المحكمة الخاصة بلبنان تدين أحد المتهمين الأربعة من حزب الله في اغتيال الحريري

دانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الثلاثاء واحدا من المتهمين الأربعة الأعضاء في حزب الله في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري العام 2005 الذي طبع بتداعياته الكبيرة تاريخ لبنان الحديث.
واعتبرت المحكمة الاغتيال “سياسيا” نفذه “الذين شكل الحريري تهديدا لهم”.
وبعد 13 عاما على تاسيسها وستة أعوام على بدء المحاكمة، دانت المحكمة متهما وحيدا من أربعة غيابيا هو سليم عياش (56 عاما).
وقال رئيس المحكمة القاضي ديفيد راي في ختام حكم استغرقت تلاوته ساعات “تعلن غرفة الدرجة الاولى سليم عياش مذنبا بما لا يرقى إليه الشك بصفته شريكا في ارتكاب عمل إرهابي باستخدام مادة متفجرة، وقتل رفيق الحريري عمدا، وقتل 21 شخصا غيره، ومحاولة قتل 226 شخصا”، هم الجرحى الذين أصيبوا في الانفجار المروع الذي وقع في 14 شباط/فبراير 2005.
وأضاف القاضي أن المتهمين الآخرين حسن مرعي وحسين عنيسي وأسد صبرا “غير مذنبين في ما يتعلق بجميع التهم المسندة اليهم”.
واعتبر رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، نجل رفيق الحريري، الذي حضر جلسة الحكم، أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان كشفت “الحقيقة”، معلناً “قبول” الحكم، ومطالبا ب”تنفيذ العدالة”.
وأضاف “المحكمة حكمت ونحن باسم عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وباسم عائلات الشهداء والضحايا نقبل حكم المحكمة”، مضيفاً “عرفنا الحقيقة اليوم جميعاً وتبقى العدالة التي نريد أن تنفّذ مهما طال الزمن”.
وأضاف “صار واضحا اليوم أن شبكة تنفيذ الجريمة من صفوف حزب الله (…). المطلوب من حزب الله أن يضحي اليوم”، مؤكدا “لن نستكين حتى يُنفذ القصاص”.
وقتل الحريري في تفجير نفذه انتحاري استهدف موكبه مقابل فندق سان جورج العريق في وسط بيروت. واستخدم في الانفجار، بحسب المحكمة، “ما يوازي 2500 الى 3000 كيلوغرام من مادة تي ان تي”، مع تضمن المتفجرات مادة “أر دي أكس” الشديدة الانفجار. ولم تتمكن المحكمة من الكشف عن هوية الانتحاري.
وقالت المحكمة في قرارها إن “الاغتيال عمل سياسي كان القصد منه نشر الذعر”، و”أداره هؤلاء الذين شكل الحريري تهديدا لهم”.
وذكرت أن لسوريا وحزب الله “دوافع ربما لاغتيال” الحريري، “لكن ليس هناك دليل على أن قيادة حزب الله كان لها دور في الاغتيال”، و”ليس هناك دليل مباشر على ضلوع سوريا في الأمر”.
وفي سردها للوقائع وتفاصيل الحكم، قالت “لا شك أن الذين تآمروا لاغتيال الحريري قرروا قتله في حال واصل مساره بالابتعاد عن سوريا”، مشيرة الى أن قرار الاغتيال “اتخذ على الأرجح في مطلع شباط /فبراير” بعد اجتماع للمعارضة المناهضة لسوريا كان يدعمه الحريري.
وتسبب اغتيال الحريري بنقمة شعبية دفعت الى خروج القوات السورية من لبنان بعد 30 عاماً من الوصاية الأمنية والسياسية لدمشق.
– “أدلة الاتصالات” –
تأسست المحكمة بموجب مرسوم صادر عن الأمم المتحدة. واستمعت الى 300 شاهد وفحصت أكثر من ثلاثة آلاف دليل. لكنها اعتبرت أنه لا توجد أدلة كافية لإدانة المتهمين الثلاثة الآخرين.
وحوكم عنيسي (46 عاماً) وصبرا (43 عاماً) بتهمة تسجيل شريط فيديو مزيف بثته قناة “الجزيرة” يدعي المسؤولية عن الاغتيال باسم جماعة وهمية. ووُجهت لمرعي (54 عاماً) اتهامات بالتورط في العملية.
وقال محامي الدفاع عن عنيسي لدى خروجه من المحكمة “كان واضحا بالنسبة لنا منذ البداية أن هذا الملف ليس متينا”، مضيفا أنه يشعر ب”السعادة” لموكله، لكنه يأسف لمئات ملايين الدولارات التي دفعت لتمويل المحكمة من أجل “ملف فارغ”.
وكلفت المحكمة منذ تأسيسها 600 مليون دولار، دفع لبنان الغارق في أزمة اقتصادية، جزءاً منها.
وقالت المحكمة في قرارها إن هواتف نقالة استخدمها المشتبه بهم أتاحت تحديد الرابط بينهم وبين عملية الاغتيال.
وأضافت “ارتكزت القضية على أدلة الاتصالات ولو أن هذه الأدلة لم تكن، لم تكن هناك قضية”.
وخلصت الى أن هذه الهواتف “استخدمت لمراقبة السيد الحريري وأن جزءا من الاتصالات كان أعمالا تحضيرية لاغتياله”.
ولم يعلّق حزب الله حتى الآن على الحكم. وكان رفض تسليم المتهمين. ولطالما نفى الاتهامات مؤكداً عدم اعترافه بالمحكمة التي يعتبرها “مسيسة”.
وقال الأمين العام للحزب حسن نصرلله الجمعة إن حزبه سيتعامل مع القرار الذي ستصدره المحكمة الدولية بحق المتهمين الأربعة من عناصره “وكأنه لم يصدر”.
وقال الرئيس اللبناني ميشال عون تعليقا على الحكم إن “تحقيق العدالة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه يتجاوب مع رغبة الجميع في كشف ملابسات هذه الجريمة البشعة التي هددت الاستقرار والسلم الأهلي في لبنان، وطاولت شخصية وطنية لها محبوها وجمهورها ومشروعها الوطني”.
ورأت وزارة الخارجية السعودية في الحكم القضائي “ظهوراً للحقيقة وبدايةً لتحقيق العدالة بملاحقة المتورطين وضبطهم ومعاقبتهم”، داعية “لتحقيق العدالة ومعاقبة حزب الله وعناصره الإرهابية”.
– متهم خامس –
وكان هناك متهم خامس في القضية هو مصطفى بدر الدين، القيادي العسكري في حزب الله الذي قتل في سوريا عام 2016. وقالت المحكمة إن “بدر الدين كانت لديه النية وشارك في مؤامرة” الاغتيال، لكنها لم تحاكمه لأنه مات. إلا أنها ذكرت أنها لم تتوصل الى “أدلة مقنعة بأنه العقل المدبر” للعملية كما قال الادعاء.
وتقتصر المعلومات عن المتهمين الأربعة الآخرين على ما قدمته المحكمة الدولية. ولا يُعرف شيء عن مكان وجودهم.
ويواجه المتهم المدان احتمال السجن المؤبد. وستعقد جلسة أخرى لتحديد العقوبة في حقه.
ويحق للادعاء والمدان استئناف الحكم أو العقوبة.
وتسبب اغتيال الحريري بنقمة شعبية دفعت الى خروج القوات السورية من لبنان بعد 30 عاماً من الوصاية الأمنية والسياسية لدمشق.
ويأتي الحكم بعد أسبوعين على الانفجار الذي دمر مرفأ بيروت وأحياء كاملة من العاصمة اللبنانية. وكانت المحكمة أعلنت إثر الكارثة التي تسببت بسقوط ما لا يقل عن 177 قتيلا وأكثر من 6500 جريح، إرجاء إصدار حكمها الذي كان مقررا في السابع من آب/أغسطس.