مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الوجه الآخر لحقوق الإنسان

سبعة من كل عشرة أطفال يعيشون في مدينة كاروبا بإقليم ميسيونيس في الأرجنتين يعانون من نقص تغذية Keystone

"حقوق الإنسان تتعلق من جانب بالانتهاكات، لكنها في نفس الوقت رؤية لحياة كريمة".

تلك الرؤية للحياة الإنسانية الكريمة ضمّنها القانوني السويسري البارز فالتر كالين في كتاب موسوعي عن حقوق الإنسان … ولكن من منظور شامل.

“الأشخاص الذين لا تتعرض حياتهم أو حريتهم إلى التهديد، الذين يستمتعون بحياتهم الأسرية، القادرون على التعبير عن أنفسهم، الذين تُحترم معتقداتهم، والذين يحوزون على مستوى من المعيشة يتلاءم مع الاحتياجات الإنسانية، هؤلاء يعيشون حياة كريمة، أي حياة حرية وكرامة”.

ملامح تلك الحياة الكريمة شكلت مضمون رؤية شاملة لحقوق الإنسان في كتاب جديد للقانوني السويسري وممثل الأمين العام للأمم المتحدة لحقوق المرحلين داخلياً فالتر كالين، بالتعاون مع الكاتبين لارس موللر وجوديث فيتينباخ.

أما الهدف من إصدار الكتاب فكان بالتحديد تقديم تلك “الرؤية الشاملة” لمفهومٍ لازالت الكثير من الدول تتعامل معه من منطلق شكلي يبتعد عن الجوهر بمسافات.

“كانت هذه هي الفكرة منذ البداية: أي إظهار شمولية حقوق الإنسان. لأن الناس عندما تتحدث عن حقوق الإنسان فإنها تعني عادة جرائم الإبادة والتعذيب. لكن حقوق الإنسان هي عما هو أكثر من ذلك بكثير، عن الحق في الغذاء، الصحة، السكن، والحق في الحياة الخاصة”، على حد قول البروفيسور كالين في حديثه مع سويس انفو.

كلمات وصور..

استعرض الكتاب، الذي مولته وزارة الخارجية السويسرية إضافة إلى مؤسسات سويسرية مستقلة، الأوجه المتعددة لموضوعه في صفحاته الـ 720 … بالكلمات والصور.

تمثلت الكلمات في بحوث أكاديمية، وتقارير صحفية، ولمحات عن سير ذاتية لعاملين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، وكلها تدور في فلك متكامل للمفهوم.

أما الصور فقد عبر بعضها عن المضمون المنشود من خلال تسجيله لانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، بأشكالها المعيشية والبيئية والحقوقية البشعة، في حين سجل البعض الأخر لصور الحياة الإنسانية الكريمة، تلك التي تُظهر “ما تعنيه حقوق الإنسان عندما يتم تطبيقها كاملة، ويعايشها الناس واقعاً في حياتهم”، كما يوضح البروفيسور كالين.

نموذج متكامل لحقوق الإنسان

أعتبر كالين أن الكتاب قدم “صورة شاملة للجدل الدائر حول حقوق الإنسان”. لكن الكتاب قدم ما هو أكثر من ذلك. فقد تمكن بشكل مبسط ومباشر من تقديم نموذج لجوانب الحياة الإنسانية في ارتباطها بحماية حقوق الإنسان.

كان النموذج حلزونياًً، جوهره الحق في الوجود الإنساني – أي الحق في الحياة.

أما أركانه المتنوعة فقد توالى طرحها بأسلوب بدا متعمداً، هدفه إظهار أن كل منها يؤسس أرضية لما بعدها. وكأن الكتاب بذلك أراد بناء نموذج له أعمدة صلبة، يجد فيه الإنسان، بغض النظر عن لونه أو جنسه أو ديانته أو هويته القومية، وطناً.

تلك الأركان جاءت متسلسلة كالتالي: هوية الشخص الإنساني – أي حظر التمييز؛ والمجال الشخصي – أي حماية الحياة الشخصية؛ والحياة الفكرية والروحية – أي حرية التفكير والاعتقاد والحق في التعليم؛ والحياة الاقتصادية – أي الحق في العمل وحماية الملكية الخاصة؛ والمشاركة السياسية – أي الحقوق السياسية وحرية التعبير؛ والتهجير والهروب والنفي – أي حقوق اللاجئين والمرحلين داخلياً.

ولكي يكون النموذج مكتملاً حدد الكتاب أرضيته بعنصرين: توفير مستوى ملائم للحياة – أي الحق في الغذاء والصحة و السكن؛ والمحاكمة العادلة وحظر التعذيب – وكلاهما يدخلان في نطاق المهام الأساسية للدولة.

لا مفر من الدولة

دور الدولة حظي باهتمام كبير في الكتاب، فكما يقول البروفيسور كالين في مقال بعنوان “ما هي حقوق الإنسان”، إن “احتكار الدولة للقوة تتضمن في ذاتها ازدواجية جوهرية: فهي من جانب ضرورية، كي نستطيع أن نعيش في سلام وأمان ولا نتعرض إلى التدخل الاعتباطي أو الفوضوي من الأعضاء الأقوى في المجتمع. ومن جانب أخر، فإن الخطر دائما موجود أن الدولة ستسيء استخدام هذه القوة ضد مواطنيها”.

حقوق الإنسان كانت لذلك ضرورية لمواجهة هذا الخطر، فهي توفر “الأداة الرئيسية لتقييد سلطة الدولة، وتخفيف تهديدها المحتمل للإفراد”، وهي “أولا وأخيراً نوع من الحماية ضد الدولة”.

غير أن البروفيسور كالين شدد رغم ذلك في حديثه مع سويس إنفو على أهمية مفهوم “سيادة الدولة”.

فهو يقول “هي مهمة لأن الحكومة هي التي تطبق حقوق الإنسان. هم لديهم الأدوات، والقوة، ولقد رأينا ما حدث في كل ‘الدول الفاشلة’ وما يعنيه غياب دولة عاملة ذات سيادة فيها، زعماء الحرب أو أولئك القادرون على إثارة الكراهية العرقية أو الدينية يسيطرون عادة على مقاليد الأمور، أو تعم الفوضى”.

ويكمل قائلاً: “إحدى المهام الأساسية للدول اليوم هو رعاية مواطنيها، بما يتضمنه ذلك من حماية لحقوقهم الإنسانية. لكن السؤال الأكبر هو ماذا نفعل إذا كانت الدولة غير قادرة على أو غير راغبة في احترام وحماية حقوق الإنسان؟”. “هنا”، يكمل البروفيسور كالين، “يأتي دور المجتمع الدولي”.

الولايات المتحدة ونظام حقوق الإنسان

ولكن ألا يظهر ما تفعله الولايات المتحدة في قاعدة جوانتانامو عجز المجتمع الدولي عن فرض احترام حقوق الإنسان؟

رد البروفيسور كالين جاء واقعياً.. وقانونياً. إذ يقول “المجتمع الدولي هو مجتمع مكون من دول، وهو لا يستطيع أن يحقق أكثر مما تريد الدول أن تفعله؛ وعندما تقرر واحدة من أقوى أعضاءه عدم احترام أهم الحقوق الأساسية للإنسان، فإن نظام حقوق الإنسان بأسرة يتعرض إلى الخطر”.

“في الوقت نفسه، إنه من المثير للاطمئنان المدى الذي ذهبت إليه الدول الأخرى في رفض الموقف الأمريكي، والكيفية التي خلصت لها المحكمة الدستورية العليا الأمريكية إلى أن احتجاز شخص دون أي رقابة قضائية غير قانوني”.

وفي كل الأحوال، فإن المجتمع الدولي لا يقوم فقط على وحداته القانونية من الدول، بل يقوم أساساً على شعوبه.

لذا لم يكن من المستغرب أن يصل كالين في كتابه إلى خلاصة مفادها:”إذا فشل الناس في القيام بفعل لصالح نظرائهم من البشر، إذا لم يشعروا بالتعاطف مع آلامهم، ويتضامنون مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، إذا لم يصرخوا ضد القمع وعدم احترام الكرامة الإنسانية، إذا لم يصمموا على مواصلة مطالبتهم بالمزيد من العدالة، فإنه في النهاية لن يكون هناك سلام في عالمنا”.

إلهام مانع – سويس إنفو (أجرى الحوار مع فالتر كالين الزميل آدم بياومونت)

البروفيسور فالتر كالين:
يعمل كأستاذ في القانون الدولي والدستوري في جامعة برن.
عمل في الكويت بين عامي 1991 و1992 كمقرر خاص للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان.
اصبح منذ عام 2003 عضواً في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
عينه الأمين العام للأمم المتحدة في عام 2004 ممثلاً له لحقوق المرحلين داخلياً.

أعد الكتاب فالتر كالين وجوديث فيتينباخ ولارس موللر.
عدد صفحات الكتاب 720 صفحة.
مولت الكتاب وزارة الخارجية السويسرية، وجامعة برن، إضافة إلى مؤسسات سويسرية مستقلة.
صدر الكتاب عن دار لارس موللر للنشر في بادن بسويسرا.
يبلغ سعر الكتاب 68 فرنك سويسري.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية