
بعد خمس سنوات من الفاجعة … عائلات ضحايا انفجار مرفأ بيروت تنتظر العدالة

أحيا لبنانيون الإثنين الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت المروّع، مؤكدين أن “لا مساومة على المحاسبة”، تزامنا مع تعهد رئيس الجمهورية جوزاف عون تحقيق العدالة للضحايا، بعدما تمكّن المحقق العدلي طارق البيطار من استجواب جميع المدعى عليهم في القضية.
وغرق التحقيق بشأن الانفجار الهائل الذي وقع في الرابع من آب/أغسطس 2020، وأسفر عن مقتل أكثر من 220 شخصا وإصابة أكثر من 6500 بجروح، منذ عام 2023 في متاهات السياسة، بعدما قاد حزب الله حينها حملة للمطالبة بتنحّي المحقق العدلي طارق البيطار الذي حاصرته لاحقا عشرات الدعاوى لكفّ يده. لكن القاضي استأنف منذ مطلع العام عمله في ضوء تغير موازين القوى في الداخل.
وتجمع المئات قبالة المرفأ لإحياء ذكرى الانفجار، الذي يعد أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم. ورفع المشاركون صورا لضحايا الى جانب لافتات عدة بينها “لا مساومة على المحاسبة”، و”مع الحق ضد الظلم”، و”جريمة 4 آب (أغسطس) ليست حادثا”، وفق ما شاهد مراسلو فرانس برس.
وقالت جورجيت الخوري (68 سنة) التي حضرت لإحياء ذكرى ثلاثة من أقاربها “أشارك للمرة الأولى هذا العام. صحيح أن خمس سنوات مرّت، لكن أشعر كأن الانفجار حصل للتو، لأنه غصّة في قلب كل لبناني”.
وأضافت “ما نطلبه هو أن تتحقق العدالة، وإذا لم تتحقّق عدالة الأرض، فستتحقّق عدالة السماء”.
على بعد أمتار، حمل يوسف رومانوس (44 عاما) صورة جارته الراهبة التي قضت في الانفجار. وقال لفرانس برس “الوجع موجود في قلوبنا.. ننتظر أن يأخذ القضاء مجراه”.
وتابع “تحقيق العدالة لن يعيد شهداءنا وضحايانا، لكن سيشكل عزاء لنا”.
على شاشة ضخمة، تمّ عرض صور جميع الضحايا مع تلاوة اسمائهم على وقع تصفيق الحاضرين. وقالت المحامية سيسيل روكز في كلمة باسم عائلات الضحايا “مهما كثرت القضايا والظروف السيئة، تبقى جريمة 4 آب (أغسطس) أولوية”، مضيفة “نريد الحقيقة ومحاسبة المجرمين”.
وتابعت “نقول لكل مسؤول سياسي أو أمني أو قضائي تسبّب بالتفجير، إن الحقيقة ستظهر لا محالة وستتحملون مسؤولية ما أقدمتم عليه ولو عن غير قصد، مهما علا شأنكم”.
– “الحقيقة كاملة” –
منذ وقوعه، عزت السلطات الانفجار إلى تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون إجراءات وقاية إثر اندلاع حريق لم تُعرف أسبابه. وتبيّن لاحقا أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحركوا ساكنا.
وشارك عدد من الوزراء بينهم وزراء العدل والإعلام والشؤون الاجتماعية في إحياء الذكرى، لأول مرة منذ وقوع التفجير، وفق روكز التي نوهت كذلك بتصريحات المسؤولين وآخرها بيان رئيس الجمهورية. لكنها اعتبرت أن “العبرة تبقى في التنفيذ، لا سيما تنفيذ القرارات القضائية التي ستصدر والتي نطلب بتنفيذها بسيف العدالة”.
وكان وزير الصحة راكان ناصر الدين، المحسوب على حزب الله، في عداد الحاضرين.
وقال وليام نون، شقيق أحد ضحايا الانفجار، في كلمة ألقاها وتضمنت انتقادات حادة للحزب المُتهم بتعطيل التحقيق، إن “وجود وزير يمثل حزب الله مسألة إيجابية، لكنها مشروطة بالتزامهم بتحقيق العدالة”.
وتمكّن البيطار من استئناف عمله مطلع العام بعيد انتخاب جوزاف عون رئيسا وتشكيل حكومة برئاسة نواف سلام، واجراء تشكيلات قضائية، على وقع تغيّر موازين القوى السياسية في البلاد مع تراجع نفوذ حزب الله إثر حربه الأخيرة مع اسرائيل.
وكان الحزب طالب مرارا بتنحي البيطار واتهمه بـ”تسييس” الملف.
وفور وصولهما الى السلطة، تعهّد عون وسلام العمل على تكريس “استقلالية القضاء” ومنع التدخّل في عمله، في بلد تسوده ثقافة الإفلات من العقاب منذ عقود.
وفي بيان الإثنين، أكد رئيس الجمهورية أن “الدولة اللبنانية، بكل مؤسساتها، ملتزمة بكشف الحقيقة كاملة”، معتبرا أن “العدالة لا تعرف الاستثناءات، والقانون يطال الجميع من دون تمييز”.
وأضاف “نعمل بكل الوسائل المتاحة لضمان استكمال التحقيقات بشفافية ونزاهة، وسنواصل الضغط على كل الجهات المختصة لتقديم كل المسؤولين إلى العدالة، أيا كانت مراكزهم أو انتماءاتهم”.
وخاطب عائلات الضحايا بالقول “دماء أحبائكم لن تذهب سدى، وآلامكم لن تبقى بلا جواب. العدالة قادمة، والحساب آت”.
– “حماية الأرواح” –
بعد أكثر من عامين من الجمود القضائي، أنهى البيطار استجواب جميع المدعى عليهم من سياسيين وقادة عسكريين وأمنيين، في حين امتنع ثلاثة وزراء سابقين، إضافة الى النائب العام التمييزي السابق غسان عويدات، عن المثول أمامه وفق ما أفاد مصدر قضائي فرانس برس.
وينتظر البيطار، وفق المصدر ذاته، “استكمال بعض الإجراءات لختم التحقيق وإحالة الملف على النيابة العامة التمييزية لإبداء مطالعتها بالأساس ومن ثم إصدار القرار الظني”.
ولا يوجد حاليا أي موقوف في القضية.
وشدّد بول نجار، الذي خسر طفلته في الانفجار، في كلمة ألقاها على أن “العدالة حقنا”، مضيفا “نريد القرار الظني أمس قبل اليوم، ونريده شاملا وكاملا”.
وفي بيان مشترك الإثنين، اعتبرت منظمتا هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية أن “الطريق إلى العدالة يظل محفوفا بالتحديات السياسية والقانونية على الرغم من استئناف التحقيق”.
وطالبت المنظمتان “السلطات اللبنانية بضمان إجراء تحقيق شامل بدون عراقيل” يكشف “بدقة الحقائق والملابسات المحيطة بالانفجار، شاملا التسلسل الكامل للمسؤولية، سواء المحلية منها أم الدولية، وأن يحدد ما إذا ارتُكبت أي أعمال إجرامية أو انتهاكات لحقوق الإنسان بسبب تقاعس الدولة عن حماية أرواح الناس”.
– “الشاهد الوحيد” –
وشدّد الاتحاد الاوروبي في بيان على أن “وضع حد للإفلات من العقاب أمر أساسي لتعافي لبنان”.
وقالت المنسقة الخاصة للامم المتحدة في لبنان جينين هينيس-بلاسخارت في بيان “الضحايا، والناجون، وعائلاتهم، يستحقون محاسبة كاملة. ويستحقونها الآن”.
وتلقت عائلات الضحايا خلال السنوات الماضية وعودا بقيت حبرا على ورق.
وقالت ماريانا فودليان التي قُتلت شقيقتها في الانفجار لفرانس برس “لا نطلب أكثر من الحقيقة.. ولن نتوقف حتى نحقق العدالة الشاملة”.
وبعد محاولات من السلطات السابقة لهدم الإهراءات التي تضررت بشدة جراء الانفجار، وقّع وزير الثقافة غسان سلامة الأحد قرارا قضى بإدخالها على “لائحة الجرد العام للأبنية التاريخية”، في خطوة قال إنها جاءت “تلبية لطلب الأهالي”.
وقالت فادوليان “الإهراءات هي الشاهد الوحيد على ما أصابنا في الرابع من آب (اغسطس)”.
بور-لار/ب ق