مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تصريحات جريئة أم توجه جديـد؟

نادية مع والدها الأستاذ عبد السلام ياسين مرشد جماعة العدل والإحسان في صورة التقطت يوم 5 يونيو 2005 (المصدر: موقع ياسين.نت) swissinfo.ch

لا زالت التصريحات التي أدلت بها نادية ياسين، كريمة الشيخ عبد السلام ياسين مرشد جماعة العدل والإحسان الأصولية شبه المحظورة حول الملكية بالمغرب، تثير الكثير من النقاش والتعليقات.

ويتساءل الجميع في المغرب: هل تعبّـر هذه التصريحات عن آراء نادية الشخصية، أم أنها توجُّـه جديد لجماعة العدل والإحسان؟

نُـشرت تصريحات ياسين (التي أثارت الغضب الشديد للقصر الملكي من مضمونها) في صحيفة “الأسبوعية الجديدة” المغربية، ودعت فيها إلى قيام نظام جمهوري بدلا من النظام الملكي في البلاد، واعتبرت أنه النظام الأقرب للشريعة الإسلامية.

وقالت ناديا ياسين إن النظام الملكي شتيمة وظُـلما سياسيا يقع على المغاربة، ولم يعد صالحا للمغرب،وأن المغاربة ليسوا مُـلزمين بقبول هذا النظام إلى يوم القيامة. وتوقّـعت أن يكون سقوط هذا النظام وشيكا، مضيفة بأن المغاربة بدون ملك لن يموتوا.

محاكمة

وإذا كانت تصريحات ناديا ياسين “النظرية” حول الملكية قد مسّـت النظام الملكي، فإن تصريحاتها السياسية مسّـت الملك شخصيا بالانتقادات القاسية التي وجّـهتها إلى برنامج التنمية البشرية، دعت إليه مؤخرا، كما تحدثت بسُـخرية من تقديمه للفقراء وجبات إفطار رمضانية وقالت إن هذا العمل من اختصاص الجمعيات الخيرية، وليست من مشاغل المؤسسة الملكية.

هذه التصريحات والاجتهادات ليست سابقة لنادية ياسين، فقد أعلنت خلال زيارة لها للولايات المتحدة شهر مايو الماضي بمضمون ما أعلنته في المغرب، وإن كانت تصريحاتها الأخيرة أكثر تفصيلا ووضوحا.

ومن المعروف عن ناديا ياسين جرأتها في انتقاد كافة السلطات والمؤسسات المغربية، لكنها في تصريحاتها الأخيرة مسّـت ما هو مقدّس مغربيا، وفق الدستور والقانون المغربي، حيث مسّـت المؤسسة بالدعوة لقيام نظام جمهوري وإسقاط الملكية والشخص من خلال نقد الملك محمد السادس.

وبعد أن قامت السلطات باستدعاء ناديا ياسين للتحقيق حول صحّـة تصريحاتها والتأكّـد من موقفها (ومعها استدعي مدير الصحيفة التي نشرت الحوار، والصحافيين الذين اجروا الحوار معها، ومدير المطبعة، ومدير شركة التوزيع)، قرر وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالرباط، يوم الخميس 9 يونيو 2005، المتابعة القضائية للأستاذة نادية ياسين في حالة سراح.

ووجه إليها تهمة المشاركة في جنحة المس بالنظام الملكي والإخلال بالاحترام الواجب للملك، حسب ما ينص على ذلك الفصل 41 من القانون الجنائي في فقرتيه الأولى والثانية، وتحدد يوم 26 يونيو الجاري تاريخا للمحاكمة.

تساؤلات

قالت مصادر مقرّبة من نادية ياسين لسويس انفو، إن نادية أكدت خلال التحقيق معها أنها متمسّـكة بما أدلت به، إلا أنها شدّدت على أن آراءها الشخصية كمثقفة وأكاديمية، وليست آراء الجماعة التي تنتمي إليها.

إلا أن تأكيدات ياسين حول عدم علاقة جماعة العدل والإحسان بآرائها لم يكن مانعا للشرطة من سؤالها حول موقف الجماعة أو بخصوص تعليقات نشرتها صُـحف مغربية عن مخاوف تسود أوساط الفعل السياسي المغربي من أن يكون هناك تحوّلا في مواقف الجماعة من النظام الملكي، خاصة وأن فتح الله أرسلان، الناطق باسم الجماعة، رغم تكراره لما صرحت به ناديا ياسين من مسؤوليتها الشخصية، فإن الجماعة لم تُـدن أو تندّد بالتصريحات، بل انتقدت استدعاء ياسين للتحقيق، وأعاد موقع الجماعة على الانترنيت نشر التصريحات “من باب الاطّـلاع”.

وتعتبر جماعة العدل والإحسان، وهي شبه محظورة، من أقوى الجماعات الأصولية المغربية، ورغم مواقفها النظرية المتشددة، إلا أنها تنبذ العنف وتندِّد به. وترفض السلطات منحها الترخيص القانوني للنشاط العلني، لأن الجماعة، وإن كانت لا ترفض الملكية، إلا أنها ترفض الاعتراف بالملك أميرا للمؤمنين، وفي الوقت نفسه تقاطع الانتخابات والاستفتاءات، وفي بعض الأحيان تنتقدها بشدة.

ومنذ هجمات 11 سبتمبر على نيويورك وواشنطن، دخلت الجماعة مرحلة الكُـمون، وباستثناء نشاطات تتعلق بالقضية الفلسطينية أو العدوان الأمريكي على العراق منذ 2003، (حيث كان واضحا حِـرصها على حضور متميز وقوي)، فإنها فضلت الاكتفاء بالعمل الصامت بدون ضجيج أو إعلام، وحتى في الهجمات الانتحارية التي تعرّضت لها الدار البيضاء يوم 16 مايو 2003، واصلت الجماعة كُـمونها، وهو ما كان مَـحلّ تساؤلات وانشغالات أيضا.

بعد 11 سبتمبر، تعرّضت التيارات الأصولية الاسلامية إلى ملاحقة الولايات المتحدة وحلفائها ومراقبتها، أما في أعقاب 16 مايو، فقد كانت كل التيارات الأصولية المغربية موضِـع اتهام وملاحقة، وشُـنّـت ضد التيارات المتشددة حملات أمنية شرسة، وتعرض نشطاؤها إلى الاعتقال والمحاكمة والسجن، كما تعرضت التيارات المعتدلة إلى حملة إعلامية حمّـلتها “المسؤولية المعنوية” عن الهجمات الانتحارية، إلا أن جماعة العدل والإحسان كانت بمنأى عن الحملات الأمنية والحملات الإعلامية، ولم تتوقف جولات نشطائها في العواصم الأوروبية، وتكثف الحوار مع السفارة الأمريكية بالرباط، بل إن انطلاقة تصريحات نادية ياسين المثيرة للجدل كانت من الولايات المتحدة.

بــالــون اختبار؟

من جهة أخرى، ذهبت مصادر صحفية إلى الحديث عن استدعاء وزارة الخارجية المغربية للسفير الأمريكي بالرباط توماس ريلي للاستفسار منه حول موقف ممّـا ورد في تصريحات ياسين، وحسب نفس هذه المصادر، فإن السفارة الأمريكية “تتحفظ على المتابعة القضائية” لنادية ياسين، لأن ما أدلت به يدخل “في إطار حرية الرأي والتعبير”.

والسؤال الذي تصعب، حتى الآن، الإجابة عليه: “هل أن تصريحات نادية ياسين، تمثل موقفا واجتهادا شخصيا، (وهنا لا بد من التذكير بأنها وإن كانت ليست عضوا في مجلس الإرشاد للجماعة أو ناطقة رسمية باسمها، إلا أنها ليست ناشطة عادية بالجماعة، فهي ابنة مرشدها وذات علاقة متميزة معه، فهي الأقرب إليه، والأكثر تعبيرا عما يجول بخاطره من أفكار)، أم أن التصريحات هي موقف الجماعة، ولم تكن سوى بالون اختبار في المشهد السياسي المغربي أو محاولة لتقديم مثير في هذا المشهد لمعركة تعد لها الجماعة وتريد أن تتحسس طريقها، من خلال التعرف على رد فعل السلطات أو الفاعلين السياسيين أو رد فعل الخارج، خاصة الولايات المتحدة، على تعاطي السلطات المغربية مع أفكار من هذا القبيل تمهيدا لمعرفة رد فعله على مواجهات في الشارع، على غرار ما يجري في شوارع القاهرة منذ عدة أسابيع؟؟

محمود معروف – الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية