مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العالم العربي وأمريكا اللاتينية على طريق التعاون

وزير الخارجية المغربي محمد بنعيسى ونظيره البرازيلي سلسو أموريم في اجتماع مراكش يوم 25 مارس 2005 Keystone

احتضنت مدينة مراكش يوم 25 مارس الاجتماع التحضيري لقمة برازيليا بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية التي تعقد في الأسبوع الثاني من مايو القادم.

وقد حضر في هذا الإجتماع غير المسبوق 34 وزيرا يمثلون الدول المشاركة.

لم يسأل أحد من وزراء الخارجية العرب أثناء لقائهم يوم الجمعة 25 مارس الجاري في مراكش بنظرائهم في دول أمريكا الجنوبية، عن الكيفية التي يتطور بها التعاون العربي مع تلك الدول، فالدول العربية نفسها لا تتعاون مع بعضها كمجموعة، ولا يوجد إلا إطار واحد يجمعها هو “جامعة الدول العربية”، التي لا تلزم قراراتها أحدا.

سؤال مثل هذا، يرِد أو لا يرِد، في ذهن هذا المسؤول العربي أو في ذهن المسؤول الأمريكي اللاتيني، حين وصلوا إلى مراكش، والتمتع ولو لوقت قليل بشمسها الدافئة، دون أن يمنع ذلك التفكير الجدي في تعاون بين الدول العربية ودول أمريكا اللاتينية، التي تبحث عن فضاء إضافي لإغناء ثقافتها، وأيضا أسواقها، بعد أن عرفت فضاءاتها التقليدية، أوروبا وأمريكا الشمالية إشباعا.

من جهتها تعتبر الجغرافيا العربية (إضافة لطابعها المميز كفضاء ثقافي وسوق اقتصادي غني) ممرا ضروريا لأمريكا الجنوبية نحو الفضاءات الجديدة التي تطمح بالوصول إليها، وهي إفريقيا وآسيا.

“قمة الأمل”

أجندة الاتصالات والمشاورات لعقد هذه القمة، التي أطلِـق عليها اسم “قمة الأمل”، بمبادرة برازيلية، بدأت رسميا في 30 يناير 2004 في اجتماع عُـقد بجنيف، ترأسه وزير العلاقات الخارجية البرازيلي، وحضره سفراء أمريكا الجنوبية والدول العربية، ثم تـوجت في مايو 2004 خلال اجتماع وزير العلاقات الخارجية البرازيلي بوزراء الخارجية العرب بالقاهرة، حيث وضعت الخطوط العريضة لمشروع البيان الختامي الذي وُزِّع على الدول المشاركة في يونيو من نفس العام، وتمت الموافقة المبدئية عليه في لقاء عُـقد على مستوى وزراء الخارجية في نيويورك في سبتمبر الماضي.

ولقد حدّدت المشاورات واللقاءات التحضيرية التي تضمّـنها مشروع البيان الختامي لقمة برازيليا أهدافا على المستوى السياسي، تتمثّـل في تعميق الحوار بين الجهتين، والتشاور حول المواضيع الأساسية ذات الطابع الجِـهوي والدولي، وتكثيف التعاون على صعيد المنتديات متعدّدة الأطراف وبين المنظمات الجهويـة والإقليمية.

وفي تفاصيل هذه الأهداف، اتُّـفق على التفكير في آلية لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، والتنسيق فيما يتعلّـق بإصلاح منظمة الأمم المتحدة. أما على المستوى الاقتصادي، تسعى القمة إلى تعزيز التقارب بين الجانبين عبر خلق فضاء جديد للتواصل والتنسيق، ووضع شراكة تعاون جديدة في ميادين الموارد المائية ومحاربة التصحّـر، والبحث عن ميكانيزمات لاستغلال الإمكانيات الاقتصادية التي يتوفر عليها الطرفان، وتقوية التعاون جنوب – جنوب الذي يُـعتبر أداة متميزة في مجال التنمية للدول المشاركة في ميادين التبادل التجاري، والسياحة، والاستثمار، إضافة إلى التنسيق حول القضايا المعروضة أمام منظمة التجارة العالمية.

وحضرت الثقافة أيضا من خلال الدعوة لتطوير الروابط التاريخية والثقافية الموجودة بين الجهتين، وذلك عن طريق خلق جسور جديدة للتواصل وتكثيف التبادل الثقافي، والتعريف بالتراثين العربي والأمريكي الجنوبي بالمنطقتين، وتحسين صورة العالم العربي لدى المجتمع المدني، وعند صانعي القرار بأمريكا الجنوبية.

“حوار أمريكـا الجنوبية والدول العربية”

وفي إطار التحضير لهذه القمة، نظمت ندوتان حول موضوعي “حوار أمريكـا الجنوبية والدول العربية”، و”مظاهر الثقافة العربية”، وذلك بمدينة ساو بولو في شهر سبتمبر 2004، ثم لقاءان آخران حول “المناطق الشبه القاحلة والموارد المائية”، و”التعاون العلمي والتقني”، تم تنظيمهما بنفس الشهر بمدينتي فورتاليزا وبترولينا.

وقبل الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية، نظمت بمراكش ندوة لتقديم أمريكا الجنوبية، تمحورت حول نشأة الدول القومية، وأولى خطوات التعاون الجهوي ومحور الثقافة والعلوم والتكنولوجيا بأمريكا الجنوبية، ومسلسل الاندماج بأمريكا الجنوبية وآفاقه، وتضمّـن موضوع الهجرة في دول أمريكا الجنوبية، تنوع واندماج وموضوع الهجرة، الثقافة والهوية: مثال الهجرة العربية إلى أمريكا الجنوبية، وقد مكّـنت هذه الندوات من تحديد بعض مشاريع التعاون الملموسة، والتي تم عرضها على بلدان الطرفين للمشاركة فيها.

مبادرة قمة برازيليا تمثل نموذجا لأفكار تسُـود دول الجنوب أو ما يتفق على تسميتها بالدول النامية في زمن العولمة ومخاضاته. فحسب سالزو اموريم، وزير الخارجية البرازيلي، كان العرب يوجهون أنظارهم لأوروبا، وكانت أمريكا الجنوبية توجه أنظارها نحو الولايات المتحدة، رغم ما كان يطرح من أفكار حول تعاون جنوب – جنوب، ورغم ما اتخذته قمة عدم الانحياز التي عُـقدت في الجزائر عام1973 من قرارات في هذا الميدان، حيث أن ما عرفه العالم، والعالم العربي تحديدا منذ ذلك التاريخ، من حرب أكتوبر وما تبعها من مسلسل التسوية السلمية للصراع العربي الصهيوني، وتداعيات المسلسل على العلاقات العربية – العربية، وجحيم حرب الخليج الثانية واحتلال العراق، بالإضافة إلى التنازعات الثنائية بين الجيران والبحث عن حليف دولي يدعم ويسند، كل ذلك جعل التعاون العربي مع مجموعات إقليمية لا يخرج عن إطار التمنيات والشعارات.

انطلاقة لعلاقات متميزة بين المجموعتين

فقبل حرب أكتوبر، نشطت المجموعة العربية على جبهة التعاون العربي الأوروبي، وبعدها نشطت على جبهة التعاون مع القارة الإفريقية، ثم خمل كل ذلك وتبدد لينشط بين الفينة والأخرى بلقاء يعقد هنا أو هناك دون أن يتمأسس، ويصبح جزءا من الفعل السياسي العربي المنتظم.

ومجموعة أمريكا الجنوبية التي تنتظم في إطار ميركسور، تعرف العالم العربي جيدا، وتُـدرك أن دوله كمجموعة لا يشكلون فعلا حقيقيا في الميدان السياسي أو الاقتصادي وحتى الثقافي، إلا أنها تُـدرك جيدا أن اللقاءات التي تُـعقد تكون فرصة لعلاقات ثنائية مع مفردات هذا العالم الغني في ثراوته والواسع في أسواقه، بغض النظر إن كان مستفادا من هذه الإمكانيات كمجموعة أو غير مستفاد.

ويشكل المهاجرون العرب في أمريكا اللاتينية، القادمين من فلسطين ولبنان وسوريا، ذخيرة لدولها وقنوات اتصال بعد أن اندمجوا طبيعيا في مجتمعاتهم الجديدة دون أن يقطعوا جذورهم مع مجتمعاتهم الأصلية.

ومن خلال متابعة التحضير لقمة الأمل، كان واضحا الإلحاح لدى مجموعة ميركسور، والبرازيل تحديدا، والإصرار على عقدها والإعداد الجيد لها، كان على أمل أن تكون انطلاقة لعلاقات متميزة بين المجموعتين، لاستثمار الإمكانيات المتوفرة، وأيضا لمد الجسور نحو إفريقيا وآسيا.

لكن السؤال الذي يبقى مطروحا، هل تستطيع المجموعة العربية أن تتجاوب مع طموحات مجموعة دول أمريكا اللاتينية؟ وإذا كان المتشائمون لا يرون أملا في مجموعة متنازعة لا ريح لها وأن التزاماتها من موقع الأضعف مع أطراف دولية أخرى يحُـول دون الذهاب بعيدا مع طموحات أمريكا الجنوبية، فإن المتفائلين لا يرون تعارضا بين التعاون جنوب – جنوب، والعلاقات مع الشمال.

كما أن تجربة دول أمريكا الجنوبية في إطار ميركسور، المقرر أن يوقع معها كل من مصر ومجلس التعاون الخليجي والمغرب اتفاقيات للتبادل الحر، قد تحفز المجموعة العربية على إعادة تقييم تجربتها كمجموعة أو تجربتها مع المجموعات الإقليمية الأخرى.

محمود معروف – الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية