مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

انتخابات الكويت: 4 محصلات، وخطر واحد

سيدة كويتية تدلي بصوتها في مكتب اقتراع بمدينة الكويت يوم 29 يونيو 2006 Keystone

أسفرت الإنتخابات الكويتية عن جملة من النتائج المهمة مثل المشاركة الفاعلة للمرأة الكويتية، والنتيجة القوية للمعارضة بشقيها الإسلامي والليبرالي.

في المقابل، يتوقع أن يعود الصّـراع الدستوري بين الحُـكم والمعارضة وبروز تجاذبات قوية بين أسرة الصُّـباح الحاكمة، وبين قوى المعارضة حول مستقبل الثروة النفطية الكويتية.

أربع محصّـلات مهمّـة ستُـسفر عنها الانتخابات العامة الكويتية:

• سقوط المحرّمات الأصولية والقبلية، التي حظرت على المرأة الكويتية طيلة قرون طويلة، حق المشاركة في الحياة العامة.

• عودة الصّـراع الدستوري بين الحُـكم والمعارضة، الإسلامية والليبرالية، مجدداً إلى نقطة الصفر، مع فشل الأول في تعديل موازين القوى لصالحه عبر الانتخابات المبكرة، ونجاح الثانية في تحقيق نتائج كاسحة سيطرت بموجبها على 33 مقعداً من مقاعد مجلس الأمة الـ 55.

• توقّـع بروز تجاذبات قوية بين أسرة الصُّـباح الحاكمة، وبين قوى المعارضة حول مستقبل الثروة النفطية الكويتية، وهي تجاذبات تتمّ الآن في ظل شعاري مكافحة الفساد والشفافية، وإن كان الشعار الحقيقي هو رغبة المعارضة في إقتطاع حصّـة من عائدات النفط. وأخيراً، احتمال تزايد التدخّـلات الدولية والإقليمية في الشؤون الداخلية الكويتية، في حال وصل الصراع الدستوري إلى طريق مسدود.

سنأتي إلى كل هذه النقاط بعد قليل. لكن قبل ذلك، وقفة أمام ظاهرة يجب الإلتفات إليها حين تتم مقاربة تطورات الكويت وهي: فرادة التطور السياسي في هذا البلد الصغير، الذي يقع على مُـفترق طُـرق الإمبراطوريات القديمة في مكة وبغداد وفارس، والذي يقطنه الآن نحو ثلاثة ملايين نسمة، ثلثهم فقط من المواطنين الكويتيين.

هذه الفرادة لها علاقة بالتاريخ. فكما هو معروف، حين برز الكيان الكويتي إلى الوجود في القرن السادس عشر، أولاً تحت إسم الكوت (القلعة) ثم الكويت، شذّ عن باقي الكيانات العربية في كونه حصيلة عقد تاريخي بين المحكومين الكويتيين، الذين كانت غالبيتهم من التجار، وبين الحكام من آل الصُّـباح، الذين خوّلوا صلاحية إدارة شؤون الدولة الناشئة، بما في ذلك العلاقات الخارجية وتحصيل الضرائب، وهذا عنى أن الكويت كانت منذ نشأتها ملكية دستورية إلى هذا الحد أو ذاك. لذا، لم يكن غريباً أن يبرز فيها أول برلمان مُـنتخب بشكل مباشر في منطقة الخليج، وأن يتمتع هذا البرلمان بصلاحيات نادرة في المنطقة العربية، بما في ذلك إقالة رئيس الوزراء وتأكيد بيعة أمير البلاد بعد ترشيحه من قبل الأسرة الحاكمة.

نذكـّر بهذه الحقائق لمجرّد الإشارة إلى أن الإستثناء التاريخي الكويتي في العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، سيكون حاضراً في الأزمة المتوقعة الراهنة بين الطرفين، وسيدفع، كما في التجارب السابقة، خاصة خلال الغزو العراقي، إلى احتمال تغليب التسويّـات على المجابهات، حتى ولو بدا أحياناً أن الأمور تتّـجه إلى التصعيد.

بكلمات أوضح: الصراع القديم والجديد في الكويت لا يدور حول مبدأ الملكية الدستورية، بل حول مداها. ليس حول سيطرة البرلمان على السلطة السياسية، بل حول حدود هذه السلطة.

نصر المرأة

نعود الآن إلى نقاطنا الأربعة، ونبدأها مع مسألة المرأة. لم يكن أحد يتوقع أن تُـحقق المرشحات الـ 28 أي اختراق لأسوار الذكور مُـحكمة الإغلاق في وجههن منذ عهد طويل. فهُـن لم يكن لديهن سوى شهر واحد لخوض الحملة الانتخابية، وهي المسافة الزمنية بين حل أمير الكويت للبرلمان وإجراء الإنتخابات. وبرغم أن قرار السماح للنسوة بالتصويت صدر منذ مايو 2005، إلا أن القوى النسائية لم يكن لديها الوقت الكافي، ولا القوة الكافية، ولا الثقة الكافية بالنفس، لتثمير هذا الإنجاز التاريخي.

بالطبع، كان ثمة إستثناءات. فعلى سبيل المثال، تعرّضت المرشحة عيشة الرشيد إلى تهديدات بالقتل وإلى شتائم وصلت إلى حد وصفها بـ “الفأرة” و”وصمة العار” لإجبارها على الإنسحاب من المعركة، لكنها أصرّت على مواصلة الحملة، وأين؟ في الديوانيات التي كانت دوماً حكراً على الذكور، وفي المقاطعات التي يُـسيطر عليها الأصوليون.

على أي حال، فشل النسوة الكويتيات في الوصول إلى قبّـة البرلمان، لم يعن أيضاً فشلهن السياسي، إذ يمكن في الواقع لحظ المضاعفات الإيجابية الآتية:

أولاً، تحوّل النسوة بين ليلة وضحاها إلى القوة الإنتخابية الرئيسية في البلاد، حيث أنهُـنّ يُـشكلن حالياً 57% من إجمالي الناخبين الـ 340 ألف.

ثانياً، اضطرار كل المرشحين من الآن فصاعداً لأخذ مطالب النسوة وحقوقهن بعين الاعتبار، وهذا يشمَـل أصوليي الإخوان المسلمين وتقليديي القوى القبلية الذين عارضوا، وما زالوا، منح المرأة حق الإقتراع. وهكذا قال أحد أقطاب الإخوان الذين ترشحوا في الإنتخابات: “لقد صوّت ضد قرار 2005 (حول حق الاقتراع للنسوة)، لكنه بات على أي حال قانوناً، ويجب علينا بالتالي العيش معه”.

ثالثاً، (وكما أشرنا في البداية)، سقوط المحرّمات الدينية والقبلية التي عارضت حقوق المرأة منذ إنتصار الفكر الأصولي السلفي في الشرق الأوسط في القرن الثالث عشر، ثم بشكل أقسى منذ منتصف القرن العشرين، حين استخدم الذكور الخليجيون ثروة النفط كأداة لإعادة المرأة إلى المنزل وتجريدها من كل المكتسبات الإجتماعية التي نالها الرجل الكويتي، مثل قروض الزواج والإسكان، ورفض منح أولاد المرأة من زوج غير كويتي حق الجنسية.

كل هذه الأمور ستكون الآن على جدول أعمال كل نواب مجلس الأمة، الحديثين منهم والتقليديين، بسبب حاجة هؤلاء لاسترضاء القوة الناخبة الكبيرة الحالية.

الأزمة الدستورية

هذا على صعيد المرأة، أما بالنسبة للأزمة الدستورية المتوقعة بين الحكم والمعارضة القوية الجديدة، فهي تبدأ وتنتهي بمسألة واحدة: قانون الانتخاب وتقسيم الدوائر.

فالحكم يتمسّـك بالدوائر الصغيرة الـ 25 الحالية، والتي جرت على أساسها الإنتخابات الأخيرة، وهو قبل تحت الضغط تقليص هذه الدوائر إلى عشر، لكن المعارضة في البرلمان رفضت بغضب، مطالبة بجعل الدوائر خمساً، بهدف خفض قُـدرة الحكومة على التلاعب بالأصوات أو بعثرتها، وهذا الرفض هو الذي دفع الحكم إلى حل المجلس، معلّـقاً الآمال على تغيير موازين القوى في مجلس الأمة.

هذا الرّهان لم ينجح. وبدلاً من ذلك، إرتسمت خطوط مجابهة أكثر وضوحاً بين الحكم والمعارضة، بيد أن هذا لا يعني أن الأمور باتت محسومة للمعارضة، إذ أن هذه ليست حزباً واحداً ولا تياراً واحداً. فالإسلاميون السُـنة مُـنقسمون إلى ثلاث منظمات رئيسة: الحركة الإسلامية الدستورية (فرع من الإخوان المسلمين)، والتحالف الإسلامي السلفي الأكثر محافظة، والتحالف السلفي، والشيعة (الذين يشكّـلون نحو 30% من المواطنين الكويتيين) منقسمون هم أيضاً إلى شطرين: التحالف الإسلامي الوطني، والميثاق الإسلامي الوطني، كما هناك العديد من القوى الليبرالية واليسارية العابرة للطوائف بين الشيعة، مثلهم مثل السنة.

ويرى الأكاديمي البحريني باقر النجار أن “الحركات الإسلامية، في الكويت وخارجها، تشكل مصدر قلق لأنظمة الخليج بسبب هدفها المُـعلن بإقامة حكومات ثيوقراطية (أقلية دينية). لكن بعض هذه الحركات تُـدرك أنه من الصعب عليها تغيير الأنظمة، لأن الرأي العام يُـطالب بالمشاركة السياسية، لا بتغيير الأنظمة”.

إلى هذه العوامل السلبية بالنسبة للمعارضة، والإيجابية للحكومة، يجب أن نضيف أمرين اثنين:

الأول، أن مجلس الأمة الكويتي لا يتكوّن من 50 عضواً منتخباً فقط، بل يضاف إليه 15 آخرون هم وزراء الحكومة، كما ينصّ الدستور، وهذا ما يجعل الحُـكم قادراً على موازنة القوة الانتخابية للمعارضة الإسلامية والليبرالية، بقوة لعبة التوازنات والمصالح.

هامش المناورة إذن، كبير للحكم، وهو يزداد قوة حين نضع مسألة النفط (الذي تشكّـل موارده كل دخل البلاد تقريباً) بعين الاعتبار. فالمعارضة، وتحت شعار مكافحة الفساد، تريد في الواقع حصة من البترو – دولار عبر وسيلتين اثنتين: الأولى، اقتطاع جزء من الأموال الطائلة التي ستُـنفق من جديد على البنى التحتية ومشاريع تحديث قطاع النفط، بعد الفورة الهائلة في أسعار النفط التي جعلت سعره يتجاوز عتبة الـ 70 دولاراً (والعد لا يزال مستمراً).

وتقول مؤسسة “ميدل إيست إكونوميست سيرفاي”، التي ترصد المشاريع في منطقة الخليج، بأن خطط الاستثمار الجديدة في المنطقة ستصل إلى رقم مذهل، هو تريليون دولار، بعد أن كانت 277 ملياراً قبل 18 شهراً فقط. والكويت، التي تُـنتج الآن زهاء 2،2 مليون برميل يومياً، ستكون في مقدمة المستثمرين، جنباً إلى جنب مع السعودية ودولة الإمارات.

الوسيلة الثانية تنطلق من الحقيقة بأن الكويت كانت بدأت التفكير قبل الأزمة الراهنة بوقت غير قصير، بإعادة النظر بخطوة تأميم النفط التي اتخذتها عام 1975. الهدف المُـعلن: حاجة قطاع النفط إلى التكنولوجيا والخبرات الحديثة التي لن توفّـرها سوى عودة شركات النفط العالمية، مثل أكسون – موبيل وشيفرون وبي. بي (BP) وشيل وغيرها، إلى عملية الإنتاج النفطي الكويتية.

بيد أن البرلمان القوي الذي تسيطر عليه قوى المعارضة، لن يقبل بهذه الخطوة الدرامية التي تتجسّـد فيما يُـطلق عليه اسم “مشروع الكويت”، إلا مقابل ثمن دسم: حصّـة من عائدات النفط، سواء على الصعيد الفردي أو المنظماتي، وهذا سيعني نشوب معركة شدّ حبال مع الحكومة قد لا تقل قسوة عن معركتي اقتطاع حصّـة من استثمارات البُـنى التحتية، وتعديل الدوائر الانتخابية.

التدخلات الخارجية

ماذا الآن عن المحصلة الرابعة والأخيرة أي احتمال تزايد التدخّـلات الخارجية في الشأن الداخلي الكويتي؟

أشرنا في البداية، أن خصوصية أو استثنائية تطور نظام الحكم الكويتي. ومع ذلك، خصوصية التجربة الديمقراطية الكويتية، التي بدأت قبل 44 عاماً، تثير قلق الدول الخليجية المجاورة التي تتعرض في هذه المرحلة هي الأخرى إلى ضغوط شعبية لحملها على الانفتاح السياسي.

وقد تزايد هذا القلق بعد أن لعب البرلمان الكويتي دوراً حاسماً في حل مشكلة الخلافة إثر وفاة الأمير السابق. لماذا؟ لأن أنظمة الخليج لا تريد أن تتعرّض إلى ضغوط جديدة من مجتمعاتها لوضع بعض الأسنان في فم برلماناتها المنتخبة جزئياً، كما الأمر مع البرلمان الكويتي. كما أنها تريد أن تستمر في الإصلاحات السياسية بتدرّج بطيء قد يستمرّ سنوات عدة قبل الوصول إلى مرحلة التطور الكويتية الراهنة.

فالبحرين على سبيل المثال، والتي هزّتها موجة من الاضطرابات السياسية في التسعينات، أحيت البرلمان عام 2002، وسمحت للنسوة بالترشح للمرة الأولى، لكن حكومتها لا تزال ترفض إنهاء قسمة السلطة التشريعية بين البرلمان المنتخب وبين مجلس الشورى المعيّـن.

وعُـمان اعتمدت الانتخابات غير المباشرة للمجلس الاستشاري عام 1991، وبعدها بثلاث سنوات، أصبحت أول دولة خليجية تسمح للمرأة بالتصويت، بيد أن المسألة تطلبت 12 عاماً قبل منح حق الانتخاب لكل المواطنين.

وقطر، التي وعدت حكومتها بالانتخابات التشريعية منذ التصديق على الدستور في استفتاء عام 2003، لا تزال تنتظر تنفيذ هذا الوعد لانتخاب ثلثي المجلس الاستشاري المعيّـن الآن من قبل الأمير.

وفي السعودية، يقتصر الأمر حتى اللحظة على انتخاب المجالس البلدية، مع استبعاد المرأة عن عملية الاقتراع.

لكل هذه الأسباب، لن تكون حكومات الخليج سعيدة إذا ما أدّت حصيلة الانتخابات الكويتية، وما قد يليها من صراعات سياسية، إلى تعزيز سلطة البرلمان على حساب الأسرة الحاكمة.

وإذا ما بدأت الدول الكبرى الغربية، وفي مقدمتها بالطبع الولايات المتحدة، تشعر بالقلق هي الأخرى (وإن لأسباب اقتصادية – نفطية)، كتأجيل مشروع الكويت مثلاً، فإن الضغوط الخارجية على التجربة الكويتية قد تتفاقم، وقد يرفع حينذاك الشعار بأن الصراعات السياسية – الدستورية بدأت تؤثر، ليس فقط على الاقتصاد الكويتي، بل أيضاً على الاقتصاد العالمي. وفي هذه الحالة، ليس من المُـستبعد أن يتم تشجيع الحكومة الكويتية على تعليق التطور الدستوري مجدداً، كما حدث مرّتين من قبل خلال السنوات الأربعين الماضية.

لم تصل الأزمة بعدُ إلى هذه المرحلة. لكن المؤكّـد أن التجربة الديمقراطية الكويتية، على إستثنائيتها، ستكون مراقبة عن كثب وبدقة شديدة من جيران الكويت الأقربين المهتمين بالأبعاد السياسية لهذه التجربة، ومن حلفائها الأبعدين في واشنطن وباقي عواصم الغرب اللصيقين أولاً وأخيراً بـ “الهم” النفطي!

سعد محيو – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية