مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

النشاط الجماهيري في مصر: أي تنسيق؟

أنصار "الحملة الشعبية من أجل التغيير" نزلوا إلى شوارع القاهرة يوم 22 يونيو الماضي مرددين شعارات مناهضة لاستمرار الرئيس حسني مبارك في الحكم Keystone

من التطورات السياسية الجماهيرية في مصر، الإعلان الرسمي عن تشكيل التجمع الوطني للتحول الديمقراطي الذي يضم قائمة طويلة من الناشطين السياسيين والمثقفين ووزراء سابقين.

وقبل فترة قصيرة، دعت حركة الإخوان المسلمين لتأسيس تحالف وطني من أجل الإصلاح والتغيير. فهل من تنسيق حقيقي للنشاط الجماهيري في مصر؟

سبق الإعلان الرسمي عن تشكيل التجمع الوطني للتحول الديمقراطي، دعوة حركة الإخوان المسلمين لتأسيس تحالف وطني من أجل الإصلاح والتغيير، ولمنع إعادة ترشيح الرئيس مبارك، وتجمع جديد لطالبات الجامعة الأمريكية من أجل الإصلاح، وحركة الأمهات المصريات، وجماعة “صحفيون من أجل التغيير”، وبالطبع سبقتهم جميعا في أغسطس 2004 الحركة الأشهر، وهي الحركة المصرية للتغيير صاحبة الشعار الشهير “كفاية”، والتي تبدأ معها فعليا محاولات تنظيم الناس العادية، وحثهم على التظاهر ورفع المطالب وممارسة الضغط السياسي والمعنوي.

تعطش للعمل السياسي

وتعني هذه الحركات من جانب، أن هناك حالة تعطش حقيقية لدى الناشطين بأنواعهم للتجمع وتنسيق الجهود والدفع إلى التغيير، وإلى المحاسبة وتأكيد دور النخبة المثقفة في إحداث هزة فكرية وسياسية لا مناص منها، إذا قيض للبلد أن يخطو على الطريق الديميقراطي بحق.

وتعكس من جانب آخر، سمة قد لا يلاحظها كثيرون، وهي ببساطة أن هناك ثغرة قد فتحت بالفعل في حالة الجمود السياسي التي سادت لفترة طويلة سابقة، بفعل متغيرات عديدة، بعضها داخلي محض، والآخر خارجي لا يمكن إنكاره. وهي ثغرة استغلها المثقفون بحذاقة وحنكة للخروج من دائرة العمل المحدود إلى العمل الأوسع والمعلن والمستهدف تحفيز المواطنين إلى التعبير عن أنفسهم، ونزع الخوف عن دواخلهم المكبوتة.

بيد أن المفارقة الأكبر، أن هذه التجمعات تشكلت جميعها في أقل من عام واحد، وكلها تنادي بالتغيير والإصلاح، وتعديل القوانين وإفساح المجال لمحاسبة المفسدين، وهو أمر جيد في حد ذاته. بينما تظل الأحزاب القانونية، خاصة المعارضة منها، حبيسة وضعها القانوني الذي يجعل منها أحزابا محصورة في مقراتها ومحدودة الصِّـلات بما يجري في الشارع.

وبينما تقوم الحكومة والحزب الوطني الحاكم بعملية تغيير في عدد من القوانين المنظمة للحياة السياسية بطريقة محسوبة بدقة متناهية، وحتى تبقى سطوة الدولة موجودة دون منازع، يتطلع الجميع إلى المواطنين العاديين، متسائلين عن مدى قدرة هذه التجمعات النخبوية أساسا، والتي تعلن عن نفسها بين حين وآخر، في جذب هؤلاء المواطنين البسطاء وجعلهم محركا حقيقيا للإصلاح والتغيير المنشود؟

تساؤل وجيه

هذا التساؤل عن قدرة التجمعات السياسية الجديدة التي يشكلها خليط من الناشطين السياسيين والمثقفين ورموز فكرية وفنية، وأساتذة الجامعات وصحفيين ورجال أعمال ووزراء سابقين، له وجاهته من حيث أن هؤلاء يشكلون النخبة بمعناها العام، أي القادرين على الحركة السياسية بحكم الثقافة والمعرفة والاحتكاك مع الغير، في حين أن المطلوب هو جذب المواطن العادي بعد شحذ همته وتوظيف غضبه أو استيائه أو نزوعه نحو تحسين حياته أو رغبته الفطرية في التغيير، أو هذه العوامل معا لكي يشكل الضاغط الأكبر للتغيير والإصلاح.

فبدون حركة جماهيرية عريضة، تصبح حركة النخبة محصورة في إطار ضيق، وربما تؤتي ثمارها على المدى البعيد جدا، ولكن بالقطع ليس على المدى المباشر إذا اقتصرت على نخبويتها وحسب. والمعلن أن نزوع وتطلع هذه التجمعات هو تحقيق التأثير المباشر وليس المؤجل.

ولما كان المواطن العادي منهك القوى ومشتت الذهن والحركة، وأولوياته تنحصر في تأمين قوت يومه، وقبل ذلك تمت تنشئته على كراهية السياسة وعدم الاعتداد بها، وإلا ناله غضب السلطة والسلطان، فضلا عما لديه من عدم ثقة في الأحزاب القائمة، نظرا لعدم فائدتها بالنسبة له. فمن ثم تتبلور المشكلة الأبرز التي تواجه التجمعات السياسية الجديدة في إزالة هذا الحائط الفاصل بين المواطن وبين العمل السياسي نفسه بأشكاله المختلفة.

أساليب جذب براقة

المشكلة على هذا النحو يُـدركها العديد من الناشطين النخبويين في العمل السياسي، ومن هنا جاءت أساليب الجذب ممثلة في الشعارات البراقة والبسيطة والمؤثرة في النفسية الجماعية، ومحاولة كل تجمع حشد أكبر عدد ممكن من رموز الفن والصحافة والإعلام ليكونوا بدورهم نقطة جذب للجماهير العادية. ولكن، يلاحظ أن بعض هذه التجمعات تحشد رموزا وزارية وسياسية لها تاريخها المحترم من جانب، ولا تعرف عنه الأجيال الجديدة شيئا، أو لنَقُل تعرف القليل جدا عنها في أحسن الأحوال من جانب آخر.

ومن ملاحظة تحركات العديد من التجمعات التي تشكلت في غضون العام، وبعد الكثير من المظاهرات المتنوعة والمؤتمرات والبيانات والتصريحات الصاخبة، فإن الأمر يبدو بحاجة إلى المزيد من الجُـهد السياسي وابتداع أساليب جديدة لكسر حائط الصد الفاصل بين المواطن العادي والعمل السياسي.

جذب هؤلاء البسطاء إلى أتون السياسة والمشاركة الفعالة والتحول الديمقراطي لا يعد التحدي الوحيد أمام تجمعات المثقفين والناشطين سياسيا، بل أيضا يعد التنسيق بين بعضها البعض تحديا أكبر. وحتى اللحظة، يمكن القول أن ثمة ترحيبا يُـبديه كل تجمع بما قد يتشكل لاحقا من تجمعات جديدة.

في انتظار التنسيق الحقيقي..

لكن التنسيق وتجميع الجهود، وتحديد مجالات عمل لكل منها يبدو غير متحقق بعد، ربما لحداثة التجربة نفسها، وأيضا لوجود تنوع في الآليات التي يركز عليها كل تجمع.

فحركة “كفاية” على سبيل المثال، ركّـزت في شهورها العشرة الماضية على ابتداع الشعارات البسيطة والمعبّـرة، والتظاهر في الميادين والشوارع وأمام بعض المؤسسات السياسية. وكان في خلفية تحركها هدف الظهور الإعلامي المكثف، لاسيما الفضائي العربي والأجنبي، والاستفادة، ولو بطريق غير مباشر، بما يموج في البيئة الدولية والإقليمية من ضغوط واهتمام مكثف بقضية التغيير والحريات السياسية في مصر.

أما التجمع الوطني للتحول الديمقراطي، صاحب شعار ضد الفساد والاستبداد، وهو الأحدث زمنيا، فسوف يركز، حسب قياداته، على تقديم الأفكار المُحفزة للتغيير والإصلاح، ولن ينزل إلى الشارع ككفاية، وسيكون هدفه وضع تصورات وبدائل للسياسات، وهي أعمال نخبوية بامتياز ويمكن إنجازها بأقل دعاية ممكنة.

ومن أبرز ما انتهى إليه هذا التجمع، تشكيل لجنة من فقهاء القانون الدستوري لصياغة دستور جديد يستخلص من دساتير أعوام 23 و56 و1971، وكذلك دساتير العالم الأخرى، وبحيث يساعد على تداول السلطة إذا ما تمكّـن الشعب المصري من التخلص من الديكتاتورية في الانتخابات المقبلة، حسب قول رئيس التجمع د. عزيز صدقي، وزير الصناعة الأسبق والأشهر في الزمن الناصري.

وما بين التركيز على التظاهرات وحث الناس البسيطة على المشاركة ورفع الصوت والتخلص من عقدة الخوف، وبين الاقتصار على أنشطة ذات طابع فكري محض، يلاحظ المراقب المدقق أن بعض الأعضاء الذين يشاركون في أكثر من تجمع في الوقت نفسه، تبدو عيونهم على كاميرات الإعلام من جهة، والانتخابات البرلمانية المقبلة من جهة أخرى.

ويلاحظ أيضا أن كثرة التجمعات المُشكّـلة، والتنازع فيما بينها على نفس النخبة الناشطة، سياسيا وثقافيا تقريبا، تجعلها أقرب إلى إفشال مهمتها من تحقيق أهدافها المعلنة. فيما يظل البحث عن التنسيق الحقيقى بين هذه التجمعات الجماهيرية مطلبا مهما، ولكن دون مؤشرات عملية محددة، على الأقل في الوقت الحاضر.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية