مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

انتقاد للصورة السلبية للأجانب في وسائل الإعلام

في ثالث كتاب له، يعود إينوسونت ناكي للهجوم على الثغرات القائمة في الإعلام والتواصل المتعدد الثقافات في سويسرا، مثيرا بعض ردود الفعل الغاضبة.

“كُـن مثاليا.. أو عُـد إلى بلادك”، بهذا العنوان، يُـندد الكاتب السويسري من أصل إيفوري، بطريقة استغلال الحوادث المتفرقة، التي يتورط فيها أجانب، من طرف وسائل الإعلام والأوساط الشعبوية.

“في مدرسة سانت كروا،(الواقعة وسط مدينة فريبورغ)، استُـقبل الأطفال القادمون من مركز طالبي اللجوء يوم العودة المدرسية بإلقاء الكستناء عليهم من طرف بقية التلاميذ”، هذا الخبر الصغير الذي نُـشر في صفحة المتفرقات، كان القطرة التي أفاضت الكأس.

ويقول هذا الكاتب والصحفي المقيم في فريبورغ والقادم من كوت ديفوار، غربي إفريقيا، مستنكرا “إذا ما وصلت الأمور إلى هذا الحدّ، فذلك يعني أننا وصلنا نحن الكبار إلى حالة مثيرة”.

أجواء صعبة

يوميا، تُـنشر مقالات وأنباء عن معارك بين عصابات وعمليات اغتصاب جماعية في صفوف الشبان وترويج للمخدرات وحوادث مريعة يرتكبها سواق طائشون، وهكذا تتوالى “القضايا” وتنتعش صحافة “الشارع” الصفراء.

وعندما يكون أجانب ضمن المتهمين، يستغل بعض رجال السياسة هذه الحوادث المتفرقة لإرهاب السكان وإطلاق مقترحات من قبيل سحب الجنسية وطرد العائلات ومنح الجنسية تحت الاختبار ورسوم تأمين خاصة لأصحاب السيارات الأجانب إلى غير ذلك. وبقدر ما يقترب موعد الانتخابات العامة، بقدر ما تزداد المقترحات غرابة، حتى ولو كانا غير قابلة للتطبيق.

إينوسانت ناكي، لا يدّعي لعب دور مصحِّـح التجاوزات، لكنه لا يُـخفي تأثره بهذه الأجواء. فمن خلال كتابه الجديد المشحون بمقتطفات من مقالات وبرامج إذاعية وتلفزيونية، يحُـث على “ضرورة إضفاء توازن على وجهات نظرنا تجاه أشخاص يتّـسم وضعهم بالهشاشة، وليست لديهم إمكانية الدفاع عن أنفسهم”.

في هذا السياق، تأثر الكاتب بالتعايش الصعب القائم بين سكان مدينة Bex وطالبي اللجوء المقيمين فوق أراضي هذه البلدية، الواقعة في كانتون فو. فقد أدى ترويج المخدرات والنزاعات والشتائم والعنصرية وأعمال عنف أخرى إلى تسميم الأجواء إلى الحدّ الذي دفع رئيس البلدية (وهو اشتراكي) بالمطالبة بإغلاق مركز إيواء طالبي اللجوء.

“المغالطة الإعلامية”

ويشير الكاتب السويسري من أصل إيفوري، إلى أن أشدّ ما أثار انزعاجه، كان الطريقة التي عالجت بها صحيفة لوماتان، الصادرة في لوزان، وبرنامج « Infrarouge » في التلفزيون السويسري، الناطق بالفرنسية، القضية برمّتها.

فقد استعمل أقسى التعابير والكلمات للتنديد في كتابه بما أسماه “المغالطة الإعلامية” حول “الصورة السلبية للزنجي”، كما عبّـر عن أسفه لما اعتبرها “وقائع منقوصة وانحيازا وتسامحا تجاه أعمال العنف المرتكبة ضد أجانب”، ومع أنه لم يُـوفّـق في بعض الأحيان، إلا أنه يضع الإصبع على المكان الذي يسبب الألم.

ويقول إينوسونت ناكي لسويس انفو “إنني لا أنفي أن جنسية الأشخاص يُـمكن أن تكون مهمّـة في حالات معيّـنة، لكنني أطلب أن تتوقّـف وسائل الإعلام عن التعامل بشكل تمييزي مع الحالات التي تستجِـدّ”.

ويضيف الكاتب “إنني أقدم 64 مثالا تُـظهر أنه، بالنسبة لجرائم متماثلة، تُـذكر الجنسية في بعض الحالات ولا تُـذكر في حالات أخرى، وهنا يكمن المشكل، لأنه يتم إعطاء فكرة للجمهور بأن الجريمة أجنبية قبل كل شيء”.

مثال نموذجي

ولكن متى بدأ كل هذا؟ يجيب روجي بلوم، مدير معهد علوم الاتصال في جامعة برن، “يعسُـر تأريخ هذه الممارسات، ففي عام 2001، اتخذ مجلس الصحافة موقفا بخصوص مقالات توصّـلت إلى أن الأجانب يلعبون دورا في الجريمة”. وفي عام 1994، أمر نفس المجلس صحيفة بليك، الصادرة في زيورخ، بـ “عدم التخفي وراء العدالة والشرطة لإيراد إسم أو جنسية شخص مشتبه فيه”.

من جانبه، أوضح أوليفيي غينيا، رئيس الشرطة في نوشاتيل، أن الدوائر التابعة له تحدّد جنسية الأشخاص المشبوهين، حتى وإن لم يكن ذلك مهمّـا بالنسبة لسير التحقيق، وقال في تصريح لسويس انفو “بما أن الصحفيين يطرحون علينا السؤال بشكل آلي، فإننا نُـشير إليه من البداية على غِـرار السن، حتى لا نحاصَـر بالاتصالات الهاتفية”.

ردود فعل غاضبة

بعض وسائل الإعلام، التي وُجِّـهت إليها انتقادات قاسية في الكتاب الجديد، سارعت إلى رد الفعل، مثل صحيفة لوماتان، التي كتب رئيس تحريرها بيتر روتنبوهلر يوم 14 أبريل الجاري، “هذا السيد ناكي، يعمِّـم ويلتقط الأفكار المسبقة ويخلِـط كل شيء ويشكّ في الجميع”، كما أنه “معروف بالخصوص برغبته الكبيرة في أن يُـدعى” من طرف وسائل الإعلام.

في معرض الرد على هذا الكلام، يقول الكاتب “بالفعل، بيتر روتنبوهلر ليس مسرورا بهجماتي الحادّة على كتابات بعض الصحفيين العاملين في هيئة تحريره، لقد كنت متوقِّـعا لهذا، وفي النهاية يبدو لي الأمر طبيعيا”.

إينوسونت ناكي يرى أن جواب رئيس التحرير لا يتطرق إلى قضية معالجة وسائل الإعلام للحوادث المتفرقة، التي يكون فيها أجانب ضمن المورطين، لكنه يعتقد أن الجمهور أضحى الآن على عِـلم بالموضوع، ويقول “إنني لا أفقد الأمل من أن تتم العودة لمعالجة القضية الرئيسية للكتاب وطرح الأسئلة التي يجب أن تُـطرح”.

سويس انفو – أيزابيل أيشنبيرغر

(ترجمه من الفرنسية وعالجه كمال الضيف)

ولِـد في عام 1976 في كوت ديفوار، وهو متحصل على شهادة الماستير في علوم الاتصال.

يقيم في سويسرا منذ عام 2000 وعمل مدرِّسا في سولوتورن، قبل أن يستقر في فريبورغ.

في عام 2004، أصدر أول كتاب له بعنوان “سويسرا والأجانب والسُّـود”، وفي عام 2006، أصدر كتابا بعنوان “تمازج ثقافي، نظرات نسائية”.

في 10 أبريل 2007، نشر كتابه الجديد “كُـن مثاليا.. أو عُـد إلى بلادك”، وهو رصد لاستغلال شعبوي للحوادث المتفرقة في سويسرا.

طِـبقا للفصل الثامن من “إعلان الواجبات والحقوق للصحفي”، يجب على الإعلامي أن “يحترم الكرامة الإنسانية… ويتجنّـب أي تلميح بالنص أو بالصورة أو بالصوت إلى الانتماء العرقي أو القومي لشخص أو إلى ديانته أو إلى جنسه أو إلى توجهات ممارساته الجنسية، إضافة إلى أي مرض أو إعاقة ذات طبيعة بدنية أو عقلية يُـمكن أن تتسم بطابع تمييزي…”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية