مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السويسريون يستقبلون الربيع بالكرنفال السنوي “فاس ناخت”

بداية الاحتفالات بالكرنفال السنوي " فاس ناخت" في لوتسرن Keystone

مع اقتراب نهاية فصل الشتاء و بداية بشائر الربيع، تستقبل سويسرا إحتفالات الكرنفال السنوية التي يطلق عليها اسم "فاسناخت" التي تختلف في طقوسها من مدينة إلى أخرى طبقا للخلفيات التاريخية التي عاشتها تلك المدن في اختلاف واضح بين طبيعة الاحتفالات في المدن الكاثوليكية و الأخرى البروتستانتية.

يعود الاصل التاريخي لهذه الاحتفالات في رأي بعض المؤرخين إلى عصور ما قبل المسيحية في اوروبا حيث كان الناس يخرجون لطرد الارواح الشريرة التي تتسبب في البرد و الصقيع و ترحب بالربيع و الطقس الدافئ الجميل و دليلهم على ذلك هو خروج المواطنين بالفؤوس و العصي و محاولة التنكر في اشكال مخيفة لتبدو اكثر رعبا من الارواح الشريرة.
لكن هذه الاحتفالات لم تكن تحمل اسم “فاسناخت” و لا يُعرف لها اسم محدد سوى انها كانت احتفالات شعبية .


مع انتشار المسيحية في اوروبا حاولت الكنيسة الكاثوليكية منع هذه الاحتفالات و اعتبرت انها احد مظاهر الفسق و المجون و الجنون و لكنها تراجعت بعد عدة قرون عن تلك الفكرة على اساس ان هذه الفترة يمكن ان تكون تنفيسا عن الكبت الذي يعاني منه الناس و حُدد لهذه الاحتفالات وقتا رسميا و هو قبل بداية موسم الصوم لدي اتباع المذهب الكاثوليكي و من هنا جاء لاول مرة اسم فاسناخت و هى كلمة المانية تعني “ليلة بداية الصوم”.


ظهرت هذه الكلمة للمرة الأولى في القرون الوسطى و تحديدا في عام الف و ثلاثمائة و ستة و سبعين عندما تحول الاحتفال بها في مدينة بازل إلى معركة دامية بين مؤيديه و معارضيه.
على مدى قرون طويلة كان المد و الجذب بين الكنيسة و انصار الاحتفال بـ”الفاس ناخت” هو الشغل الشاغل لاتباع و مؤيدي هذه الفكرة، حتى توصل الطرفان إلى حل وسط و هو عدم التعرض للكنيسة بالنقد و السماح بالاحتفال في إطار تقاليد محددة ، مازالت متبعة حتى الآن مع بعض التطوير البسيط او لنقل التحايلK ظل الاحتفال بـ”فاس ناخت” مقصورا على بعض المدن و اكتسب طابعا تاريخيا مميزا لمدن مثل بازل و لوتسرن على وجه الخصوص.
تبدأ الاحتفالات من فجر يوم الاثنين الذي يعقب ما يسمى بأربعاء الرماد لدى اتباع المذهب الكاثوليكي، و لابد و أن تبدأ بقرع الطبول مصحوبا بصوت الفلوت البيكولو الحادة الصوت و تجوب الفرقة الموسيقية بعد ذلك المدينة القديمة بزيها التقليدي، و يسمح بعدها بمرور المساهمين العاديين.


مع مرور الزمن تغير مفهوم الاحتفال بـ”الفاس ناخت” و تشكلت جمعيات و فرق مختلفة تأخذ لنفسها مساحة على خريطة الاحتفال، و تهتم بتقديم فكرة معينة أو محاولة ابلاغ رسالة إلى المواطنين كنوع من التوعية او توجيه الرأي العام.
في العاصمة برن ظل الاحتفال بـ”فاس ناخت” ممنوعا لمدة قرنين ثم سُمِح به ليصبح احتفال برن ب”فاس ناخت” متميزا عن غيره ، فلا توجد تقاليد معينة يجب اتباعها مثل ما يحدث في بازل أو لوتسرن حيث ان الجمعيات المختلفة المتخصصة في احتفالات الفاسناخت مُنحت مجالا اوسع للتعبير عن آرائها و افكارها و هكذا تحول الاحتفال إلى مناسبة لممارسة النقد الاجتماعي و السياسي في جو صاخب مرح.


المدارس تساهم في اليوم الاول من المهرجان في فترة بعض الظهر في موكب و تختار كل مدرسة زيا معينا ، اطفال رياض الاطفال يتنكرون عادة في زي حيوانات و اطفال المدارس الابتدائية يتنكرون في الغالب في ازياء شخصيات تاريخية كفرسان العصور الوسطى أو قادة عسكريين مثل نابوليون بونابارت أو موسيقي شهير كموتسارت أو بيتهوفن و هناك قلة تردتي المبالبس التي تعكس طابع العصر الحديث مثل رائد فضاء او ملابس توحى بالكومبيوتر و البرمجة.
بينما يحاول تلاميذ المدارس الثانوية عرض مشاكلهم على المجتمع و اظهار مخاوفهم من المستقبل.


جمعيات الفاسناخت المتعددة تختار موضوعات مختلفة من واقع المجتمع لتوعية المواطنين و نظرا للحرية المتاحة في احتفالات برن للتعبير عن الرأي في كافة المجالات فان العديد من جمعيات الفاسناخت اصبحت تفضل الاحتفال بهذه المناسبة في برن.
و يرى علماء النفس و الاجتماع ان اختيار المشارك للزي التنكري يرجع في رغبة دفينة في اظهار الشكل الذي يفضل أن يكون عليه ، و البعض يرى أنه انعكاس لشخصية المشارك الدفينة ، فالذي يختار مثلا زي الفارس يعكس الرغبة في ان يكون منقذا ، بينما غالبية من يختارون زي الرهبان أو رجال الكهنوت لا يعكسون الجانب الروحي أو الديني بقدر ما يمثلون الغموض و التكتم، اما الذي يختارون ازياء السحرة و المشعوذين فانهم يعكسون رغبتهم في حب التملك و السيطرة و القوة. بينما المرأة التي تختار زي نساء عصر الباروك او القرون الوسطى تكون في الغالب من عشاق الرومانسية و ترى في الإحتفال فرصة للهروب من الحياة اليومية المليئة بالتوتر.



الجالية العربية المقيمة في برن تنظر إلى الاحتفالات نظرة مختلفة و تقتصر مساهمتها، في اغلب الاحوال، على المشاهدة فقط .
كما أن الغالبية لا تسمح لاطفالها بالمشاركة مع المدارس في هذا الاحتفال، على اعتبار أنه احتفال لا يفيد بشيء.



الاستعداد لاحتفالات الكرنفال أو الفاسناخت السنوية تبدأ مباشرة بعد الانتهاء من احتفالات العام الحالي، فتجتمع جمعيات ال “فاس ناخت” و تناقش السلبيات التي مرت بها و تطرح الافكار الجديدة و تترك المجال للتفكير، و لكن الاستعدادات الموسيقية تبدأ بتدريبات اسبوعية متواصلة للاعداد للعرض الجديد ، كثير من السويسريين لا يستطيعون مجرد التفكير في عدم وجود تلك الاحتفالات السنوية.


تامر أبوالعينين

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية