مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الوزراء فهموا الدرس

على عكس التوقعات اختتم الاجتماع في ظرف وجيز جدا Keystone

لم يكن وزير خارجية قطر ليستطيع الاستمتاع بالجلوس منفردا في بهو الفندق يدخن السيجار لمدة نصف ساعة ظهر الثلاثاء، لو أن الاجتماع الوزاري الاسلامي الطارئ كان صعبا، مثلما اعتقد البعض، لكن انتهاء اشغال الاجتماع «الأصعب» في الوقت الأسرع، فاجأ الجميع.. وترك عديد الأسئلة خلفه.

وإذا كان الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني لخص ذلك بأن الوزراء كانوا على درجة عالية من المسؤولية، فسهروا إلى غاية الساعة الرابعة من صباح الأربعاء.. فإنه ألمح بأسلوبه الذي يحمل الجد في بطن المزحة، إلى أن «الجميع وصل إلى الدوحة.. فاهما للدرس»، وأردف في مؤتمره الصحفي أن مجرد أن تكون أمريكا ضحية للارهاب هذه المرة، فإن الأمر يختلف، والمواقف منه تختلف عما إذا كانت الضربة قد توجهت إلى دولة أخرى!

وبالفعل، فلم يكن الوزير القطري مجانبا للصواب، إذ سارت دواليب الاجتماع “التشاوري” العربي عشية بدء المؤتمر، بشكل سلس جدا، وتجنب أكثر الفرقاء تباعدا في المواقف الرسمية المعلنة لبلدانهم، أي مماحكات أو اختلافات كانت تزخر بها الاجتماعات العربية، بل ان المفارقة وصلت إلى عدم ملاحظة اختلاف ذي بال بين تدخل الوزير الاردني الذي تساند بلاده الضربة العسكرية الامريكية على افغانستان بلا حدود، وبين كلمة الوزير العراقي الذي تندد بلاده بذات الفعل الامريكي، اقصى درجات التنديد!

وكان ذلك كافيا للمراقبين لكي يستدلوا على السلاسة التي ستسير عليها اشغال الاجتماع الاسلامي الطارئ، لانه بدا واضحا ان اتفاقا ضمنيا ساد بين الجميع على عدم اثارة نقاط التباين، مقابل التركيز على نقاط التلاقي التي لا يعترض عليها احد، مثل إدانة الارهاب، وفصل الاسلام عنه، إلى المطالبة بعدم اعتبار عمل حركات المقاومة الوطنية، ارهابا.. ونقاط اخرى كانت دائما محل اجماع عربي واسلامي، وربما انساني عام.
لكن اسباب انتهاء الاجتماع الوزاري الاسلامي الطارئ بتلك السرعة اللافتة، لا تقف عند هذا التفسير، إذ اجتمعت عوامل عديدة، لعل من اهمها ما تم اعتباره نجاحا للدبلوماسية الامريكية التي استبقت التخوف العربي خصوصا والاسلامي بوجه عام، من ان تتوسع دائرة الحرب لتشمل بلدانا من المجموعة.

وقال احد المسؤولين البارزين في مجموعة اقليمية حضرت اجتماع الدوحة، ان عدم اعتراض واشنطن على دخول سوريا لعضوية مجلس الامن الموسع عشية الاجتماع، كانت رسالة “طمأنة” لدمشق التي التقطتها في الوقت المناسب فلم تظهر كثيرا من الحدة خلال اجتماع الدوحة كما كان يتوقع لها ان تفعل.

وبالاضافة الى رسالة دمشق، وصلت الى الخرطوم رسالة طمأنة اخرى بسحبها من قائمة الدول الراعية للارهاب، كما اضفت المواقف الاخيرة ترطيبا على تيبس العلاقات الايرانية الامريكية وكذلك الشأن بالنسبة للجماهيرية العربية الليبية العظمى، التي حظيت بدفاع مستميت من قبل جيرانها الحلفاء لامريكا، واساسا تونس ومصر، وبذلك خف التوجس العربي كثيرا من أن يكون الدور القادم في الضرب على دولة من المجموعة فيما عدا العراق، الذي لا يستطيع له المجتمعون شيئا، لانه بامكان واشنطن ان توجه له الضربات متى شاءت، كما فعلت دائما منذ احدى عشرة سنة.

وبالتالي فان واشنطن يمكن لها ان تتخفى وراء القرارات القديمة لتوجيه ضربة جديدة، فضلا عن ان القـوات الامـريكية لم تخرج العراق ابدا من حساباتها العسكرية كما قال احد المعلقين، ومع ذلك فلا شك ان الوزير العراقي قد عاد الى بغداد راضيا وهو يحمل معه الفقرة الحادية عشرة من البيان الختامي

الرد على “التحية” باحسن منها

وغير بعيد عن سياسة “الجزرات” الامريكية، كانت مبادرة جورج بوش الاخيرة بشأن قيام الدولة الفلسطينية حدثا مهما ترددت أصداؤه في اجتماع الدوحة ولم يستطع البيان الختامي التغاضي عنه، بل انه – حسب ما يعتقد خبير بارز-، كان القاعدة التي انبنى عليها الاجتماع برمته، حيث ساد الرأي الذي يميل الى ضرورة اقتناص الفرصة، ومحاولة تمتين خيط الامل الذي لوح به الرئيس بوش من خلال انتهاج مزيد من السياسة المرنة التي قد تشجع الادارة الامريكية على ان تصبح اكثر «سخاء» حيال الموقف من فلسطين.

ولم يتردد وزراء خارجية الدول الاسلامية في الرد على “التحية” الامريكية بالتغاضي عن ادانة الضربات العسكرية التي توجهها منذ يوم الاحد الماضي الى افغانستان، وهي رسالة واضحة يتمنى الكثيرون ان تفهمها واشنطن في شكل خطوات عملية تترجم موقف بوش الاخير على ارض الصراع العربي – الاسرائيلي.

غير ان الحملة العسكرية الامريكية على افغانستان والتي حاول الاجتماع الاسلامي قدر جهده عدم التواجه معها، كانت في اعتقاد الكثيرين عملا مساعدا على ايجاز وقت الاجتماع لأنها وضعت الجميع امام الامر المقضي ووفرت عليهم نقاشا وفقرات كانت قد تطول، وذلك رغم ان حرص وزير خارجية قطر على نفي هذه الفرضية، حيث قال ان الاجتماع لم يتأثر بأي شكل بالحملة العسكرية الحالية مشيرا بالمناسبة الى “..اننا كنا على علم بها قبل أن تبدأ..”

لكن العديد من المراقبين اعتبروا أن انطلاق الضربات قبل يومين من موعد الاجتماع الوزاري الاسلامي، الزم البعض حدودهم وتركهم يعتقدون ان الامر جدي ويجب التعامل معه بواقعية وليس ب “سريالية” سياسية.

اجتماع الدوحة شهد – في راي معظم المتابعين – نقلة نوعية في الفهم السياسي العربي والاسلامي، عندما انهمرت سيول الواقعية مدرارا على مواقف دول، طالما اشتهرت بميلها نحو البلاغة اللفظية والمبارزات العنترية، لكنها تخلت عن كل ذلك فجأة وابدت انضباطا بحكم الامر الواقع، ربما لان «اللعبة كبيرة» هذه المرة، ولا مجال فيها للمزاح السياسي الذي قد يكلف غاليا فيما سيأتي من الأيام!

الى ذلك، لا يمكن استنقاص دور مسؤولي منظمة المؤتمر الإسلامي الذين بذلوا جهودا حثيثة خلال الأيام العشرة التي سبقت الاجتماع، ساهمت بدورها بفاعلية في ترطيب الأجواء، وفي تدوير الزوايا الحادة، فكانت نتائج الاجتماع حصيلة منطقية لتلك الجهود.

هذه العوامل مجتمعة، سمحت بفضل سياسة “التوافق” التي تعودت عليها الاجتماعات العربية والاسلامية باتخاذ موقف من الإرهاب في ظل التقاطعات الدولية والإقليمية الحالية، وبفضلها تمكن كل الوزراء الافارقة من مغادرة الدوحة للوصول الى مؤتمرهم الافريقي الأوروبي في بروكسل قبل الساعة العاشرة ليلا، وهو التوقيت الذي حدده المسؤولون البلجيكيون لغلق المطار، مراعين بدورهم الظروف الأمنية العالمية التي لا شك أنها لم تغادر أذهان الوزراء المجتمعين في الدوحة لحظة.. فكان ما كان!


فيصل البعطوط – الدوحة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية