مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد دافوس وبورتو أليغري : جدية الحوار ستكون على المحك خلال المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في الدوحة

الشعار التقليدي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس Keystone

اختتم منتدى دافوس الاقتصادي العالمي دورته الواحدة والثلاثين بعد مناقشة أبرز ضيوفه لاحتمالات النمو الاقتصادي العالمي في غياب إشارات واضحة من ألا دارة الأمريكية الجديدة وبالاعلان عن التعهد بالشروع في جولة جديدة من مفاوضات منظمة التجارة العالمية في نفس الوقت اختتم المؤتمر الاجتماعي العالمي دورته الأولى في بورتو اليغري بالتشديد على ضرورة " تأسيس تحالف واسع من اجل مجتمع جديد ولمواجهة سلطة رأس المال ". فهل هناك مجال لحوار حقيقي بين الفريقين؟ .

أنهى منتدى دافوس الاقتصادي العالمي أشغاله في جو يخيم عليه مرة أخرى ، الشعور بتضييع فرصة إجراء حوار حقيقي مع منتقدي العولمة . وقد زاد في تضخيم هذا الشعور تشديد الإجراءات الأمنية ومنع مظاهرة يوم السبت الماضي وأعمال العنف التي شهدتها مدينة زيوريخ .

فمنتدى دافوس الاقتصادي العالمي بالرغم من قيامه بخطوة محتشمة في اتجاه منتقديه عن طريق محاولة تنويع مواضيع النقاش بإدراج جلسات لمناقشة ” نظرة بلدان الجنوب للعولمة ” وبالرغم من استضافة ممثلي حوالي سبعين منظمة غير حكومية لمواصلة حوار شُرع فيه العام الماضي مع ممثلي المجتمع المدني ، بالرغم من كل هذه المحاولات لم يفلح في إقناع المنتقدين بأنه جاد في هذا الحوار .

فقد اكتفى المتدخلون في دافوس بتشخيص النقائص , وبإصدار شعارات تحذر من أخطار
” التأثيرات العكسية للعولمة ” . وحتى الرجل الأكثر غنى في العالم ومؤسس شركة مايكروسوفت “بيل جيتس” الذي كان ينتظر منه في محفل مماثل آن يتحدث عن الجيل الجديد لوسائل الاتصال، فضل توجيه إنذار لنظرائه ” لكي يولوا العناية الكافية لظاهرة مرض نقص المناعة المكتسب سيدا او ايدز ” . وحتى إعلانه بتقديم 100 مليون دولار لدعم الأبحاث في هذا المجال نظر لها على أنها ” صدقة ” وكما قال وزير المالية الهندي ” لا تنتظر بلدان الجنوب أية صدقة بل ما ترغب فيه هو التمتع بنفس الفرص وأن تعامل معاملة عادلة ” .

الخطوة العملية والشاملة الوحيدة التي ظهرت في دافوس لصالح بلدان الجنوب جاءت بمبادرة من رئيس جنوب أفريقيا طابو مبيكي الذي اقترح ” برنامج إعادة إنعاش إفريقيا خلال الألفية الجديدة ” وهي عبارة عن مخطط ” مارشال ” للنهوض بالقارة السمراء .
وقد كان الأجدى بمنظمي منتدى دافوس وبدعاة الحوار داخله من رؤساء كبريات الشركات المتعددة الجنسيات آن يكونوا هم وراء هذه الخطوة لإثبات مدى جديتهم في تفادي سلبيات العولمة .

منتقدو العولمة سواء في بورتو اليغري او في المنتدى البديل في دافوس ” عيون الجمهور على دافوس ” او منظمو مظاهرة يوم السبت ليسوا اكثر واقعية في مطالبهم. فحتى ولو أن شعاراتهم تجلب التعاطف ، مثل الدعوة إلى “عالم أفضل” والى انتقاد تأثيرات العولمة على بلدان الجنوب ، او الدعوة إلى إقامة “نظام اقتصادي وتجاري عادل ” فإنهم غير قادرين على القيام بذلك بدون حوار جاد مع كبريات الشركات وأصحاب رأس المال والمتحكمين في الاقتصاد العالمي . وليس بإقصاء هؤلاء من المؤتمر الاجتماعي في بورتو اليغري يمكن التوصل إلى بناء ” عالم أفضل ” .

فإذا كانت هذه الشعارات قد عملت على تجنيد الشارع وأدت إلى زعزعة ثقة دعاة العولمة وأرغمتهم اليوم على التفكير في الحوار مع ممثلي المجتمع المدني ، فالمطلوب اليوم من منتقدي العولمة أن يقدموا البديل . وهذا ما لم يتمكن المؤتمرون في بورتو اليغري من تقديمه بحيث تجنبوا إصدار توصيات نهائية مخافة تصدع هذا الخليط غير المتجانس من المنظمات غير الحكومية ذات الاتجاهات المتضاربة في بعض الأحيان .

لاشك أن الفائدة من كل هذه المواجهات التي تمت في دافوس وسياتل وبراغ وغيرها أنها أظهرت لكلا الطرفين أن رفض الحوار سوف لن يؤدي إلا إلى مواجهة أكثر عنفا . وأن رغبة هذا الطرف في إقصاء الآخر سوف لن تعمل إلا على تصلّب في المواقف . فهل بالإمكان إيجاد طريقة للتوفيق بين الموقفين؟ ومن بإمكانه القيام بذلك؟

فمنظمة التجارة العالمية تجد نفسها متهمة ومهاجمة على أنها ” شعار العولمة ” بكل سلبياتها . ومنظمة الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة التي كانت دوما الملاذ الأخير للعدل والإنصاف على الأقل بالنسبة لعامة الجمهور ، اختارت أن تضع يدها في يد المؤسسات المتعددة الجنسيات فيما يعرف ب “Global Compact ” وبالتالي لن يكون بإمكانها آن تكون شريكا ووسيطا في آن واحد .

هل بإمكان احتضان قطر للاجتماع الوزاري القادم لمنظمة التجارة العالمية أن يكون تلك الحلقة المفقودة بين التيارين ، وأن يتم فيه تجسيد ما صرح به أمير قطر أمام منتدى دافوس من أن المسلمين يرغبون في المشاركة في ” كتابة تاريخ العولمة ” بانتهاج “المنهج الوسط ” الذي ينص عليه الإسلام للوصول إلى “عولمة عادلة ” ؟.
وهل بإمكان قطر أن تبتكر طريقة مقبولة لامتصاص غضب معارضي العولمة والسماح لهم بالتعبير عن آرائهم وتجنب تجاوزات سوف لن تعود إلا بالسلبية على البلد ؟
هذه التساؤلات وغيرها قد تجد أجوبة خلال الأشهر القادمة .

محمد شريف – جنيف.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية