مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بالون اختبار أم عرض صريح؟

Keystone

أثار خبر إعلان سوق الأوراق المالية الألمانية في فرانكفورت عن رغبتها في "تعميق التعاون" مع نظيرتها السويسرية في زيورخ اهتمام المراقبين والمحللين الاقتصاديين في أوروبا.

ومع أن العلاقة بين الجانبين ليست جديدة، كما يوجد بينهما تعاون مشترك منذ سنوات، إلا أنها لم ترتق إلى درجة “العمق الشديد”.

أكدت سوق الأوراق المالية السويسرية في زيورخ SWX ما نشرته صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ في طبعتها الأسبوعية يوم الأحد 18 يوليو بأنها تلقت دعوة مدير البورصة الألمانية في فرانكفورت، للتشاور حول تعميق التعاون بين الجانبين، إلا أن المتحدث باسم السوق أكد “عدم وجود أية تصورات من الجانب السويسري حول طبيعة هذا التعاون”.

ومن المنتظر أن يبدأ المؤسسون للبورصة السويسرية وهم 55 بنكا ومؤسسة مالية في دراسة هذا العرض بجميع جوانبه، للوصول إلى قرار نهائي بشأنه.

في المقابل، اكتفى المتحدث باسم بورصة فرانكفورت بتأكيد الخبر دون أية إضافات أخرى حول تصور البورصة الألمانية لشكل هذا التعاون المعمق مع نظيرتها في زيورخ وذلك في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية بعد يوم واحد من نشر المعلومة.

إلا أن مراقبين يرجحون أن تكون الدعوة الألمانية قد جاءت مصحوبة ببعض الأفكار والمقترحات لهذا التعاون المشترك المعمق، إذ من غير المنطقي أن تكون الرسالة التي وجهها الألماني فيرنر سايفرت مدير بورصة فرانكفورت إلى نظيره في زيورخ قد اكتفت بالدعوة للحوار دون طرح أفكار له، وليس من المنطقي أيضا أن يدرس مؤسسو بورصة زيورخ جميع الاحتمالات الممكنة لهذا التعاون دون أن يكون بين أيديهم عناوين رئيسية له.

إشارات وتلميحات متبادلة

تجدر الإشارة إلى أن العلاقة بين بورصتي زيورخ وفرانكفورت ليست جديدة، فهما شريكتان في مؤسسة Eurex لتقديم خدمات التعامل في سوق الأوراق المالية بشكل دولي موسع وتتبعهما 8 شركات أخرى تعمل في مجالات المعاملات المالية على مستوى دولي.

إلا أن أول بوادر الرغبة في تعزيز هذا التعاون، ظهرت من خلال طرح بورصة فرانكفورت لتلك الفكرة صراحة أثناء تقديمها للميزانية الربع سنوية للعام الجاري، بعدما لم تتمكن من تحقيق نجاح في خطط الاندماج مع بورصة لندن في عام 2000، وشعرت بشيء من العزلة في الأوساط المالية الأوروبية، إثر قيام تعاون رباعي بين أسواق باريس وبروكسل وأمستردام ولشبونه التي أسست مجتمعة Euronext في عام 2001 بباقة كبيرة من الأسهم والسندات تصل قيمتها إلى 1.5 مليار لتحتل المكانة الثانية أوروبيا في حجم التعاملات بعد بورصة لندن التي تزيد قيمة الأوراق المالية المتداولة فيها عن ملياري يورو.

ومن المحتمل أن تكون تلميحات زيورخ المتكررة بالرغبة في التعاون المشترك مع البورصات الأوروبية الأخرى قد أثارت شهية فرانكفورت لتوجيه الدعوة الأخيرة لتعزيز التعاون المشترك.

في الوقت نفسه، حرصت بورصة زيورخ على الإشارة إلى أنها ليست معروضة للبيع أو أنها تمر بأزمة أو ضائقة مالية، حتى لا يفسر المراقبون الإعلان عن رغبتها في التعاون بشكل سلبي ينعكس على سمعتها في الخارج.

فهي حريصة على قيام هذا التعاون من أجل توسيع حجم تعاملاتها وتعزيز حضورها بشكل أقوى في أوروبا، وهي رغبة حاولت في أكثر من مناسبة تحقيقها ولكن دون الوصول إلى الأهداف المرجوة منها بشكل كبير، فقد أخفق مشروعها لطرح حزمة من الأوراق المالية السويسرية في لندن من خلال تأسيس Virt-x لم في تحقيق النتائج الكبيرة التي ترقبها مؤيدو المشروع لبسط الحضور السويسري على الساحة الأوروبية بشكل نافذ.

آمـال الكبار ومخاوف الصغار

وتتساءل الأوساط المالية الآن هل سيلقى هذا الإخفاق في بسط النفوذ خارج حدود الكنفدرالية بظلاله على اتخاذ قرار الاندماج مع بورصة فرانكفورت أو رفضه؟ أم أن تعاون زيورخ مع ثالث أكبر سوق أوراق مالية أوروبية كفيل بإغرائها بالإقدام على تلك الخطوة؟

فبالنظر إلى حصيلة تعاملات سوق الأوراق المالية في فرانكفورت عن العام الماضي والتي بلغت 1306 مليار دولار، وزيورخ (بما فيها نتائج فرع لندن) 610 مليارا يمكن القول بأن اندماجهما قد يثمر عن حركة تعاملات تصل إلى 1915 مليار وهو ما يفوق حجم ما توصلت إليه البورصة الرباعية Euronext عن نفس الفترة بعشرة مليارات، أي أن بإمكان هذا الاندماج – إن قدر له أن يحدث – أن يرفع بفرانكفورت وزيورخ من المركزين الثالث والسادس على التوالي في أوروبا إلى المركز الثاني مباشرة وراء بورصة لندن.

وعلى الرغم من أن أكبر مصرفين سويسريين (يو بي اس و كريدي سويس) لم يعربا حتى الآن عن موقفيهما من مثل هذا الاندماج، إلا أن المؤشرات تدل على أنه قد يكون إيجابيا، حيث سيستفيدان من زيادة حجم سيولة التعاملات دون قيود أو رسوم إضافية في التعامل مع بورصة أجنبية.

في الوقت نفسه، لا زال من غير المعروف ما إذا كان جميع المساهمين في بورصة زيورخ سيستفيدون من هذا، فهناك مؤسسات مالية سويسرية تفضل البقاء داخل السوق المحلي والتعامل مع حرفائها بالأسلوب الذي تعودت عليه منذ عقود، وتخشى من الخروج إلى نطاق أكبر والتعرض لمنافسة “غير عادلة” أو أن تضيع حظوظها أمام أسهم وسندات أخرى أجنبية، قد تكون أكثر جاذبية للمستثمرين.

طموحات ومخاوف

وتتركز أكثر المخاوف لدى المؤسسات المالية الخاصة العاملة في مجال إدارة الثروات، حيث من المستبعد أن توافق تلك البنوك مثلا على أن تكون للبورصة الألمانية الكلمة العليا في هذا التعاون الجديد، كما تخشى من إمكانية استعمال الإتفاق لطرح مسألة سرية الحسابات المصرفية من باب خلفي أو بشكل ملتو.

ويرى تيار آخر بأن ما تحققه البورصة السويسرية من أرباح سنوية صافية تناهز 42 مليون فرنك بالنسبة لمبيعاتها أمر جيد يرضي جميع الأطراف ويقيها ضرر التدخل الأجنبي في شؤونها، وأن بقاء الحال كما هو عليه الآن أفضل من مقترحات لا داعي لها، فالبورصة لا تمر بأزمة مالية أو تعاني من فشل داخلي، كمأ أنه لاتوجد دوافع قهرية للدخول تحت عباءة فرانكفورت التي قدرت أرباحها عن العام الماضي بخمسة أضعاف ما حققته زيورخ.

من جهة أخرى، تشير المعطيات المتوفرة إلى أن الطرفين، بحاجة إلى بعضهما البعض للإنطلاق أوروبيا ودوليا بشكل قوي، ومن المؤكد أن كليهما سيدرس بعناية الايجابيات الكبيرة من وراء الزيجة المقترحة، وعلى رأسها التواجد على الساحة المالية الدولية بشكل متميز، ومن ثم قد يعثران على الطريق الوسط المؤدي إلى الحل المقبول.

وفيما يخشى البعض من أن تخيم عقدة “لماذا الألمان هم المنقذون دائما؟” على أسلوب الطرف السويسري في إدارة التفاوض، يؤكد آخرون أنه من المحتمل أن تعمل الخبرة المصرفية السويسرية بعيدا عن هذه الحزازات لتعثر على الحل المناسب للتعاون المشترك مع بورصة فرانكفورت بأقل السلبيات الممكنة.

ومن المستبعد أن تضيع سويسرا، (التي استطاعت دون وجود أية ثروات طبيعية في أراضيها أن تصل إلى هذه المرتبة في عالم المصارف والمال)، هذه الفرصة إذا رأت الجهات المعنية فيها دعما قويا لها ومكاسب محققة منها.

تامر أبو العينين – سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية