مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بدءُ تطبيق “اتفاق سويسرا” في جبال النوبة

يبدو ان الدور والحضور السويسريين في منطقة جبال النوبة السودانية مرشح للمزيد من التطور Keystone

بدء يوم الثلاثاء تنفيذ ما اصبح يُعرف بـ"اتفاق سويسرا" في منطقة جبال النوبة وسط السودان، وهو اتفاق لوقف اطلاق النار أبرم يوم السبت الماضي بوساطة سويسرية وامريكية بين مُمثلي الحكومة السُّودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان.

وقعت الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان التي يتزعمها جون قرنق اتفاقا السبت الماضي تحت رعاية سويسرية وأميركية لوقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد برقابة دولية في منطقة جبال النوبة وسط البلاد، الأمر الذي قد يقود إلى تحقيق حل سياسي ونهائي للنزاع في المنطقة.

وتنص أبرز نقاط الاتفاق على تشكيل لجنة عسكرية لمراقبة وقف إطلاق النار تضم ممثلين عن الطرفين وبعثة مراقبة دولية مؤلفة من عشرة إلى خمسة عشره عضوا. ويهدف الاتفاق إلى تهيئة الأجواء الأمنية من أجل إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المتضررين من الحرب الذين يعانون من ظروف إنسانية بالغة، ويدعو إلى حرية تنقل المدنيين والسلع بما يشمل المعونات الإنسانية، ومنع زراعة الألغام، وإسهام الطرفين في إصلاح وإعادة فتح الطرق، ونزع الألغام من كل المنطقة التي يشملها الاتفاق.

وتعهد الطرفان بتأمين وصول موظفي اللجنة الدولية للصليب الأحمر ليتمكنوا من تحديد الأشخاص المعتقلين في إطار النزاع وحسن معاملتهم.

الاتفاق سابقة في تاريخ حركة التمرد

ويكتسب “اتفاق سويسرا” أهمية خاصة كونه أول اتفاق لوقف إطلاق النار توقعه الحركة الشعبية لتحرير السودان منذ نشأتها عام 1983 تعاقبت على حكم البلاد خلالها أربعة أنظمة، رغم أنه اتفاق جزئي حيث أنه يعالج مسألة جبال النوبة دون سواها ويتجاهل قضية الحرب الأهلية في جنوب البلاد التي قضت على مليوني مواطن وأدت إلى نزوح ولجوء ضعفهم.

ولعبت وساطة الولايات المتحدة وممارستها ضغوطا على طرفي النزاع دورا حاسما في توقيع الاتفاق، حيث ظلت الحكومة والحركة الشعبية تتفاوضان نحو 12 عاما عبر أكثر من عشرين جولة تفاوض في عواصم إفريقية وغربية دون إحراز تقدم يذكر. ولم تتجاهل القيادة السودانية الإشارة إلى الدور الإيجابي الذي لعبته سويسرا في رعاية الاتفاق وتقريب الشقة بين الطرفين خصوصا وأنها تنال ثقتهما حيث يصنفانها دولة محايدة.

ويمثل الاتفاق الخطوة الأولى في مهمة المبعوث الرئاسي الأميركي إلى السودان دون دانفورث الذي أعلن انتهاجه سياسة “الخطوة.. خطوة”. وتعتبر الثلاثة أشهر المقبلة اختبارا حقيقيا لطرفي النزاع الذين يسعيان إلى كسب ود واشنطن وتعزيز علاقاتهما معها وتجنب “معاكسة: وتعويق وساطتها، خصوصا وأنها تستخدم المناخ الذي وفرته أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر ولا تتردد في التلويح ب”العصا” في وجه كل من يحاول مناهضة ما ترمي إليه.

الاتفاق تطلَّب تنازلات من الطرفين

وقد قدمت الحكومة والحركة الشعبية تنازلات جوهرية بتوقيعهما “اتفاق سويسرا”، حيث تعتقد الأولى أنها كانت على وشك القضاء المبرم على متمردي الجيش الشعبي في جبال النوبة بعد انحسار نشاطهم وتقطع خطوط إمدادهم وتوقف أبناء المنطقة من الالتحاق بصفوفهم. وترى الحكومة أن الاتفاق يحقق لها مكاسب حيث أنه يعزل قضية جبال النوبة عن جنوب السودان الأمر الذي كان قائد الحركة جون قرنق متمسكا به منذ عام 1994 كما يوفر لها الحماية على مناطق إنتاج النفط وخطوط الأنابيب التي تمر بالمنطقة ويخفف من كلفة العمل العسكري.

بينما ترى الحركة الشعبية أنها انتزعت اعترافا من الحكومة بقضية جبال النوبة حيث ظلت الحكومة ترفض إمداد المنطقة بالمعونات الإنسانية عبر عملية “شريان الحياة” التي ترعاها الأمم المتحدة، وتعتقد الحركة أيضا أنها حققت لحلفائها من أبناء النوبة مكاسب ظلوا يتطلعون إليها.

ولكن يظل السؤال الأكثر إلحاحا عن دافع اهتمام الإدارة الأميركية بقضية جبال النوبة وإعطاؤها الأولوية في إنهاء الحرب الأهلية في السودان التي امتدت نحو عقدين من الزمان. فقد بادرت الخرطوم بطرح السؤال ورد السيناتور دانفورث بأن قضية الجبال وما يثار حول ممارسات الرق وانتهاكات حقوق الإنسان باتت محور اهتمام الرأي العام الأميركي حيث ظل اليمين المتطرف يمارس ضغوطا على واشنطن منذ إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون، ووعد جورج بوش ناخبيه بوضع حد لهذه القضية، ويبدو أنه ينفذ في برنامجه الانتخابي.

وسيؤدي نجاح الخطوة الأميركية الأولى في جبال النوبة إلى طرق قضية الجنوب الأكثر تعقيدا وتشابكا، وبدا أن الولايات المتحدة لا ترغب في دخول “وحل الجنوب” وحدها، لذا اتجهت إلى كينيا التي تقود اللجنة الخماسية المعنية بملف السلام السوداني في الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا “إيغاد”، ومصر التي لها علاقات خاصة ومصالح إستراتيجية في السودان بجانب التنسيق مع الاتحاد الأوروبي الذي ترتبط معه في منبر شركاء “إيغاد”.

النور أحمد النور – الخرطوم

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية