مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

القانون اكبر ضحايا أحداث أيلول

كيف يمكن مقاومة الارهاب دون الاخلال باحترام القانون، سواء كان وطنيا او دوليا؟ swissinfo.ch

يعد احترام القانون الدولي من أكبر ضحايا مضاعفات أحداث 11 سبتمبر، سواء في مجال الحريات الفردية او الجماعية، او حقوق الإنسان او القانون الإنساني الدولي

وإذا كانت هذه التأثيرات قد شملت كل الدول وكل الفئات بدون استثناء، فإن المسلمين والعرب، سواء في بلدانهم او خارجها قد عانوا منها كثيرا.

بعد ضحايا برجي مركز التجارة العالميوزارة الدفاع الامريكية، يمكن القول أن احترام القانون بمختلف أشكاله، هو الضحية الثانية لأحداث 11 سبتمبر. فقد توصلت العديد من المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان في تقييمها لمرور عام على أحداث نيويورك إلى هذه الخاتمة متسائلة عن مستقبل هذه المعايير التي كانت بالأمس القريب المقياس الذي تقاس به جودة الأنظمة من عدمها، والتي كان احترامها شرطا لا بد منه للحصول على المساعدات والقروض واختبارا لا بد منه للفوز بالانضمام إلى نادي “الدول المتحضرة”.

التضحية بالحريات

والأسوء في هذا التحول، هو ان الدول التي كانت دوما ترفع راية احترام حقوق الإنسان لإدانة هذا البلد أو ذاك، هي التي سارعت بأشكال متفاوتة إلى تضييق الخناق على احترام حريات الأفراد من مواطنين او أجانب.


فقد استهدفت أولى الإجراءات الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر الحد من حريات الأفراد في بلد كان دوما يفتخر بأنه بلد الحريات. أكثر من 1200 معتقل تم احتجازهم لا لسبب غير الاشتباه في انتمائهم إلى شبكات تنظيم القاعدة او دعمها، يضاف لهم حوالي 600 أسير من تنظيم القاعدة وحركة طالبان يقبعون في مخيم غوانتانامو في كوبا خارج أي إطار قانوني، حسب اعتراف المنظمات الحقوقية الدولية.


وليست هذه الإجراءات وقفا على الولايات المتحدة الأمريكية، بل إن بريطانيا ذات التقاليد الراسخة في مجال احترام حرية الأفراد مواطنين أو أجانب أقدمت على إصدار قانون يسمح بحبس أي أجنبي يشتبه في انتمائه إلى شبكة إرهابية بدون تحديد التهم الموجهة له.


وقد استغلت العديد من الدول ذات السجلات القاتمة في مجال احترام حقوق الإنسان، أحداث سبتمبر للعودة بشكل مكثف إلى طمس الحريات. وما أكثر الدول العربية من ضمنها حسب تقرير العديد من المنظمات الحقوقية.

محاربة الإرهاب هي المعيار

إذا كان المعيار السائد قبل أحداث 11 سبتمبر لتقييم اداء نظام من الأنظمة، هو مدى احترامه لحقوق الإنسان داخل حدوده الوطنية والتزامه بالمعايير الدولية، فإن المعيار الجديد الذي وضعته واشنطن بعد هذه الأحداث هو محاربة الإرهاب.

وبناءا على هذه المتغيرات، أصبحت روسيا التي كانت تدان سنويا أمام لجنة حقوق الإنسان بسبب الانتهاكات التي يمارسها جنودها في الشيشان، حليفا يعتمد عليه. كما أن الصين التي كانت تخضع لضغوط متواصلة بسبب وضع حقوق الإنسان والأقليات فيها، لم تعد اوضاع حقوق الانسان فيها من بين أولويات لا الولايات المتحدة الأمريكية ولا الاتحاد الأوربي.


ولا شك أن أكبر صدمة هي تلك التي أصابت منظمات المجتمع المدني والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان التي بدأت تفرض نفسها في مجتمعات ليست لها تقاليد عريقة في مجال احترام الحريات. فقد استغلت العديد من الدول حسب تقارير المنظمات الحقوقية، الحملة ضد الإرهاب لتسلط قمعها ضد الحقوقيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. وقد يضاف لهم في بعض الحالات المعارضون والصحفيون وكل من يبدي رأيا غير ما يبتغيه النظام.


وقد دفع هذا الوضع عددا من المنظمات الحقوقية الدولية إلى الاعراب عن امتعاضها لرؤية مكاسب عشر سنوات من الكفاح لتثبيت مبدأ حقوق الإنسان، تتبخر تحت دعوى محاربة الإرهاب. هذا الإرهاب الذي لم يحدد مفهومه دوليا، ويظل مجالا للتأويل حسب الأهواء والمصالح.

تشكيك في القانون الإنساني الدولي

ليست حقوق الإنسان وحدها التي ذهبت ضحية أحداث 11 سبتمبر، بل إن القانون الإنساني الدولي ، المتمثل في معاهدات جنيف والبروتوكولين الإضافيين، هو الأخر عرف هزة لا سابق لها منذ إقراره عام 1949. فقد شككت الولايات المتحدة الأمريكية برفضها معاملة الأسرى الستمائة من تنظيم القاعدة وحركة طالبان، كأسرى حرب، في صلاحية معاهدات جنيف لمعالجة حالات محاربة الإرهاب.


واختلقت واشنطن مصطلح “المقاتلين غير الشرعيين”، أطلقته على معتقلي معسكر غوانتانامو في وقت ترى فيه اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن كل أسير يعتقل في صراع دولي يجب أن يعامل كأسير حرب وفقا لمعاهدات جنيف.


وباختلاق الولايات المتحدة الأمريكية هذه الفئة الجديدة غير الموجودة في القانون الإنساني الدولي، تضع واشنطن نفسها في موقف متعارض مع بنود القانون الإنساني الدولي، ومع بنود القانون العام وإجراءات القضاء الداخلية. فواشنطن حسب تقييم اللجنة الدولية، لم تخول لهؤلاء الأسرى التمتع بوضع أسرى الحرب، ولم توجه لهم لحد الآن أية اتهامات كمجرمي قانون عام يجب محاكمتهم أمام المحاكم العادية.


وحتى وإن اعتبرت واشنطن معتقلي غوانتانامو من المجرمين المتورطين في أحداث الحادي عشر سبتمبر، فإن اللجنة الدولية ترى أن القانون الإنساني الدولي يتطلب معاملتهم كأسرى حرب في انتظار أن تنظر محكمة مستقلة في ذلك.


ولا مجال للتطرق للعرقلة التي تبديها الولايات المتحدة الأمريكية لقيام المحكمة الجنائية الدولية لمعاقبة مرتكبي جرائم الإبادة او جرائم الحرب او الجرائم ضد الإنسانية، لأن هذه المعارضة تعود إلى ما قبل أحداث الحادي عشر سبتمبر. لكن يبدو أن الحرب ضد الإرهاب دفعت واشنطن ليس فقط إلى التمسك بمعارضة قيام المحكمة، بل إلى ممارسة ضغوط على الدول الموقعة لإستثناء المواطنين الأمريكيين من أي مثول أمامها.

العرب والمسلمون مستهدفون داخليا وخارجيا

لا شك أن المواطن العربي والمسلم هو الذي عانى أكثر من غيره من الحد من حرياته بعد أحداث 11 سبتمبر، سواء فوق ترابه الوطني او كمهاجر في بلدان الغربة. فقد أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية اكثر من 1200 مشتبه فيهم، غالبيتهم من اصل عربي او مسلم.

وقد أبدت العديد من المنظمات العربية الأمريكية قلقا من المضايقات التي يتعرض لها المواطن من أصل عربي، سواء على أيدي أجهزة الدولة او من خلال معاملة الأمريكيين. ونفس الشيء يلاحظ بشكل متفاوت في العديد من دول العالم التي شددت إجراءات الهجرة واستهدفت بالدرجة الأولى العرب والمسلمين.


كما أن المواطن العربي او المسلم يعاني أيضا حسب تقديرات اللجنة العربية لحقوق الإنسان، من تراجع التزام الدول العربية والإسلامية باحترام معايير حقوق الإنسان في غمرة محاربة الإرهاب. ويكفي إلقاء نظرة على تقرير منظمة هومان رايت ووتش الامريكية لمعرفة هذه الدول.


وأمام هذه الحصيلة بعد عام من أحداث 11 سبتمبر، تتساءل منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان عن الاتجاه الذي ستتخذه لجنة حقوق الإنسان في دورتها القادمة إذا ما استمر شبه الإجماع هذا على تقديم محاربة الإرهاب على معايير احترام حقوق الإنسان، خصوصا وان الولايات المتحدة الأمريكية ستستعيد في اللجنة مقعدها الذي فقدته في الدورة السابقة.

محمد شريف- سويس إنفو- جنيف

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية