مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اهتمام الفضائيات العربية بالمغرب العربي.. ماذا وراءه؟

مقر المكتب الإقليمي الخاص بمنطقة المغرب العربي لقناة الجزيرة الفضائية في مدينة الرباط

في الأعوام السابقة، كان سكان المنطقة المغاربية يشتكون من تجاهل الفضائيات المشرقية والخليجية لهم واستهانتها بما تعرفه بلدانهم من تطوّرات مهمة وانفتاح سياسي وثقافي واقتصادي.

أما اليوم، تشتد حمى التنافس بين عدد من الفضائيات العربية لتغطية الأحداث المغاربية المهمة سعيا منها لإقناع ملايين المشاهدين بأسباب اهتمامها “المفاجئ” بالمنطقة.

تبحث الفضائيات العربية عن حدث مغاربي تسلط عليه الأضواء أو تجتهد في تغطيته لتُـقنع مشاهديها باهتمامها المفاجئ بالمنطقة، التي كانت تشكو دائما من تجاهل أشقائها لها وعدم إيلاء ما تعرفه بلدان المنطقة من تطوّرات كانت متميزة أحيانا خلال السنوات الماضية.

واهتمام الفضائيات العربية يحمل في طياته مفاجأة، نظرا لأن اهتمام المستثمرين العرب وأموالهم التي تدفّـقت على دول المنطقة كانت مفهومة الأسباب والدوافع. كما أن الظروف التي حفزت رأس المال العربي والخليجي، (تحديدا الخاص) للقدوم إلى هذه المنطقة التي كانت في العقود الماضية قِـبلة للمصالحات السياسية ومؤتمرات القمة العربية أو للترفيه والاستجمام.

فالأموال العربية بدأت تتدفّـق على دول المغرب العربي لِـما عرفته أسعار النفط العالمية من ارتفاع صاروخي بعد الحرب الأمريكية على العراق، والتي جاءت بعد هجمات 11 سبتمبر في نيويورك وما حمَـلته تداعيات تلك الهجمات من تضييق على المواطنين العرب وحجز أموال مستثمرين كِـبار في الدول الغربية، وتحديدا في الولايات المتحدة.

وكانت مشاركة 15 شابا سعوديا من أصل 19 نفّـذوا هجمات 11 سبتمبر، طابع اتهام ضد العرب الخليجيين في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، فقد تبددت الامتيازات التي كانوا يتمتّـعون بها والإغراءات التي كانت تُـقدّم لهم، وحل محلها شك وتوقيف في المطارات وتمييز عنصري، وهي ممارسات لم تقتصر على السلطات، بل صدرت عن عدد من مواطني تلك الدول.

تدفق الاستثمارات والقنوات الفضائية

وفي ظل هذه الأجواء، جاء الإحتلال العسكري للعراق وكان من تداعياته ارتفاع لأسعار النفط ووفرة مالية أكبر حجما من الوفرة المالية التي عرفتها دول الخليج في أعقاب حرب أكتوبر 1973.

لقد كان طبيعيا ألاّ تتوجّـه هذه الوفرة المالية الطارئة إلى حيث توجهت في العقود السابقة، حين وجدت في السبعينات والثمانينات في دول المشرق العربي، الأردن وسوريا ولبنان (في ظل ما شهدته تلك البلدان من انفتاح وتسهيلات قانونية أمام الاستثمارات) وِجهة مناسبة.

لكن اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق عام 2005 وما تلاه من توتر داخل لبنان وبين لبنان وسوريا، والتفجيرات التي عرفها الأردن كذلك، أشعر المستثمر العربي بعدم استقرار الأوضاع في دول المشرق، في وقت تعرف فيه دول المغرب العربي انفتاحا واستقرارا، وتحرص على تقديم تسهيلات مغرية.

مع تدفق أموال الاستثمارات، سارعت القنوات الفضائية العربية إلى تونس والمغرب والجزائر، تطلب فتح مكاتب أو تُـعلن عن توجيه برامجها لدول المنطقة. فقد أعلنت قناة ام بي سي، التي تملكها المملكة العربية السعودية، عن تخصيص موجة لبثها لمنطقة المغرب العربي، أطلقت عليها ام بي سي المغاربية. كما يتوقع، حسب ما أبلغت به مصادر دبلوماسية عربية سويس انفو، أن تفتح قناة العربية التابعة لنفس المؤسسة مكتبا إقليميا في المنطقة لإعداد برامج خاصة عنها، وكذلك الأمر بالنسبة لقناة دبي الفضائية وقناة ال بي سي اللبنانية.

كان يمكن ربط اهتمام الفضائيات العربية بالمُـتلقي في دول المغرب العربي بتدفق الاستثمارات الخليجية، لكن يتضح الآن أن هذه العلاقة غير متوفِّـر بعد تقييم ما تقدِّمه هذه الفضائيات، باستثناء قناة الجزيرة القطرية، من برامج إخبارية أو ثقافية أو ترفيهية.

وإذا كانت قناة الجزيرة قد أبدت اهتمامها بالمغرب العربي، قبل تدفّـق الاستثمارات ونجحت في استقطاب كفاءات إعلامية مغاربية وأولت لقضايا المنطقة حدا أدنى من الإهتمام وأمنت للشخصيات المغاربية حُـضورا على شاشتها، وبالتالي، كان إعداد نشرة مغاربية تُـبث من الرباط تطورا طبيعيا لهذا الاهتمام، فإن كل البرامج التي تقدِّمها القنوات الفضائية الأخرى بما فيها النشرات الإخبارية، لا زالت تتعامل مع المنطقة وقضاياها وهمومها بقدر ملفت من التجاهل.

غُـبن المشاهد المغاربي

في هذا السياق، يتوقّـف المراقبون في الشمال الإفريقي أمام أحداث مغاربية لم تُـولِـها القنوات الفضائية العربية، التي فتحت أو تنوي فتح مكاتب لها أو أعلنت عن تخصيص موجات للبث للمنطقة أي اهتمام، مثل إعلان المجلس الدستوري المغربي عن عدم دستورية القانون الانتخابي أو وفاة عشرات المواطنين المغاربة في منطقة خنيفرة بسبب البرد أو اجتماع الاتحاد الإفريقي في طرابلس أو عودة العُـنف المسلح إلى الجزائر، وحتى الانتخابات البرلمانية والرئاسية الموريتانية. أما في مجال الترفيه، فإن “الإضافة” الوحيدة التي طرأت على برامج القنوات الفضائية الموجّـهة إلى المغرب العربي، تمثلت في بث المسلسلات المكسيكية المطولة…

ويشعر المشاهد المغاربي بغُـبن من القائمين على الإعلام العربي، خاصة العابر للحدود، وكيفية تهميشهم للمنطقة وقضاياها وإصرارهم على تجاهل ما تعرفه المنطقة من تطورات وأن الفضاء أصبح مفتوحا للجميع، وليس حِـكرا على جهة مُـعينة خصوصا وأن لديه القدرة على إجراء المقارنات بين الفضائيات العربية والقنوات الفرنسية.

فدول المغرب العربي، وإن كانت لم تصل بعدُ إلى الانفتاح الإعلامي الأوروبي، إلا أنها حقّـقت الكثير من التقدّم في هذا المجال، وخاصة في دولة مثل المغرب، بعد أن أعلنت عن منح القِـطاع الخاص حقّـه في البث التلفزيوني والإذاعي، ومُـنح الترخيص القانوني لعدد من الإذاعات الخاصة ومحطة ميدي 1 الفضائية، التي تبث منذ موفى العام الماضي باللغتين، العربية والفرنسية.

وحسب أوساط الميدان الفضائي بالمغرب، فإن اهتمام الفضائيات العربية ليس نابعا من اهتمامها بالمُشاهد المغاربي أو مرتبط بتدفُّـق الاستثمارات العربية، بقدر ما هو مرتبط بما يُـدركه القائمون على هذه الفضائيات من وجود سوق إعلاني واعد، وخاصة في السوق الجزائرية، بما تحمله من إمكانيات بعد أن أمنت إيرادات النفط والغاز بالأسعار المرتفعة للخزينة الجزائرية وفرة مالية، وقُـدرة الرئيس بوتفليقة على استثمار علاقات بلاده السياسية ساعدتها على التخلص من مديونيتها وفتح البلاد أمام استثمارات عربية وأوروبية وآسيوية.

لذلك، لم يتولّـد لدى المتلقي المغاربي أي حافز لاتخاذ فضائية من الفضائيات العربية الموجهة إليه، قناته المفضلة أو الأولى، لأنه لم يجد من إشارات توجّـهها إليه، إلا كلمة المغاربي أو المغرب العربي، التي أضافتها لإسمها وشارتها، وهو ما قد يعتبره نِـفاقا له، هو ليس بحاجة إليه بقدر ما هو بحاجة، إن كان داخل بلاده أو في المهجر، إلى جرأة ومعرفة في تناول قضاياه وعُـمق وجدِّية في معالجتها، وهو ما لم تصله الفضائيات العربية حتى الآن.

محمود معروف – الرباط

أطلقت قناة الجزيرة الفضائية (تمويل قطري) نشرة إخبارية يومية مخصصة للمغرب العربي من مكتبها في الرباط في شهر نوفمبر 2006.

في منتصف عام 2006، خصصت قناة أم بي سي (تمويل سعودي) ترددا خاصا لمنطقة المغرب العربي تبث عليه برامجها العادية ولكن في مواعيد تتلاءم مع التوقيت المحلي.

أبلغت به مصادر دبلوماسية عربية سويس انفو، أن قناة العربية الفضائية تستعد لافتتاح مكتب إقليمي لها في المنطقة المغاربية، وكذلك الأمر بالنسبة لقناة دبي الفضائية وقناة ال بي سي اللبنانية.

يلتقط الملايين من المشاهدين المغاربيين القنوات العربية منذ عدة أعوام بواسطة أهم الأقمار الإصطناعية التي تبث من خلالها برامجها (عربسات ونايل سات وهوتبورد أساسا)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية