مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الولايات المتحدة وسياسة الانعزال

هل خطوة الرئيس الأميركي هذه تندرج في اطار سياسة تحد مقصودة، أم أنها جزء من تحرك أشمل يعكس عودة الولايات المتحدة إلى تبني سياسة انعزالية swissinfo.ch

تتابع إدارة الرئيس بوش سياسة أوصلتها، في مدى شهور قليلة، إلى عزلة بدأت تعاني منها الولايات المتحدة في المحافل الدولية. ومنذ وصوله إلى السلطة قام الرئيس بوش الإبن، بكل ما في وسعه، لتأزيم علاقات بلاده مع كل من روسيا والصين، وكذلك مع أوروبا، في وقت تابع سياسات عدائية في منطقة الشرق الأوسط، شملت العراق وايران وليبيا والسودان، ووصلت الى حد إغضاب الحلفاء الوثيقين بما في ذلك مصر والسعودية.

وعمد بوش إلى تقديم تبريرات غير مقنعة لمواقف اتخذتها إدارته للخروج من الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي شكلت عماد النظام العالمي الجديد القائم على تقاسم المسؤولية.

سياسة الانسحاب من الاتفاقيات والمعاهدات

فمن ناحية، انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة كيوتو الخاصة بالبيئة، ومن بروتوكول بون فيما يخص انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري. كما رفضت الإدارة الأميركية التوقيع على اتفاقية تحريم استخدام الأسلحة البيولوجية ونقضت بذلك جهوداً استمرت سنوات عدة واحتاجت إلى قدر هائل من الجهد لتحقيق إجماع عالمي حولها، ورفضت أيضاً إقرار الاتفاق على مراقبة سوق الأسلحة الخفيفة، بعدما كانت قد رفضت التوقيع على اتفاقية تحريم الألغام المضادة للأفراد.

وواصلت إدارة بوش أيضاً سياستها المتعنتة هذه من خلال إعلان رفضها المشاركة في مؤتمر دربان التاريخي، في جمهورية جنوب إفريقيا، المخصص للبحث في قضايا العنصرية، طالما لم يتم إلغاء البندين الذي يخص الأول منهما اعتذار الغرب وتعويضه عن مآسي العبودية والرق في الماضي، علاوة على البند المتعلق بالتنديد بإسرائيل والصهيونية.

واستطاعت الولايات المتحدة فرض شروطها على رغم أنف جميع دعاة حقوق الانسان من مختلف انحاء العالم. وأدت هذه السياسات المتشددة والمتتابعة إلى بروز حالة عداء في صفوف الرأي العام الغربي، كما أظهرته الشعارات التي رفعها أكثر من مئة ألف متظاهر اعترضوا في مدينة جنوه الايطالية على عقد “قمة الدول الثماني” الأخيرة. كما ولدت استياء في أوساط الرأي العالم في البلدان النامية، التي تضررت مصالحها مباشرة بسبب تعنت إدارة بوش.

وفي ظل أجواء الاستياء هذه واصل بوش إحياء مشروع حرب النجوم بنسخته الجديدة أي “مشروع الدرع الصاروخية المضادة للصواريخ”، من دون أن يلقي بالاً إلى المعارضة الدولية لسياساته.

ويفسر هذا الأمر إلى حد بعيد الرغبة في الانسحاب من اتفاقية الحد من انتشار الصواريخ البالستية، ليتاح له تسريع بناء منظوماته الصاروخية الجديدة التي ستستفيد منهاالولايات المتحدة واسرائيل ودول حلف شمال الاطلسي، دون غيرهامن الدول.

استغلال القنوات الدبلوماسية..

وقد حاول بوش استخدام الدبلوماسية وسيلة للحصول على تأييد لمشروعه الصاروخي الجديد وتخفيف حدة المعارضة الدولية له، إذ أنه وعد الهند برفع العقوبات الاقتصادية والعسكرية المفروضة عليها منذ ثلاثة أعوام بسبب تجاربها النووية، وأرسل مستشارته كوندوليزا رايس الى موسكو، بعد لقائه مع الرئيس بوتين في مؤتمر قمة الدول الثماني في جنوى، للبحث في صفقة اقتصادية تحصل بموجبها روسيا على رفع القيود عن التعاملات التجارية مقابل عدم اعتراضها على مشروع درع الصواريخ.

كماأرسل في الوقت ذاته وزير الخارجية كولن باول إلى بكين في محاولة لترطيب الأجواء مستخدماًَ شعار ادارة كلينتون التي وصفت الصين بـ”الشريك الاستراتيجي”. وسعى إلى إجراء محادثات مطولة مع الزعماء الأؤروبيين لاقناعهم بخطته.

وتبدو سياسة الإدارة الأميركية الجديدة في تشددها المتكرر محكومة بالفشل بسببتوجهاتها الانعزالية، إلى حد أن الأمر تسبب في نشوب نزاع علني حول السياسةالخارجيةللبلاد بين الجمهوريين والديموقراطيين.

ففي مطلع الشهر الجاري، هاجم النائب ريتشارد غيبهارت، زعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس النواب، السياسة “الفردية” التي تتبعها الإدارة في سعيها إلى تنفيذ مشروع درع الصواريخ، وحذّر من أن هذه السياسة تقلق روسيا والصين، وتجعل الحلفاء الأوروبيين يشعرون بأنهم معزولون عن القرار. وقال إن هذه السياسة تؤذي الأمن الأميركي ومصالح الولايات المتحدة في الاقتصاد والبيئة، كما تعطل فرصة تاريخيةللتعامل مع روسيا في شكل ايجابي.

كما واصل الحملة السناتور توم داشل، زعيمالغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ،الذياتهم الادارة بالتنصل من دورها القيادي حول العالم، مظهراً بذلك مدى غضب الديموقراطيين من نهج الإدارة.

هل هي بوادر حرب باردة اخرى؟

وتنذر التطورات الحالية بعودة الحرب الباردة بين أميركا والصين، وعودة سباق التسلح الأميركي – الروسي، وحدوث مواجهة اقتصادية على غير صعيد بين اميركا وأوروبا. ويبلغ عدد الدول التي تملك صواريخاً بالستية في العالم ثلاثين بلداً. وما لا شك فيه أن الدول التي سيشل نظامدرعالصواريخ قدرتها ستسعى حتماًالى مضاعفةجهودها لتطوير أسلحة بديلة.

وكان الرئيس الروسي بويتن حذّر من أنه “إذا أقدمت واشنطن على تنفيذ برنامج الدفاع الصاروخي فإن موسكو ستضاعف عدد الرؤوس النووية في صواريخها، وهو ما يعني جر روسيا والولايات المتحدة إلى جولة جديدة من سباق التسلح.”

ويبدو واضحاً أن هدف إدارة بوش التخلص تدريجاً من كل الاتفاقات والمعاهدات السابقة الموقعة مع روسيا والتي تنظم امتلاك الدولتين للأسلحة الاستراتيجية، وأبرزها معاهدات (ستارت) التي تنص على الخفض التدريجي للرؤوس النووية، ومعاهدة عام 1994 للتخلص من الاسلحة الكيماوية، ومعاهدة عام 1995 للحد من تكاثر الرؤوس النووية ومعاهدة 1999 للتخلص من الألغام، وغيرها، حتى تصبح العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا أشبه بعلاقة أميركا مع أي دولة في العالم لا تنظمها معاهدات خاصة.

إلا أن الخوف هو أن تؤدي هذه السياسة الأميركية الطموحة إلى تأزيم العلاقات الدولية، وإلى عودة النزاعات بالوساطة التي كانت القوى المعارضة لواشنطن تشعلها في بقاع المعمورة لمنع واشنطن من فرض سلطتها في الماضي.

ابراهيمالشريف – لندن

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية