مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الهجرة المعاكسة تثير القلق في إسرائيل

تعتبر البطالة وارتفاع نسب الضرائب والمهددات الأمنية أهم الأسباب الكامنة وراء ظاهرة الهجرة السلبية من إسرائيل Keystone

أشارت آخر التقديرات إلى مغادرة 25 ألف إسرائيلي للدولة العبرية في عام 2005 معظمهم من اليهود وتحديدا من "القادمين الجدد" من "جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق"، وبحسب مُـعطيات في وزارة الداخلية، فإن 775 إسرائيلي تقدّموا بطلبات للتنازل عن جنسيتهم الإسرائيلية.

وفيما ظل القدوم من الشتات إلى إسرائيل “حجر الزاوية” في الحلم الصهيوني، إلا أن ظاهرة المغادرة شكّـلت دائما كابوسا للمشروع الصهيوني ولاستمراره ولمستقبله.

“القدوم إلى إسرائيل كان طِـوال الوقت المركب الأساسي، في الحلم الصهيوني”، هكذا كتبت نيلي، وهي طالبة في الجامعة العبرية في القدس، تدرس للحصول على الماجستير في العلوم الاجتماعية، في مقدِّمة وظيفة أكاديمية في محاولة لشرح ظاهرة الهجرة من إسرائيل، حسب نظرية عالِـم الاجتماع الأوروبي دوركهايم، من خلال تعريف هذه الهجرة كتصرف اجتماعي شاذ خارج عن إطار المفاهيم والقِـيم المُـجتمعية وبِـنية المجتمع ودور المجموعات والإفراد داخله.

“ظاهرة المغادرة شكّـلت دائما كابوسا للمشروع الصهيوني ولاستمراره ولمستقبله، وضربة لمناعته الديمغرافية”، واصلت نيلي في المقدمة “استعمال قدوم، وفي وصف الهجرة اليهودية إلى إسرائيل وكلمة المغادرة، في وصف الهجرة اليهودية من إسرائيل تعكِـس البُـعد الرمزي لهذا الموضوع في التجربة الإسرائيلية”.

موضوع مقلق

فالكلمة العِـبرية “عاليياه”، التي تُـستخدم في السياق الإسرائيلي عند الحديث عن هجرة يهودية إلى إسرائيل، تترجم بالعربية إلى “قدوم”، وحسب القاموس، فالكلمة يمكن أن تُـترجم أيضا إلى العربية بـ “صعود”، في حين فإن كلمة “يريداه” لوصف الهجرة العكسية لليهود من إسرائيل، تعني “المغادرة” أو “النزول” من إسرائيل.

تعاطت نيلي ربّـما مع ظاهرة الهجرة اليهودية من إسرائيل، وفق مصطلحات الإجماع القومي العام في إسرائيل، على الرغم من أن الحديث، هو عبارة عن جهدٍ أكاديمي بأدوات بحثية، غير أن الموضوع المُـلفت للنظر في الآونة الأخيرة هو الظاهرة، وليس المصطلحات المربوطة بها.

فبحسب التقديرات في إسرائيل فقد “غادر إسرائيل عام 2005 خمسة وعشرين ألف إسرائيلي، معظمهم من اليهود وتحديدا من “القادمين الجدد” من “جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق”، وبحسب مُـعطيات في وزارة الداخلية الإسرائيلية، فإن 775 إسرائيلي تقدّموا بطلبات للتنازل عن جنسيتهم الإسرائيلية.

الموضوع في إسرائيل بدا مُـقلقا، خصوصا عند الحديث عن ظاهرة الهجرة العكسية في أوساط “القادمين الروس الجدد”.. المعطيات كما طرحت في اجتماع خاص للجنة “القدوم والاستيعاب”، التابعة للكنيست، تتحدث عن أن نِـسبة الهجرة داخل هذه المجموعة أكبر بخمس مرّات عن نِـسبة الهجرة العكسية بين المجموعات الأخرى في إسرائيل، آلاف الطلاّب الثانويين سافروا إلى روسيا وأوكرانيا لامتحان لشهادة الثانوية العامة، والآلاف الأخرى سافرت للدراسة الجامعية هناك، وفي الأغلب، لن يعودوا.

وِفق المُـعطيات التي طرحت أمام اللجنة، تنبع الأسباب الرئيسية للهجرة المعاكسة في الأساس من أسباب اقتصادية، كالبطالة وغلاء المعيشة ونسب الضرائب العالية في إسرائيل (في إسرائيل تصل نسب ضريبة الدخل إلى 49% من المعاش، ففي حين تصل في روسيا إلى 13%) وهناك عامل إضافي للهجرة، نابع من رغبة الطلاب الجامعيين والباحثين الأكاديميين في استكمال دراستهم وأبحاثهم في بيئة تهيئ ظروف بحث ودراسة أفضل، مما يمكن أن يحصلوا عليه في إسرائيل.

ظاهرة “هجرة العقول”

في أحدث بحث إسرائيلي عن الموضوع، نُـشر في مايو 2006، قام به اريك غواد وعمر مواب، من كلية الاقتصاد في الجامعة العِـبرية في القدس، اتضح أن إسرائيل تُـواجه في السنوات الأخيرة ما يُـسمّـى بظاهرة “هجرة العقول”، ووفق معطيات البحث، فإن 2.6% من مُـجمل اليهود المتزوِّجين والمتعلمين ما بين سن 25 عاما إلى 40 عاما يعدُون “مغادرين”، وفق لجنة الإحصاء المركزية في إسرائيل، مقابل 1.1% من المتعلِّـمين ذوي الثقافة المحدودة.

ومرة أخرى، فالظاهرة تبدو أشد حدّة في أوساط المهاجرين الجُـدد. ففي نفس الشريحة، الأجيال المتعلمة بينهم تصل نسبة الهجرة إلى 4.65% وسط ذوي التعليم المحدود إلى 2%، والاستنتاج الأساسي في التقرير يقول، إن إسرائيل تدفع ثمنا باهظا لسياساتها الاقتصادية والاجتماعية من خلال فقدان “أفضل أبنائها”، على حد تعبير مُـعدي البحث.

فالهجرة في أوساط ما تُـعد المصادر البشرية للتكنولوجيا المتطورة والبحث، هي الأكبر والأخطر إسرائيليا، فنسبة الهجرة وسط السِّـلك الأكاديمي الكبير من حمَـلة شهادات “البروفيسوراة”، يصل إلى %6.55، يتبعهم الأطباء بنسبة 4.8% والمهندسون والباحثون بـ 3%، ووجد معدا البحث أن نسبة الهجرة تسير بشكل طردي مع ارتفاع سنوات التعليم.

وحسب معطيات لجنة الإحصاء المركزية في إسرائيل، هناك 750 ألف إسرائيلي يعيشون خارج إسرائيل، والجزء الأكبر في الولايات المتحدة وكندا أي أن ما يعد 12.5% من مجمل اليهود في إسرائيل يعيشون اليوم في أمريكا الشمالية.

نوع من الأبارتايد

في الجانب الفلسطيني وأيضا في بعض الأوساط في إسرائيل، هناك تشكيك في دقّـة معلومات هذه اللجنة، حيث أن هذه المعطيات يجب أن تبقى سرية، خصوصا وأن أحد أهم الجوانب، الحرب المستمرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هو الموضوع الديموغرافي، وحقيقة عدد الفلسطينيين والإسرائيليين في البقعة الممتدة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، من الممكن أن تؤثر على طبيعة أية تسوية سياسية بين الطرفين أو على تغيير شكل الصِّـراع بينهم، خصوصا بعد خطّـة الانفصال الإسرائيلية أحادية الجانب من قطاع غزة، والتي عزا المراقبون أسبابها إلى العامل الديمغرافي ورغبة النخب الإسرائيلية في الحفاظ على إسرائيل كدولة ذات طابع يهودي صرف والانفصال عن مناطق ذات كثافة سكانية عربية عالية.

ووفق بعض المصادر العربية المطّـلعة، التي تحدثت لسويس انفو، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي قد فحص مع بعض الأطراف العربية عدة سيناريوهات محتملة لاتفاق سلام مع الفلسطينيين، بتكليف من رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق ارييل شارون، عندما شغل اولمرت منصب القائم بأعماله، وأن أحد السيناريوهات التي تم تداولها، تتحدث عن نقل منطقة المثلث الواقعة بالقُـرب من الخط الأخضر في الجزء الأوسط منه، وهي إحدى ثلاث مناطق يعيش فيها الفلسطينيون من حمَـلة الجنسيات الإسرائيلية، بالإضافة إلى منطقتي النقب والجليل.

ففي اللّـحظة التي سيزيد فيها عدد الفلسطينيين، فيما يسمّـى فلسطينيا بأرض “فلسطين التاريخية”، وفي إسرائيل بـ “أرض إسرائيل الكُـبرى” عن عدد اليهود، فسيتحول شكل الصِّـراع إلى نوع من أنواع الأبارتايد، تستغل فيه أقلية ديموغرافية تفوّقها العسكري وسيطرتها على الموارد، لتحكم الأكثرية في نفس المنطقة بمنطلقات عُـنصرية مبنية على أساس الانتماء القومي أو الديني.

حالات ضغط وتوتر

من هنا، يبدو مصدر القلق الأساسي من ظاهرة الهِـجرة العكسية لليهود في إسرائيل، خصوصا وأن المُـعطيات الإسرائيلية تُـشير إلى أن المهاجرين من إسرائيل في ازدياد.

فبحسب نفس البحث، فقد ترك إسرائيل ما عدَده تسعة عشر ألف إسرائيلي سنويا في الأعوام ما بين 2002 و2003 و2004، في حين ارتفع هذا العدد إلى 25000 شخص عام 2005.

الحرب الأخيرة على لبنان زادت أيضا من عدد الراغبين في ترك إسرائيل. فبحسب مسؤول الوِحدة للهجرة والاستيعاب في مركز الحكم المحلي في إسرائيل ميخائيل جنكر، فهذه الحرب زادت من عدد المتقدّمين بطلبات لمغادرة إسرائيل، هذه المعطيات تشير إلى ارتفاع حالات الضغط والتوتر وسط الجمهور الإسرائيلي مع تركيز أكبر على “أوساط القادمين الجدد”.

وفق جنكر، الحرب “أدّت إلى زيادة الشعور بانعدام الأمن الشخصي والعام والى خيبة أمل قوية من كيفية تصرف الدولة على الصعيدين، السياسي والعسكري”.

أوساط إسرائيلية أخرى ربطت هذه الزيادة بحالات الفساد المتزايدة في أوساط النُّـخب السياسية الحاكمة في إسرائيل، ابتداءً من رئيس الدولة ووزير عدل سابق متورّطان بفضائح جنسية، إلى رئيس حكومة وطاقم مكتبه متّـهمين بقضايا سرقة واختلاس ومحسوبيات، بالإضافة إلى وزير المالية، الذي اضطر إلى ترك منصبه إلى حين الانتهاء من التحقيقات الجارية معه، بتُـهمة التلاعب بالأموال العامة وبالسرقة.

“انتهى عهد الصهيونية كدين مجمع”

بالنسبة للعديد من علماء الاجتماع وأساتذة الفلسفة في الجامعات الإسرائيلية فإن “الصهيونية كدِين مجمع للإسرائيليين انتهت”.. “النظرية الصهيونية والقيم المرتبطة بها، التي شكلت الصمغ للمجتمع الإسرائيلي تحديدا في سنواته الأولى، لم تعد كذلك”.. “الرغبة بالتشبه بالقيم الاجتماعية والسياسية الأمريكية باتت الأمر الأساسي المشترك بين الإسرائيليين”.. “عصر العقائدية والايديولوجيا تراجع أيضا في إسرائيل لصالح القِـيم الفردية لصالح الخاص على حساب العام، مع بقاء الشروخ الاجتماعية المهدّدة للهوية الإسرائيلية العامة على حالها وسط استمرار التقاطب بين المتديِّـنين والعِـلمانيين والشرقيين والغربيين، وازدياد التقاطب الطبقي واستمرار الصراع مع الفلسطينيين مع النقاش الحاد، الذي يخلقه بين اليسار واليمين، ووجود أقلية فلسطينية داخل إسرائيل تشكَّـل للبعض منهم تهديدا استراتيجيا”.

قلق نيلي سيرافقها على الأغلب بعد إنهاء تحصيلها الأكاديمي، ولكن وفق هذه الدراسات، فإن استمرار نيلي ببناء سيرة ذاتية أكاديمية ورغبتها في التعليم، سيجعلها جُـزءا من المُـعطيات الإحصائية، التي تزيد من احتمالية تحوّلها إلى “مغادرة” أي إلى مهاجرة محتملة من إسرائيل.

قاسم خطيب – القدس

5،671،000 الولايات المتحدة الأمريكية
5،300،000 إسرائيل
2،000،000 أوروبا
600،000 فرنسا
400،000 الاتحاد السوفييتي
267،000 المملكة المتحدة
100،000 ألمانيا
60،000 اسبانيا
30،000 تركيا
371،000 كندا
250،000 الأرجنتين
130،000 البرازيل
106،000 جنوب أفريقيا
100،000 أستراليا
50،000 آسيا بدون إسرائيل
11،000 إيران
40،000 المكسيك

(المصدر: موسوعة ويكيبيديا)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية