مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العربُ وعرفات .. على المحك

ثمة ثلاثة اتجاهات أساسية تحكم رؤية المسؤولين العرب تجاه عرفات والسلطة الفلسطنيية Keystone

غياب الموقف العربى من الاحداث الراهنة على الساحة الفلسطينية يفتح تساؤلات عدة حول حقيقة التباين العربى إزاء قيادة عرفات وإزاء التعامل مع الولايات المتحدة فى هذه الآونة تحديدا.

فبينما تواصل حكومة شارون سياستها فى التقويض الكامل والسريع للسلطة الوطنية الفلسطينية، والإغتيال المنظم والمنهجى لمن تسميهم ناشطين إسلاميين فضلا عن قصف المواطنين العاديين فى أوقات صلاتهم بالمساجد، وتدمر بالصواريخ الامريكية الصنع مقار ورجال الشرطة الفلسطينية ومحطة الإذاعة الفلسطينية، وتعزل عرفات فى مقره بمدينة رام الله محاطا بدبابات امريكية الصنع، ومن قبل دمرت مروحياته الثلاثه فى مطار غزه مانعة إياه من التحرك سواء فى حدود مناطق السلطة او خارجها.

وفي الوقت نفسه تعمل على عزل المدن وتشريد المواطنين الفلسطينيين، وتعلن ان عرفات خارج اللعبة السياسية وتقطع معه الاتصالات السياسية لانه لم يعد شريكا لها فى العملية السياسية حسب بيان الحكومة الامنية الاسرائيلية، وتحمله مسؤولية التدهور الامنى لاسرائيل ، ويشير وزير الأمن الداخلى عوزى لانداو الى عدم استبعاد احتمال إعادة عرفات الى تونس.

يجرى كل ذلك فى الأرض الفلسطينية، وفى خلفية المشهد المأساوى مواقف أمريكية تتبنى تماما الرؤية الشارونية بلا تحفظ، وهو ما عكسه ما جاء على لسان الرئيس بوش حيث دعم بكل قوة ما يفعله شارون وطالب عرفات بالمزيد من الإجراءات لكبح ما يعتبره إرهابا ضد اسرائيل.

بينما يحدث كل ذلك يبدو المشهد العربى لا يقل مأساة عن نظيره الفلسطينى، فهو غير قادر عن التحرك لمساندة الفلسطينيين او سلطتهم الوطنية او رئيسهم المعزول فى مقره.

ويبدو الامر المحزن فيما جرى من تراجعات خلال الاسبوع الماضى عن عقد اجتماع للجنة المتابعة العربية والاستعاضة عنه باجتماع لوزراء الخارجية العربية او بالاحرى “دردشة غير ملزمة” على هامش الاجتماع الطارىء لوزراء خارجية الدول الاسلامية فى الدوحة، والذى فيه ظهر الوزراء العرب وكأنهم غير معنيين بالامر، او على الاقل ليس لديهم اكثر من كلمات التحذير المطلق مما يجرى فى الاراضى الفلسطينية المحتلة.

شللٌ من نوع خاص

وحتى الأساليب الرمزية التى كانت تتبع فى المناسبات السابقة حيث يصدر إعلان جماعى او يعهد الى لجنة وزارية الاتصال بعواصم القرار الدولية، تم التخلى عنه فى إشارة الى حالة اليأس والفقدان على الحركة التى أصابت العمل الجماعى العربى.

وتأتى محاولة عقد اجتماع طارىء لوزراء الخارجية العرب فى القاهرة، التى أشار إليها احمد ماهر وزير الخارجية المصرى، ثم نفاها امين الجامعة العربية عمرو موسى بحجة ضغط الوقت لتصب فى نفس النتيجة حيث لا اعتبار لفكرة بلورة موقف جماعى عربى إزاء ما يجرى فى فلسطين المحتلة وفى الخطوات الحثيثة التى يقدم عليها رئيس وزراء اسرائيل وتفتح أبواب الحرب الإقليمية على مصراعيها.

وربما يخفف من ذلك مسألة اللجوء الى مجلس الامن كاستعاضة عن الغياب العربى، والتعامل ما يجرى وكأنه أمر روتينى سيتم النظر فيه فى اجتماع لجنة المتابعة فى موعدها المحدد من قبل يومى 4 و5 من العام المقبل. وحتى موضوع اللجوء الى مجلس الامن على اهميته القصوى فى ظل ظروف هذه، لم تظهر بعد الاستعدادات العربية لمثل هذا الامر.

غياب الموقف العربى يفتح تساؤلات عدة حول حقيقة التباين العربى إزاء قيادة عرفات وإزاء التعامل مع الولايات المتحدة فى هذه الآونة تحديدا، حيث لا ترى واشنطن أي شىء فى العالم الآن إلا بعين واحدة تعنى بمواجهة الإرهاب وفقا لمفهومها الخاص، وأن من ليس معها على الطاعة العمياء فهو ضدها يستحق العقاب الناجز والفورى.

بلبلةُ صامتة

من خلال متابعة وقائع الاتصالات والدردشة غير الملزمة كما حدثت فى الدوحة، فثمة ثلاثة اتجاهات أساسية تحكم رؤية المسؤولين العرب تجاه عرفات والسلطة:

الأول يرى ان قيادة عرفات وجب عليها الرحيل، لانها لم تعد ملائمة لظروف المرحلة. وهؤلاء لا يعلنون ذلك صراحة خشية الاتهام بأنهم تبنوا الموقف الشارونى.

فى الوقت نفسه فإن عدم حماسهم لمعاونة السلطة وعرفات من الناحية العملية يصب مباشرة فيما يهدف اليه شارون، إذ على الاقل يشاركون فى خطة عزل عرفات وتقويض السلطة الفلسطينية.

الاتجاه الثانى يرى ان عرفات يحصد ما زرع من قبل، وان الإعتداءات التى يعيشها الفلسطينيون هى نتيجة منطقية لعملية تسوية سياسية غير واضحة المعالم، وفيها تنازلات بالجملة ومراهنات على أدوار أمريكية وأوربية وضغوط رأى عام غربى، ثبت باليقين القاطع أنها جميعها اقرب الى الوهم المركب. ولما كان التشفى فى عرفات شخصا وزعامة فى مثل هذا الوقت يعنى تشفيا بالفلسطينيين أنفسهم وبقضيتهم، يقترب موقف هؤلاء من النتائج الفعلية لموقف انصار الاتجاه الاول.

الاتجاه الثالث ويرى ان قيادة عرفات لا يمكن التخلى عنها او الاستجابة الى طلب شارون بإخراجها من اللعبة السياسية، فهى رمز للقضية الفلسطينية من جانب، وهو منتخب من جانب اخر من قبل شعبه، وثالثا لا بديل له حاليا لانه الاقدر على اتخاذ القرارات الصعبة، الا ان سياسات شارون العدوانية لا تمكنه من التحرك الى الامام كما ينبغى.

ورغم ان هؤلاء يؤيدون قيادة عرفات الا انهم يقتربون من مسألة ان عرفات عليه ان يتخذ الاجراءات الصعبة فى مواجهة شاملة مع حركتى حماس والجهاد دون اعتبار الى نتائج ذلك على الارض وعلى الوحدة الفلسطينية ذاتها وعلى مسألة ان المطلوب هو حماية الفلسطينيين ومساندة قضيتهم فى مواجهة الاحتلال الاسرائيلى وليس الانصياع الى رغبات قوة الاحتلال دون سقف سياسى محدد.

وربما أمكن القول ان هناك اتجاه رابع وهو فى طور التبلور ويرى ان عرفات أمامه فرصة الرد بالمثل على الحكومة الاسرائلية الراهنة، وأن يعلن بدوره قطع الاتصالات معها تماما كما اعلنت هى قطع الاتصالات السياسية معه. وربما يعبر تصريح عمرو موسى الذى دعا فيه الرئيس عرفات الى قطع الاتصالات مع حكومة شارون عن بداية تفكير فى هذا الاتجاه.

الى اين سيُولي الفلسطينيون وجوههم؟

ورغم بريق الاتجاه الرابع للوهلة الاولى، فهو ينزع عن عرفات والقيادة الفلسطينية ما يمكن اعتباره الورقة السياسية الوحيدة التى يملكها حاليا والمتمثلة فى الحفاظ على الاتصال السياسى مع كل المعنيين بعملية التسوية، والذين يفترض ان بإمكانهم القدرة على كبح جماح العدوان الحكومة الإسرائيلية.

ان مثل هذه الاتجاهات الأربعة السائدة فى مواقف الدول العربية، المُعلن منها والذى يقتصر قوله خلف الأبواب المغلقة يغيب عنها البديل الأهم والأكثر فاعلية، وهو بديل العمل الجماعى لمساندة الفلسطينيين واعانتهم على نيل حقوقهم. وهو البديل الذى يعنى ليس بعقد اجتماع طارىء لوزراء الخارجية العرب، وإنما بخطة تحرك سياسية ذات شقين:

أولهما موجه لدعم صمود الفلسطينيين فى الداخل بكل الأشكال، والثانى توظيف أوراق ضغط جماعية تجاه القوى المؤثرة والداعمة للعدوان الإسرائيلي.

ونظرا لان التكلفة فى مثل هذا البديل تبدو عالية على غالبية الأطراف العربية فى مثل هذه الأوقات الدولية العصيبة، فليس أمام الفلسطينيين سوى التحسب عند الله كلا من العرب والأمريكيين على السواء، والاعتماد على أنفسهم بشكل كامل.

د. حسن أبو طالب – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية