مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

انشقاق ذو سمات خاصة!

swissinfo.ch

ليست المرة الأولى التي يعرف فيها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الحزب الرئيسي في الحكومة المغربية، انشقاقا. فكلما أطلت مرحلة جديدة على المغرب إلا وعاش الاتحاد خلافات ولدت حزبا أو تجمعا جديدا. لكن الانشقاق الأخير الذي قاده الزعيم النقابي نوبير الاموي يحمل سمات خاصة تنسجم مع سمات المرحلة التي يعرفها مغرب العهد الجديد.

منذ مارس الماضي والاتحاد الاشتراكي يعيش مخاض الانشقاق. عقد مؤتمره الوطني السادس في ظل تباعد بين مكوناته، مكونات لم تتأسس على أرضيات سياسية أو أيديولوجية بقدر ما تأسست على حساسيات شخصية أو انسجام أمزجة. لكن هذا التباعد و هذه الحساسيات تحولت مع تطورات المرحلة إلى تكتلات، بغض النظر عن حجم كل تكتل وتأثيره إن كان في الحياة الحزبية أو في الحياة السياسية المغربية.

تأسس الاتحاد الاشتراكي( الوطني في سنوات التأسيس الأولى) بزعامة المهدي بن بركة في نهاية الخمسينات كتعبير للتيارات اليسارية داخل حزب الاستقلال وخاض صراعات مريرة مع نظام الملك الراحل الحسن الثاني، فقد خلالها العشرات من كوادره موتا أو سجنا أو نفيا دون أن تهتز مكانته و قوته كحزب معارض قوي.

انشقاق لا يرتبط بعلاقة الحزب بالقصر

كان اتحاد القوات الشعبية يعيش مخاض انشقاقات منذ 1972 أسفرت عن تطور الحزب إلى الاتحاد الاشتراكي 1974 بقيادة عبد الرحيم بوعبيد متبنيا التحول الديمقراطي السلمي في البلاد لكن هذا التحول لقي معارضة قوية إن كان في صفوفه داخل المغرب أو خارجه وعرف حالة مشابهة 1983 حين انتقلت علاقته من القصر إلى مرحلة إقرار كل طرف بشرعية الأخر.

كانت محور الانشقاقات السابقة في الاتحاد الاشتراكي الاختلاف حول العلاقات بين الحزب والحكم، كان المنشقون يتهمون قيادة الحزب بالمرونة الزائدة و أحيانا الخيانة لدماء الشهداء. لكن انشقاق 2001 لا علاقة له مبتدأه و منتهاه بطبيعة هذه العلاقة رغم محاولات أطراف في الحزب التعبير أحيانا عن نقدها لتدبير قيادة الحزب لملف هذه العلاقة، بل إن التكتلات المختلفة التي تعلن معارضتها لقيادة الحزب، لا تترك مناسبة للإشادة بالعاهل المغربي الملك محمد السادس والترحم على الملك الراحل الحسن الثاني.

كان في الحزب ومنذ سنوات تكتلات تتصارع، يتبدل أفرادها و تكويناتها لكن يبقى اسم محمد اليازغي نائب الكاتب الأول والرجل القوي في الحزب حاضر دائما ومعه نوبير الاموي عضو المكتب السياسي الأمين العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل. كان عبد الرحمن اليوسفي منذ تعيينه 1992 كاتبا أولا خلفا لعبد الرحيم بوعبيد يحاول أن يمسك العصا من وسطها وان كان في السنوات الأولى مال اكثر للاموي واستطاع أن يجمع حوله كل معارضي اليازغي ويشكل منهم قوة ساعدته على إبراز زعامته. لكن هذا التكتل اصبح تكتلات فهناك تكتل الاموي وتكتل الوفاء للديمقراطية وتكتل الشبيبة الاتحادية وان بقيت هذه التكتلات معارضة فإنها لم ترفع لواء معارضة لليازغي فقط لكن لليوسفي أيضا.

في ظل هذه التكتلات عقد المؤتمر الوطني السادس تكتل الوفاء للديمقراطية والشبيبة الاتحادية أعلنوا مقاطعتهم احتجاجا على ما وصفوه بتزوير في عضوية المؤتمر وأُطلق عليهم اسم المقاطعون، وتكتل الاموي انسحب قبل افتتاح المؤتمر بساعتين احتجاجا على تركيبة اللجنة التنظيمية المكلفة بالترتيبات المادية للمؤتمرين ( نوم آكل خروج و دخول القاعة …الخ) وأطلق عليهم اسم المنسحبون.

إصلاح ذات البين لم يثمر

سبعة شهور فصلت بين عقد المؤتمر الوطني السادس للاتحاد الاشتراكي وعقد المؤتمر الوطني الاتحادي الذي ضم تكتل الاموي معلنا انه اصبح وتكتله خارج صفوف الاتاد الاشتراكي. خلال هذه الشهور جرت محاولات متعددة لإصلاح ذات البين لكنها لم تنجح .والهوة بين التكتلات المعارضة توسعت، فأسس تكتل الوفاء للديمقراطية جمعية ثقافية تحمل نفس الاسم و الشبيبة الاتحادية أعلنت عن عقد مؤتمرها في يناير القادم وكل منهما أعلنت تمسكها بالاتحاد الاشتراكي وعدم اعترافها بشرعية قيادته وأيضا رفضها لمؤتمر الأموي و حزبه الجديد الذي قاطعه كوادر الحزب ونواب البرلمان الذين كانوا من مكوناته بعيد الانسحاب.

هذا الفرز التنظيمي لا يعني انتهاء أزمة الاتحاد الاشتراكي، فالانتخابات التشريعية على الأبواب وهي الأولى في تاريخ المغرب التي تجري والاتحاد في الحكومة، وهي انتخابات تحرص كل أطرافها على التأكيد على نزاهتها وشفافيتها و بالتالي فإن صندوق الاقتراع سيكون مقياسا صادقا نسبيا لحجم وقوة كل قوة سياسية. وسيكون على الاتحاد الاشتراكي خلال الشهور القادمة إضافة لإعادة لملمة صفوفه و إعادة ثقة الشارع به كحزب متماسك وقائد لتجربة التناوب ومرحلة الانتقال الديمقراطي، عليه أن يبدد الصورة السلبية عنه وعن قياداته وكوادره التي ولدتها الحملات بين تكتلاته.


محمود معروف/الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية