باراك أوبـاما: المُرشح الطامح إلى تغيير وجه أمريكا
أصغر المتنافسين لخوض معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية رفع لواء التغيير وإزالة آثار ما فعله الرئيس بوش في الداخل والخارج، فكان هذا الشعار وشخصيته الكاريزماتية مفتاحه إلى قلوب الشباب والناخبين الجدد.
فمن هو باراك أوباما وهل ستكون أميركا مستعدة لانتخاب أول رئيس أمريكي أسود؟
منذ أن أصبح أوباما خامس سناتور أسود في تاريخ مجلس الشيوخ والسناتور الأسود الوحيد في المجلس الحالي، اقترن عمله بسجل ليبرالي يعطي الناخب الأمريكي الأمل في قدرته على تصور مختلف عن توجهات الإدارة الحالية، ورؤية تعيد للولايات المتحدة مثلها وقيمها في الداخل والخارج.
فمنذ انضم باراك لعضوية المجلس، أظهر استعداده للعمل مع زملائه من الحزب الجمهوري بعيدا عن التشنج الحزبي، وتصدى مع زملائه لتمرير قانون لحظر قبول أعضاء الكونغرس هدايا من جماعات الضغط السياسي أو اللوبي للتأثير في مواقفهم من القضايا، وقانون للكشف عن مصادر تمويل الحملات الانتخابية ومكافحة محاولات التأثير في توجهات الناخبين باستخدام الألاعيب والحيل.
كما طرح أوباما العديد من مشروعات القرارات والمبادرات الخاصة بالطاقة وحماية البيئة وتوفير الرعاية الصحية، ومشروعات قوانين خاصة بتأمين الحدود ومكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل، كما تصدر المطالبين بالانسحاب التدريجي من العراق.
وطبقا لتحليل شخصية باراك الذي أجرته وحدة تحليل الشخصيات السياسية بجامعة سان جون الأمريكية، فإن باراك أوباما يتسم بشخصية راغبة في التغيير ويتحلى بقدر كبير من الثقة في النفس والطموح والإصرار، وكلها، كما يقول التحليل، تقود إلى شخصية قوية وعملية تحركها أيديولوجية راسخة تكرس جهدها لتغيير المجتمع وفق خطة واضحة المعالم والأهداف، وتكون على استعداد للتعاون والعمل بشكل متناسق مع كل من يظهر استعدادا للعمل على تحقيق تلك الأهداف.
ويصف التحليل الأكاديمي لشخصية باراك سمته الأساسية بأنه يتمتع بقيادة كاريزماتية تستطيع إلهام الأنصار والمريدين وتحظى بالقدرة على لمس شغاف قلوب الجماهير. وتخلص الدراسة إلى أن أوباما يشترك في كثير من صفات شخصيته مع الرئيس السابق بيل كلينتون.
أجندة التغيير
لقد حقق أوباما أول مفاجئات سنة انتخابات الرئاسة الأمريكية بفوزه بالانتخابات الأولية في ولاية أيوا رافعا شعار خطة لتغيير أميركا مخاطبا الناخبين الأمريكيين بطلب واضح:
“أريد منكم أن تؤمنوا ليس فقط بقدرتي على تغيير ما يحدث في واشنطن ولكن أيضا بقدرتكم أنتم على إحداث التغيير”.
وطرح أوباما خطوطا عريضة لمنهجه في التغيير سواء في السياسات المحلية أو في السياسة الخارجية فوعد أوباما على الصعيد المحلي:
بالعمل على تخفيض الدين العام باعتباره أكبر خطر على مستقبل الأجيال القادمة، وإتباع سياسات مالية تتسم بالمسؤولية، وسد الثغرات التي لا زالت قائمة في الأمن الداخلي رغم مرور سبعة أعوام على هجمات سبتمبر، وإصلاح قوانين الهجرة للولايات المتحدة، والاهتمام ببرامج تأهيل العاملين لإيجاد فرص عمل أفضل تقلص من حجم الفقراء في أمريكا والذين يصل عددهم إلى 37 مليون شخص، ومواجهة المشاكل التي تقف أمام برامج الضمان الاجتماعي بشكل يضمن انتفاع المسنين بها، وكذلك بالتأمين الصحي للفقراء منهم، وضمان إزالة كل العراقيل التي تحول دون حق المواطنين في التصويت، وضمان تطوير السياسات بشكل يضمن التعليم ويوفر لكل الأمريكيين رعاية صحية بنفقات معقولة ويضمن حقوق المواطنة الأخرى للجميع، وتطبيق أجندة اقتصادية تضمن قدرة أمريكا على المنافسة في الاقتصاد العالمي وقدرتها على التصدير، وتضمن للطبقة الوسطى الانتعاش مع زيادة الاستثمار في البني التحتية وتوفير الاستقلال في مجال الطاقة والبحث عن وسائل جديدة غير البترول، وتحسين البحث العلمي وتحديث نظام الضرائب لخدمة أكبر عدد من المواطنين، وكذلك فتح باب المناقشة أمام دور الدين في الحياة الأمريكية.
وعلى صعيد السياسة الخارجية تعهد أوباما بـ:
استعادة مكانة الولايات المتحدة في العالم، وبأن لا يتبع سياسة بوش في تعمد عدم الدخول في حوار مع زعماء الدول التي تكون على خلاف مع السياسة الأمريكية، وبالحفاظ على القيم الأمريكية فلا تنزلق في سياستها الخارجية إلى مستوى استخدام التعذيب أو ممارسات معتقل غوانتانامو، بل سيوقف تلك الممارسات ويغلق المعتقل سيئ السمعة وينهي الحرب في العراق بحيث يتم سحب القوات الأمريكية في غضون 16 شهرا، ولن يحتفظ للولايات المتحدة بقواعد عسكرية دائمة في الأراضي العراقية.
وتعهد أيضا بقيادة جهد دولي لإعادة أربعة ملايين عراقي ما بين نازح ولاجئ لحياتهم الطبيعية. كما وعد باراك أوباما في برنامجه للتغيير بشن حملة دبلوماسية جسورة لتوفير الاستقرار في الشرق الأوسط من خلال الحوار مع كل الأطراف المعنية بما في ذلك سوريا، واستخدام طرق دبلوماسية مع إيران بدلا من التلويح بالحرب والخيارات العسكرية.
وفيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تعهد بأن يوليه أولوية قصوى لكي يتم التوصل إلى حل نهائي يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش في سلام مع إسرائيل مع ضمان حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها والحفاظ على العلاقة الخاصة مع إسرائيل باعتبارها أقوى حليف للولايات المتحدة في المنطقة ومواصلة المساعدات العسكرية والاقتصادية لها.
سلاحه الناخبون الجدد
ويرى خبراء انتخابات الرئاسة الأمريكية أن قوة الدفع الهائلة التي جعلت من أوباما الذي لم تمض أكثر من ثلاثة أعوام على دخوله مجلس الشيوخ يصل إلى مرتبة المنافس الرئيسي لهيلاري كلينتون على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، تعود بشكل أساسي إلى قوة الناخبين الجدد ومعظمهم من الشباب.
ويعترف هؤلاء الخبراء بأن تعبير الناخبين الجدد يطفو كل أربعة أعوام مع بدء حملات السعي للفوز بترشيح الحزبين لخوض معركة الانتخابات الرئاسية، وسرعان ما يخبو بعد أن تظهر الدوائر الانتخابية أن من كان يفترض أنهم ناخبون جدد فضلوا البقاء في منازلهم وعدم الإدلاء بأصواتهم، ويخسر المرشح الذي كان يراهن على انضمام هؤلاء الناخبين الجدد لصفه.
غير أنه مع باراك أوباما، يؤكد الخبراء أن الشباب متحمسون لبرنامجه لتغيير الوضع في أمريكا وعلاقاتها بالعالم لذلك لو استطاع الحفاظ على استثارة حماس الشباب والاحتفاظ بقوة الدفع بهم إلى صناديق الاقتراع في نوفمبر القادم فسيمكن له أن يغير تاريخ الانتخابات الرئاسية على مدى جيل كامل.
ويستند الخبراء في تحليلهم إلى بحوث الرأي العام التي أظهرت أن أوباما يحظى بتأييد الناخبين تحت سن الأربعين، بينما تتمتع منافسته الرئيسية السناتور هيلاري كلينتون بتأييد الناخبين فيما فوق سن الخامسة والستين. ومع أن أحدث انتخابات أولية أجريت في نهاية الأسبوع الماضي في ولاية نيفادا قد أسفرت عن فوز هيلاري كلينتون، فإن استطلاعا للرأي أجراه معهد راسماسين أظهر أن باراك أوباما سيفوز في انتخابات يوم الثلاثاء العظيم بنسبة 32% تليه هيلاري كلينتون بنسبة 30%.
ماذا لو انتخبت شعوب العالم؟
وبينما لن يشارك في انتخابات الرئاسة في نوفمبر القادم سوى 126 مليون أمريكي مسجلين على قوائم الناخبين، فإن أكثر من ستة آلاف مليون شخص في أنحاء العالم المختلفة ينتظرون بفارغ الصبر رحيل الرئيس بوش وكلهم أمل في أن يحل محله في المكتب البيضاوي رئيس يستطيع أن يحسن علاقة الولايات المتحدة بالعالم ككل.
ويرى خبراء العلاقات الدولية في واشنطن أن انتخاب السناتور أوباما رئيسا للولايات المتحدة من شأنه أن يقلص المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في أنحاء العالم بنسبة 50% على الأقل. ويدللون على ذلك بأن أصله الإفريقي المتحدر من كينيا سيجعل 800 مليون إفريقي يشعرون بالفخر والاعتزاز لانتخاب الأمريكيين لأمريكي من أصل إفريقي رئيسا جديدا للولايات المتحدة لأول مرة في تاريخها.
كما أن 1200 مليون مسلم في أنحاء العالم سيشعرون بالأمل في علاقات أفضل بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة، وسيشعرون بأنه سيكون بوسع أوباما القيام بمهمة العطار الذي سيصلح ما أفسده الرئيس بوش باعتبار أن باراك أوباما يتحدر من أصول إسلامية رغم أنه ليس مسلما، فاسمه الأوسط حسين. كما أنه صرح بأن مشكلة الولايات المتحدة حاليا مع العالم ككل هو تعاملها بغطرسة القوة مع الجميع وأنه سيعمل على تغيير تلك الصورة من خلال العمل مع شعوب ودول العالم لتكون القوة الأمريكية في خدمة المبادئ والأهداف المشتركة بحيث يصبح العالم مكانا أفضل يشعر فيه الجميع بالسعادة والأمل.
إلا أن المحللين السياسيين في واشنطن يرون أن الأوروبيين لن يكونوا سعداء بانتخاب السناتور أوباما رئيسا جديدا للولايات المتحدة حيث درجت الحكومات الأوروبية على اتهام الولايات الأمريكيين بانتخاب شخصيات تفتقر إلى الخبرة والحنكة السياسية وتجر الدول الأوروبية إلى دفع ثمن سياسات أمريكية تعوزها الحكمة، لذلك يرى هؤلاء المحللون أن أوروبا ستكون أكثر سعادة إذا ما انتخب الأمريكيون السناتور هيلاري كلينتون حيث يرونها أكثر حنكة وتمرسا بالعمل السياسي، خاصة وأن الرئيس السابق بيل كلينتون بخبراته المتراكمة سيكون إلى جوارها في البيت الأبيض. وستسعد شعوب أمريكا اللاتينية كذلك بانتخاب هيلاري كلينتون لأن تلك الشعوب وقعت في حب الرئيس كلينتون بسبب ابتعاده عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار اللاتيني.
وبغض النظر عمن ستكون له الغلبة في انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة، فإن أمريكا في أمس الحاجة إلى رئيس جديد يبتعد بفكره عن أجندة المحافظين الجدد التي دفعت بالرئيس بوش إلى الاعتماد على القوة المسلحة في التعامل مع الأزمات الدولية، وغض الطرف عن المبادئ الأمريكية من أجل فرض الهيمنة على شعوب العالم بعد أن أصبحت أمريكا القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم.
وأمريكا بحاجة إلى رئيس يستطيع أن يحسن صورة بلاده في أنحاء العالم بالفعل وليس بالقول أو بأساليب الدعاية والبروباغندا، وأمريكا في أمس الحاجة أيضا إلى رئيس يتعامل مع العالم العربي والإسلامي بما يتماشى مع المصالح القومية الأمريكية، وليس من منظور اللوبي الإسرائيلي الذي يروج لسياسات تفضل مطامع إسرائيل على مصالح القوة العظمى الوحيدة في العالم اليوم.
محمد ماضي – واشنطن
كولومبيا (ساوث كارولاينا) – فاز باراك اوباما في انتخابات مهمة في ولاية ساوث كارولاينا في اطار سعيه للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي له في انتخابات الرئاسة الامريكية التي تجري في نوفمبر تشرين الثاني مظهرا قوة بين السود الجنوبيين الذين يشكلون نصف الناخبين الديمقراطيين في الولاية.
وبعد الخسارة في نيوهامبشير ونيفادا أعطى هذا الفوز اوباما الذي سيكون في حالة فوزه أول رئيس اسود للولايات المتحدة دفعة قوية في طريقه لانتخابات “الثلاثاء الكبير” في الخامس من فبراير شباط عندما تصوت نحو نصف الولايات الامريكية وتختار المرشحين الجمهوري والامريكي اللذين يخوضان انتخابات نوفمبر تشرين الثاني.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 يناير 2008)
ولد السناتور الديمقراطي باراك أوباما في الرابع من أغسطس عام 1961 في ولاية هاواي لأب من أصل كيني اسمه حسين أوباما وأم أمريكية بيضاء من ولاية كانزاس. وجمعتهما الدراسة في جامعة هاواي وتزوجا، لكن زواجهما لم يدم طويلا حيث انفصل أبوه عن أمه وهو في الثانية من عمره وعاد إلى كينيا ليعمل كخبير اقتصادي.
ثم تزوجت أمه بطالب إندونيسي وانتقلت معه إلى جاكارتا وعاش معها باراك بين السادسة والعاشرة من عمره حيث تلقى تعليمه في مدارس جاكارتا، ثم عاد هو ليعيش مع جده وجدته في هونولولو حيث استكمل تعليمه الثانوي، ثم بدأ دراسته الجامعية في لوس أنجلوس والتحق بعد عامين بجامعة كولومبيا المرموقة في نيويورك حيث حصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية.
وعمل بعد تخرجه في شركة للتعاون الدولي في مجال الأعمال الحرة، ثم انتقل إلى شيكاغو بولاية إيلينوي ليعمل مديرا لمشروع تنمية المجتمعات الصغيرة، وتخصص في الدفاع عن حقوق محدودي الدخل، واستهوته دراسة القانون فالتحق بجامعة هارفارد وحصل على شهادة في القانون.
وعندما عاد إلى شيكاغو، أدار حملة لتشجيع المواطنين على تسجيل أسمائهم في قوائم الناخبين والمشاركة الفعالة في الانتخابات، ثم عمل محاميا للدفاع عن ضحايا التمييز ومحاضرا في القانون الدستوري في جامعة شيكاغو.
وفي عام 1996، تم انتخابه عضوا بمجلس الشيوخ في ولاية إيلينوي، وأعيد انتخابه في عامي 1998و2002. وتم انتخابه كعضو في مجلس الشيوخ الأمريكي في عام 2004. وسرعان ما ارتفعت أسهمه في خطاب مفعم بالمشاعر أمام المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي في نفس العام عكس قدرته الخطابية وشخصيته الكاريزماتية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.