مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المبادرة المغربية حركت مياها راكدة..

جنود صحرايون يقفون إلى جوار آليات عسكرية وناقلات جنود مصفحة قرب تيفاريتي المحاذية للحدود الجزائرية (تاريخ الصورة: 7 نوفمبر 2006) Keystone

كانت العاصمة الإيطالية روما، المحطة الأخيرة لوفد مغربي رفيع جال عشرات العواصم الأوروبية والأمريكية والعربية والإفريقية، لشرح الخطوط العريضة لمبادرة مغربية لم تكتمل لحل نزاع الصحراء الغربية.

وإلى حد الساعة، ترفض السلطات الرسمية الكشف عن هذه المبادرة أو تفاصيلها وتكتفي بالإشارة إلى أنها تتمحور حول منح الصحراء الغربية، المتنازع عليها، نظام الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

الوفد المغربي الذي زار روما يوم الثلاثاء 27 مارس وقام بالجولة الماراثونية تكوّن من شكيب بن موسى، وزير الداخلية والطيب الفاسي الفهري، وزير الشؤون الخارجية وفؤاد عالي الهمة، الوزير في الداخلية ومحمد ياسين المنصوري، مدير مديرية الدراسات والأبحاث (المخابرات)، وهو وعالي الهمة من أصدقاء العاهل المغربي الملك محمد السادس والمعنيِّـين مباشرة بملف نزاع الصحراء الغربية منذ عام 1999.

وشملت الجولة عواصم الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي وعواصم الترويكا الأوروبية وعواصم دول أمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى العواصم العربية، باستثناء الجزائر، التي يعتبرها المغرب طرفا في النزاع لدعمها طموحات جبهة البوليساريو بانفصال الصحراء عن المغرب وإقامة دولة مستقلة عليها، وأيضا لرفض الجزائر للمبادرة فور إعلان المغرب في نوفمبر 2005 عن نيّـته تقديمها.

الرباط، حسب المسؤولين المغاربة، أوفدت كبار مسؤوليها إلى هذه العواصم ليشرحوا الخطوط العريضة لرؤيتهم لتسوية النزاع، وأيضا للاستماع لملاحظات العواصم على ما يُـطرح عليهم والأفكار التي يمكن إضافتها، حتى تستطيع الرباط بعد اختتام جولة موفديها، صياغة رؤية متكاملة تقدّمها للدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي قبل أن يبدأ المجلس مناقشته الدورية لتطورات النزاع الصحراوي على ضوء تقرير يقدمه الأمين العام للأمم المتحدة ويصدر بيانه نصف السنوي الذي يتضمن، عادة، التذكير بقرارات المجلس السابقة، ذات الصلة، وتمديد ولاية قوات الأمم المتحدة المنتشرة في الصحراء الغربية (المينورسو) وحث أطراف النزاع على التعاون مع الأمين العام، إلا إذا كان الأمين العام، وبالتأكيد كبار مجلس الأمن الدولي، يرون في تطور حدث، ما يستوجب إصدار قرار بشأنه أو توصية أو ذكره.

وتأمل الرباط أن يشمل قرار مجلس الأمن، المقرر صدوره نهاية شهر أبريل القادم بشأن الصحراء الغربية، تبنّـي مبادرته ويدعو أطراف النزاع الصحراوي للتفاوض على أساس الحكم الذاتي كإحدى خيارات التسوية السلمية للنزاع.

مواقف متباينة

وإذا كانت هذه الجولة شملت هذا العدد الكبير من العواصم لإقناعها بما تطمح إليه وعلى أمل الحصول على دعمها، فإن عين الرباط تبقى متوجِّـهة أساسا نحو باريس وواشنطن ومدريد، بحكم ما لهذه العواصم الثلاث من دور في النزاع وتسويته، وأيضا لحجم تأثيرها على العواصم الأخرى.

ردود فعل باريس ومدريد وواشنطن تُـجاه المبادرة المغربية تباينت، وإن أجمعت على التعبير عن تقديرها لحركية الرباط ومبادرتها إلي تحريك عملية سلام الصحراء المجمدة.

باريس، حيث استقبل الرئيس جاك شيراك الوفد، وصفت المبادرة بالبنّـاءة ودعت أطراف النزاع إلى التعاون للوصول بالنزاع إلى الحل، فيما قالت مدريد إنها “خطوة لتحريك عملية السلام، إلا أنها سرعان ما شدّدت على أن ذلك رهين بمفاوضات بين الأطراف في إطار الأمم المتحدة وحق الصحراويين في تقرير المصير، أما واشنطن، فتعاملت معها ببُـرود ولم يستقبل الوفد من طرف أي من مسؤوليها الكبار، وقالت إنها “تنتظر التفاصيل التي ستَـرد في الصيغة النهائية” للمبادرة المغربية.

الموفدون المغاربة حرصوا في لقاءاتهم على التأكيد على أن المبادرة انبثقت عن مسلسل مشاورات طويلة وعميقة مع الفاعلين السياسيين ومع سكان الصحراء، وأنها تمنح أفقا ذا مصداقية وواقعية مطابق للشرعية الدولية من أجل تسوية نهائية لهذا النزاع الإقليمي في إطار الأمم المتحدة، وأن المبادرة تضمَـن حق تقرير المصير لسكان الصحراء، لأنها تتضمن استفتاءهم تحت إشراف الأمم المتحدة على المشروع، بعد توافق الأطراف وقرار لمجلس الأمن الدولي بتبنِّـيه.

المراقبون لا يتوقعون أن يذهب مجلس الأمن الدولي في اجتماعاته الدورية حول تطورات نزاع الصحراء، التي تبدأ الأسبوع الأخير من شهر أبريل، إلى حدّ تبنّـي المشروع المغربي، إلا أنه قد يضمن قراره إشارة إلى “توصله بمبادرة مغربية لحل سلمي لنزاع الصحراء الغربية وأنه سيدرس هذا المبادرة”.

وهذه التوقعات تستند إلى التحرك المُـضاد لكل من الجزائر وجبهة البوليساريو، إن كان في لندن أو مدريد أو نيويورك أو واشنطن، وما تملكه الجزائر من أوراق قُـوة، سواء كانت مستمدة من دبلوماسيتها المتحركة دائما أو من مكانتها في العلاقات الدولية (التي كادت أن تتبدّد بسبب أزمتها الداخلية، وقد استطاع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خلال السنوات الماضية استعادتها) أو ما تملكه في سوق الطاقة، وهو السوق المتحكم في القرارات الدولية، من قوة وتأثير ظهر بوضوح على الموقف الإسباني، بعد أن اقترب رئيس الحكومة خوسي لوي ثاباتيرو قليلا من الموقف المغربي، وما تلاه من إعلان الجزائر رفع أسعار الغاز المصدّر واضطرار الملك الإسباني خوان كارلوس في زيارته الأخيرة للجزائر إلى تأكيد ما يرضيها من مواقف تجاه النزاع.

المسيرة لا زالت طويلة

الرباط تعلم ذلك وتعلم أن مسيرة التسوية السلمية للنزاع على أساس الحكم الذاتي لا زالت طويلة ما دامت جبهة البوليساريو ومعها الجزائر ترفضان المبادرة وتتمسّـكان بقرارات مجلس الأمن الدولي، ذات الصلة، والتي تؤكِّـد على حق تقرير الصحراويين باستفتاء يقرِّرون من خلاله مصيرهم في دولة مستقلة أو الاندماج بالمغرب.

في المقابل، تشعر الرباط بالارتياح لأن مبادرتها حرّكت قضية الصحراء الغربية بعد جمود طويل بدأ يشكِّـل إزعاجا حقيقيا لها وأن ردود الفعل التي صدرت عن مختلف الأطراف – وإن كانت لم تؤيد كلها ما يطرحه المغرب – جاءت بلغة دبلوماسية أعربت كلها عن تقديرها لرغبة المغرب بحل سلمي للنزاع الذي دام أكثر من ثلاثين عاما. لذلك تأمل السلطات المغربية أن تسمح ردود الفعل، وبالتالي، التعاطي الإيجابي لمجلس الأمن الدولي في قراره القادم، يفتح آفاق جديدة لاطلاق مفاوضات بين أطراف النزاع يكون مشروع الحكم الذاتي إحدى مكوّناتها.

يمكن القول إن المبادرة المغربية أضافت جديدا حرّكت مياه البركة الساكنة، دون أن تعكِّـر المياه أو تدفع بالمياه خارج البركة ودون أن تخرج المياه المتموّجة بما ألقته الرباط داخل البركة. وهي مياه تموج ومبادرة تتحرك بانتظار ما سيقوم به مجلس الأمن نهاية شهر أبريل بتسكين مؤقت أو دائم، لما ألقته الرباط داخل البركة أو دفعته إلى خارجها والبحث عن محرك جديد، إذا وجد الفاعلون في أطراف النزاع أن الحل لابد وأن يكون قريبا أو إبقاء ما ألقته الرباط ليكون عامل تحريك للبُـركة، دون تغيير في مكوِّناتها أو تعكير لمياهها.

محمود معروف – الرباط

بروكسل (رويترز) – أشاد الاتحاد الأوروبي بجهود المغرب الرامية إلى حل نزاع معلق حول إقليم الصحراء الغربية في وقت متأخر يوم الاثنين 26 فبراير، لكنه لم يصل إلى حد دعم خطة الرباط المثيرة للجدل، التي تقضي بمنح الإقليم حكما ذاتيا.

ويسعى المغرب لحشد الدعم الدولي لخطة، من المقرر عرضها على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلال الأسابيع المقبلة، وأرسل وفدا برئاسة وزير الداخلية شكيب بن موسى لمناقشة الخطة مع ألمانيا، التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي.

وقال بيان صادر عن رئاسة الاتحاد الأوروبي إن وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر “شتاينماير أشاد بالمبادرة لتحقيق تقدم في صراع مجمد منذ سنوات عدة وبإبلاغ الاتحاد الأوروبي بنوايا المغرب”، وأضاف أن الاتحاد الأوروبي سيدرس الخطة باهتمام بالغ، لكنه لم يعلق على محتواها.

وتُـصر الرباط على أن أقصى ما يمكن أن تقدمه هو حكم ذاتي لمنطقة الصحراء الغربية الواقعة في شمال غرب إفريقيا ويقطنها نحو 260 ألفا، لكن حركة الاستقلال في الصحراء الغربية ترفض مقترحاتها.

وسيطر المغرب على الصحراء الغربية عام 1975 بعد انسحاب إسبانيا، القوة الاستعمارية التي كانت تحتلها، زاعما أن له حقوقا في الأراضي الغنية بالفوسفات ومصائد الأسماك، وربما النفط في مياهها الإقليمية.

وتسبب ذلك في حرب عصابات محدودة بين المغرب وجبهة البوليساريو الساعية إلى استقلال الصحراء الغربية انتهت عام 1991، عندما أرسلت الأمم المتحدة قوات لحفظ السلام إلى أن يجري أهالي المنطقة استفتاء لتقرير المصير، لكنه لم ينظم حتى الآن.

ويتّـهم زعماء الجبهة فرنسا على وجه الخصوص بتبنّـي موقف منحاز للمغرب. وفرنسا حليف وثيق للمغرب، لكنها تنفي انحيازها لطرف بعينه في الصراع.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 فبراير 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية