مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تحديّات جسيمة وخطيرة

غسان الخطيب وزير العمل الفلسطيني الجديد swissinfo.ch

بيّنت المحادثات بين الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء ارييل شارون تطابقا شبه كامل في وجهات النظر الأمريكية والإسرائيلية تجاه الحكومة الفلسطينية الجديدة والإصلاحات التي ادخلها الرئيس ياسر عرفات على أجهزة الأمن.

يقول الدكتور غسان الخطيب، وزير العمل الفلسطيني الجديد في مقابلة مع سويس انفو، ان التعديلات جاءت بعد ان وقع الرئيس عرفات على الدستور الفلسطيني وعلى قانون استقلال القضاء، مما يفتح الباب امام امكانية ترسيخ الاصلاح. وفيما يلي نص المقابلة.

ما هي اولويات الحكومة الفلسطينية الجديدة في ظل استمرار الاحتلال الاسرائيلي لمناطق الحكم الذاتي والصعوبات الجمّة التي يعيشها الفلسطينيون؟

إن هذه المهمة صعبة وخطيرة للغاية، لأنها تأتى في ظروف هي من احلك ما مرّ على الشعب الفلسطيني. بالنسبة لتحديات المرحلة القادمة، ربما نستطيع، كما يقال، أن نقرأ المكتوب من عنوانه.

فقد بادرت إسرائيل للرد على التشكيل الوزاري الفلسطيني الجديد، باقتحام مدينة رام الله وإعادة احتلالها، لكي تذكّر السلطة الفلسطينية التي تقيم في هذه المدنية، بأنه يوجد هنا سلطة واحدة، هي سلطة الاحتلال الإسرائيلي المدججة بالدبابات والطائرات والأسلحة. وبالتالي، فان إسرائيل تذكّر الرئيس ياسر عرفات بما بادرت للسعي من اجل تحقيقه تدريجيا، ولكن بثبات، وهو إلغاء وجود السلطة الفلسطينية والعودة إلى فرض سلطة الاحتلال، وهذا يملي على الحكومة الفلسطينية الجديدة ان تنظر إلى نفسها بشكل يواكب هذا التحدي، كإحدى المكوّنات السياسية الفلسطينية، التي يجب أن تضع برنامجها للمرحلة القادمة بالانسجام مع احتياجات الشعب الفلسطيني في هذه المعركة، وفي مواجهة محاولات إسرائيل إعادة احتلال المناطق الفلسطينية. لذا، يتعين على التشكيلة الوزارية الفلسطينية الجديدة أن تعمل على تعزيز الجبهة الداخلية الفلسطينية من اجل تثبيت صمود الشعب الفلسطيني وتثبيت عزيمته في معركة الانتفاضة والتصدي لإعادة الاحتلال.


ألا يبدو لك أن ما قام به الرئيس عرفات هو تغيير الجديد بالقديم؟ هل يمكن القول إن التغييرات تستجيب لتطلعات الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى، خاصة في مواجهة السيّاسة الإسرائيلية؟


إذا أخذنا هذه الخطوة، أي التشكيل الوزاري الجديد، كخطوة جزئية في سياق جملة من الخطوات والإجراءات التي تدفع باتجاه الإصلاح، لربما يحق لنا أن نتفاءل ولو قليلا. فقد جاء هذا التعديل الوزاري مندمجا مع التزام من الرئيس عرفات في مرسوم التعيين يشير إلى هذه التشكيلة باعتبارها انتقالية لحين إجراء الانتخابات.

إذن، فالرئيس ملتزم بالانتخابات وجميع الداعين الى الإصلاح في الساحة الفلسطينية، يعتبرون الانتخابات المقبلة هي الوسيلة الأساسية والجذرية لإجراء الإصلاحات. ثانيا، جاءت هذه التعديلات، بعد أن وقع الرئيس عرفات على القانون الأساسي، أي الدستور الفلسطيني وكذلك قانون استقلال القضاء، وهذا كان في صلب مطالب الحركة الإصلاحية وفي صلب مطالب المجلس التشريعي.

وبذلك، يكون الرئيس عرفات قد فتح الباب أمام إمكانيات الإصلاح التي لن تكتمل إلا إذا تم الالتزام بهذه المسائل وتعاون الجميع على تطبيقها وعلى خوض المعركة بجدية وإخلاص، لكن يجب توفر الظروف الملائمة من حيث استقرار الوضع السياسي، والاحتلال يقف عائقا كبيرا يحول دون ذلك.

الثغرة الوحيدة في الإصلاحات وفي التشكيلة الوزارية الجديدة، هي أننا كنا نأمل أن يكون التغيير أوسع من5 أو 6 حقائب إلى أكثر من ذلك. إلا أنه يجب الإقرار في المقابل بأن نوعية الحقائب التي طرأ عليها التغيير، هي الحقائب الأكثر أهمية مثل المالية والعدل والداخلية.


نلاحظ خلال تسجيل هذا الحديث، أن المروحيات الإسرائيلية تحلّق فوق مدينة رام الله وتطلق النار من أسلحتها الرشاشة، هل باعتقادك إذا ما تواصلت هذه العمليات الإسرائيلية، ستكون الحكومة الفلسطينية الجديدة قادرة على أداء مهامها وتلبية احتياجات الشعب الفلسطيني؟

بالفعل، أثناء تسجيل هذا الحديث تقوم طائرتان مروحيتان إسرائيليتان بإطلاق نيران كثيفة من مدافع رشاشة عيار 800 بشكل عشوائي، ومصادفة في حي الطيرة الذي اقطن به في رام الله. إذا استمرت هذه التصرفات الإسرائيلية، لن يستطيع أحد أن يفعل أي شيء فيما يتعلق بالإصلاحات وبتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني.

إن الفلسطينيين في معظمهم يرزحون تحت نظام منع التجول، والسلوك الإسرائيلي لا يترك، لا للشعب ولا للقيادة الفلسطينية، سوى خيار التصدي لهذا العدوان. ولذلك، ربما تفرض سياسة إسرائيل على هذا التشكيل الوزاري وبرنامج عمله، التحوّل من مهمات البناء والإصلاح إلى مهمات دعم صمود شعب يناضل ويقاوم ويقاتل ضد جيش إسرائيلي يحاول إعادة احتلاله.

أنت تولّيت حقيبة وزارية مهمة جدا في الظرف الحالي، هي وزارة العمل. إذا ما أخذنا في الاعتبار معدلات البطالة في المناطق الفلسطينية إلى جانب مضاعفات الحصار المطبق الذي تفرضه إسرائيل على كل المناطق الفلسطينية، ما هي الأولويات العاجلة والملحة بالنسبة لهذه الوزارة فيما يتعلق بتلبية احتياجات الفلسطينيين في توفير مواطن العمل؟


إن هذه المعركة التي نعيشها خلال الانتفاضة، لها بعد اقتصادي كبير، ربما الأكثر أهمية والأكثر خطورة بالنسبة للفلسطينيين. فإسرائيل تعتمد العقوبات الاقتصادية كوسيلة لإضعاف وإحباط الشعب الفلسطيني وإنهاك قدرته على المقاومة ودفعه إلى الاستسلام.

ومن سوء الحظ أن عبء المعركة الاقتصادية لا يقع بالتساوي على كاهل الفئات الاجتماعية الفلسطينية المختلفة، لان العبء الأثقل يقع على كاهل الطبقة العاملة التي فقد اكثر من نصفها مواطن العمل واصبحوا عاطلين بدون أي دخل. وهنا تكمن المأساة الاجتماعية والسياسية، لان الطبقة العاملة تحمل من جهة عبء الانتفاضة الأساسي، سواء تعلق الأمر بالأوضاع الاقتصادية المتردية أو بعدد الشهداء والجرحى والمعتقلين الذين تقدمهم. فالوقود الأساسي للانتفاضة ياتي من الفئات الضعيفة اجتماعيا والمسحوقة اقتصاديا. لذا، فان المهمة جسيمة وخطيرة جدا وهي مرتبطة بتعزيز وتمتين قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود.

هل تعتقد دكتور غسان الخطيب، أن الرئيس عرفات سيمضي قدما في إصلاح الأجهزة الأمنية الفلسطينية، خصوصا بعد أن عيّن وزيرا جديدا للداخلية في أول بادرة من نوعها داخل السلطة الوطنية؟

أود الإشارة هنا إلى أن الرئيس عرفات استطاع من خلال الإصلاحات والتعديلات التي شملت المجال الأمني، أن يتلافى تحقيق المطالب الأمريكية، واستطاع ان يفتح الباب أمام إمكانية إجراء الإصلاحات التي يريدها الشعب الفلسطيني، وهي تحديدا إخضاع الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى القانون والنظام، لأنها حتى الآن ظلت فوق القانون، وهو ما يجعلها عبء على المواطن الفلسطيني بدل أن تكون سندا له.

كما أن عدم توحيد الأجهزة الأمنية خلال الحقبة السابقة وتضارب أعمالها وتداخلها، شكلت هي أيضا عبء على الإنسان المواطن. لذا، فان جمع هذه الأجهزة تحت وزارة واحدة يعطي الفرصة لجعلها خاضعة للقانون وليست فوقه، بحكم إقرار السلطة الوطنية بسيادة القانون. لكن الكثير من ذلك سيتوقف على التعاون والعمل الجماعي، سواء داخل المجلس الوزاري أو داخل الأجهزة الأمنية، ويمكن اعتبار القرارات الأخيرة خطوة في الاتجاه الصحيح.

سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية