The Swiss voice in the world since 1935

“بيت كنز” تجربة رائدة لمطعم يموّل أنشطة إنسانية ومشاريع تُبقي الشباب تحت سقف بلدهم

نادل يتولى الخدمة في المطعم التابع لـ"بيت كنز" في بيروت في 14 كانون الأول/ديسمبر 2022 afp_tickers

يختلف “بيت كنز” عن سواه من منازل حيّ سرسق الراقي في بيروت، فهذا البيت التقليدي بهندسته، والذي يحتضن التراث اللبناني، هو تجربة رائدة لمطعم تُستخدم عائداته في تمويل أنشطة إنسانية ومشاريع تهدف إلى إبقاء الشباب اللبنانيين تحت سقف بلدهم بتأمين فرص عمل منتجة لهم.

وتكاد الأشجار المعمّرة تخفي شتلة الياسمين العملاقة التي رسمت على واجهة هذا البيت ذي الهندسة المعمارية التقليدية الممزوجة بلمسة عصرية، وهو أحد مشاريع جمعية “بيت البركة”.

وتأسست جمعية “بيت البركة” مع بداية الانهيار الاقتصادي في لبنان عام 2019، وتوسعت مشاريعها الخيرية منذ ذلك الحين، فأقامت تعاونية وصيدلية مجانية وتدعم مستوصفات ومستشفيات تعالج المسجلين فيها من دون مقابل، ورممت أكثر من ثلاثة آلاف منزل ونحو 670 محلاً تجارياً إضافة إلى مدارس ومبانٍ اثرية ودفعت أقساط نحو 12 ألف تلميذ ورواتب أكثر من سبعة آلاف استاذ في نحو مئة مدرسة، بحسب الإحصاءات التي توردها عن أعمالها.

لكنّ الجمعية نقلت تركيزها “من النظام الريعي إلى النظام المنتج”، بحسب مؤسِستها مايا ابراهيم شاه، وتحوّلت “من جمعية تساعدإلى جمعية توفّر فرص عمل”.

وتشرح ابراهيم شاه لوكالة فرانس برس: “أردنا أن نجعل المستفيدين من مساعداتنا منتجين”، والبيت “يوفر فرص عمل للشباب كي يبقوا في لبنان”.

وتقدّم الجمعية قروضاً “لمتخرجين لامعين” وتشجعهم “على الاستثمار وتكوين فريق عمل من الشباب والبقاء في لبنان”، بحسب الناشطة.

وتضيف “إنها فرص عمل مرتبطة بإرثنا، بالصناعات الصغيرة، بالمطبخ والأعمال اليدوية والحرفية”.

– من “المونة” إلى الحِرف-

على يمين مدخل البيت المميز بقناطره الثلاث، في الطبقة الاولى من مبنى تراثي، تقع صالة “المونة”، وهي المواد الغذائية التي درج اللبنانيون القدامى على حفظها وتخزينها للشتاء.

وتشير ابراهيم شاه إلى وعاء من الزعتر من إنتاج مجموعة نساء في العباسية بجنوب لبنان، شارحة أن “كل +المونة+ على الرفوف هي من صنع نساء تدعمهن جمعية +بيت البركة+ أو شركات صغيرة باتت تعمل فيها عائلات مسجلة لدى الجمعية”.

وتضيف “نرسل أيضا العائلات التي ندعمها لتعلم الاعمال اليدوية من الحرفيين الاصليين”.

على يسار المدخل، صالة تعرض اعمالا حرفية ، وتزين رفوفها الاواني النحاسية والزجاجية والشموع.

وتشرح ابراهيم شاه “نشتري الشموع من معمل (…) حرفي في الكرنتينا”، وهي من ضواحي بيروت القريبة جداً من المرفأ، ومن الأحياء التي دمرها الانفجار المروع الذي حصل فيه يوم 4 آب/أغسطس 2020 وأسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص.

وتقول “رممنا المعمل بعد انفجار المرفأ وساهمنا في شراء آلة له ومولّد” .

اما النحاس فمن طرابلس “حيث الانتاج محدود بسبب غياب الكهرباء والمواد الأولية “. وتسعى الجمعية إلى إحياء صناعة الزجاج على شاطىء صور حيث لم تصمد في هذه الحرفة الا عائلة واحدة.

وفي البيت مكتبة تؤمّن لروادها من أهل الحي و للمتقاعدين من أساتذة الجامعات مجموعة من الكتب وجريدتين بالفرنسية والعربية.

وفي المطعم المميز بسقفه الخشبي المنحوت، استُمدّت قائمة الطعام أيضاً من التراث. وتقول ابراهيم شاه “نقدم مثلاً الكوسا باللبن محشوة بالبرغل وليس بالارز، ففي القرن التاسع عشر لم يكن لبنان يستورد الارز” .

وتُخصص عائدات المطعم للمساهمة في تمويل أنشطة “بيت البركة” الإنسانية ومشاريع الجمعية الهادفة إلى تشغيل الشباب في وقت لامس معدل البطالة نحو ثلاثين في المئة وبات أكثر من ثمانين في المئة من سكان لبنان تحت خط الفقر، بفعل الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان منذ العام 2019 وتُعتبر الأسوأ في تاريخه،

وتضيف “في الاراضي الزراعية التي تديرها جمعية بيت البركة لدينا شجرة ياسمين معمرة، وفريقنا من خريجي المدرسة الفندقية صنع بوظة من ياسمين ويقدم حلوى بدبس الخرّوب”.

– كنز “النفسية اللبنانية”-

وتؤكد ابراهيم شاه أن هدف “بيت كنز” هو “إعادة إحياء التراث والحفاظ عليه ونقله من جيل الى اخر”.وترى أن “كل بلد يمر بأزمة اقتصادية يخسر تلقائيا نسيجه الاجتماعي، وبتلاشيه يتلاشى التاريخ والثقافة والحضارة والتراث وتتغير طريقة عيشهم واكلهم وتقاليدهم”.

ويطغى هذا الهاجس على شكل “بيت كنز” نفسه لا على محتواه فحسب. فهو اتخذ مقراً في مبنى شيد في مطلع القرن التاسع عشر في حي سرسق الراقي في بيروت، ويتألف من ثلاث طبقات، دمره بالكامل انفجار مرفأ بيروت، وتوفيت صاحبته مارغو طبال جراء اصابتها في الانفجار.

واستعانت ابراهيم شاه بأساتذة في التاريخ وبجمعية “أبساد” التي تعنى بحماية المواقع الطبيعية والمباني القديمة لاختيار كل المواد المستخدمة في ترميمه البيت بدقة، من بلاط الارضيات إلى الخشب. وتقول “أردنا ان نعيد البيت كما كان”.

وتقوم سيدة المنزل بحماسة من مكانها متوجهة إلى لوحة معلقة تضم كل الذين ساهموا في إعادة إحياء هذا المنزل، وتقول “كل ما تشاهدونه في +بيت كنز+، من الأقمشة إلى حشوات الكنبات الى الكتب والخشب والصحون وشجرة الميلاد والثريات والاضاءة والمكيفات ومقاعد الخيزران، كله حصلنا عليه مجاناً”. وتضيف: “أشعر بتأثر كبير لذلك. إنه أمر يلخص النفسية اللبنانية. إنها كنز”.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية