، فليس من المستبعد أن تقوم البنوك السويسرية منذ الآن بالاستعداد بكل ما لديها من طاقات لتلك السنوات العجاف المقبلة، وقد تعمل الخبرة العالية والمتمرسة في هذا المضمار على تحجيم سلبيات تلك المرحلة إلى حدها الأدنى، لتحافظ على مكانة الصدارة، ويبقي عصب الاقتصاد السويسري بعيدا عن أية عارض يؤرقه.

سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية