مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تطور تاريخي رغم الصعوبات والمخاوف

هل تتحول تركيا في حال انضمامها إلى الإتحاد من رأس حربة العالم الإسلامي داخل أوروبا إلى رأس حربة الإتحاد داخل العالم الإسلامي؟ swissinfo.ch

"إنها معجزة": بهذه العبارة وصف الأكاديمي التركي محمد ألتان قرار الاتحاد الأوروبي بدء مفاوضات العضوية مع تركيا، فيما قال محمد علي بيراند، المعلق التلفزيوني المعروف بأنه "اليوم الأسعد في حياتي".

نعم تستطيع تركيا أن تحتفل بالإنتصار الذي أنجزته يوم 3 أكتوبر، ولكن …

تستطيع تركيا أن تحتفل بالانتصار فهي لم تتخلّ عن خطوطها الحمر التي وضعتها: لا للإعتراف بقبرص اليونانية، لا للإعتراف بالإبادة الأرمنية، لا للشراكة المميزة كهدف لمفاوضات العضوية. وعلى هذا الأساس خاضت انقرة “حرب أعصاب” وعض أصابع حقيقية. وكما في كل محطة تاريخية، كان القرار النهائي من نصيب اللحظات الأخيرة قبل دقائق من حلول منتصف ليل الثالث من تشرين الأول – أكتوبر 2005.

انتظرت تركيا 42 عاماً لتبدأ مفاوضات العضوية، تخللتها محطات مهمة: بروتوكول 1963، الوحدة الجمركية (1996)، قبولها كعضو مرشح للإنضام (1999)، اتخاذ قرار ببدء المفاوضات (2004) ثم البدء الفعلي للمفاوضات يوم الثالث من أكتوبر (2005).

من هذا السياق العام، نرى أن المسار التركي الأوروبي يتقدم نحو هدفه النهائي الذي حددته “وثيقة إطار المفاوضات” وهو “العضوية الكاملة”، وإن كان يشوب البطء هذا المسار والذي تتحمل مسؤوليته القوى التركية التي كانت تتوالى على السلطة والتي كانت ترفع الأوربة مجرد شعار لحماية مصالحها التي لا تمت بصلة لا للعلمنة ولا للحداثة.

لذا كانت مفارقة أن تتم “ثورة” التقدم على الطريق الأوروبي على يد حزب العدالة والتنمية، ذي الطابع الإسلامي، والتي وصفت بـ “الثورة الصامتة”، بحيث انتقلت كرة قرار بدء مفاوضات العضوية من ملعب تركيا إلى ملعب الاتحاد الأوروبي.

إنجاز تاريخي ونقطتان مزعجتان

لقد ظهرت عدة عقبات قبل اتخاذ قرار بدء المفاوضات. أولها الطلب من أنقرة التطبيق الحرفي للبروتوكول الجمركي والسماح للسفن والطائرات القبرصية اليونانية باستخدام المرافىء والمطارات التركية. وحلّت هذه العقدة بتطبيق ذلك خلال عملية المفاوضات.

وبرزت فجأة عقدة النمسا التي طالبت بـ “شراكة مميزة” مع تركيا في حال تعثر المفاوضات. ولم تتخلّ النمسا عن إصرارها إلا في اللحظات الأخيرة. ومن الواضح أنه من غير المعقول والمنطقي أن تقف دولة صغيرة مثل النمسا في مواجهة 24 دولة.

وفي واقع الأمر، لقد كانت النمسا مجرد واجهة للمواقف الأوروبية التي لا تريد إلزام نفسها منذ الآن بالعضوية الكاملة لتركيا ومحاولة الضغط لقبول تركيا بالشراكة المميزة. وكان للموقف الحازم لأردوغان أثره في تراجع الأوروبيين عن هذا المطلب مما فتح الباب أمام بدء المفاوضات.

لم يحصل الأتراك على كل ما كانوا يريدونه. لكنهم، قياساً إلى الهدف الأكبر، حققوا إنجازاً تاريخياً. نقطتان فقط أزعجتا الأتراك: أولاً، المادة السابعة من وثيقة الإطار التي تتيح، ضمناً، لقبرص اليونانية الانضمام إلى حلف الناتو من دون اعتراض تركيا، التي لها حق الفيتو داخل الناتو على انضمام اي عضو جديد. وبذلك تفقد تركيا ورقة الضغط الوحيدة التي كانت تملكها ضد قبرص اليونانية. ثانياً، ورود عبارة “قدرة الاتحاد الأوروبي على هضم” تركيا، كشرط لقبول تركيا في النهاية، ما قد يفتح الباب أمام متاعب تركية في المستقبل.

لكن في المقابل، بدء مفاوضات العضوية يفضي إلى تقوية هائلة لسلطة أردوغان وحزبه، ويحوّله إلى ملك تركيا غير المتوّج، الذي يفيض عن أي منصب في الدولة. لقد وضع أردوغان كل رهانه لدى الاتحاد الأوروبي وفي هذا جزءٌ مهم من تصميمه حتى النهاية للمضي على درب المعايير الأوروبية. ويقول البعض إن استمرار هذا التصميم بهذه الوتيرة كفيلٌ بتجاوز أي عقبات مستقبلية أمام تركيا.

عصر جديد

إن بدء مفاوضات العضوية سيطلق بلا شك ديناميكية داخلية تركية غير مسبوقة لتجذير الديمقراطية ورفع مستوى الرفاهية الاقتصادية، والسعي لوضع حقوق الإنسان (الأكراد، العلويين والمسيحيين) موضع التجسيد العملي. وفي ذلك تعزيز للاستقرار الاجتماعي والسياسي وانتقال بالبلد إلى مستوى آخر من المعايير وفقاً للنمط الأوروبي، والخروج من نظام الاستبداد والتمييز الذي يسم جميع الأنظمة الحاكمة في الدول الإسلامية.

ان بدء المفاوضات سيكون الرافعة التي تدخل تركيا في عصر جديد من نظام العدل الاجتماعي وسيادة الحريات والمواطنية المتكافئة التي ستكون نموذجاً قابلاً للإعجاب، ربما، من العديد من المجتمعات الإسلامية. ومن المؤكد أن تركيا وهي ذاهبة إلى العضوية الكاملة للإتحاد الأوروبي ستكون بلا شك أقوى مما هي دون ذلك.

يقول محمد علي بيراند “إن بدء المفاوضات سيغير نظرة جيران تركيا، وأوروبا نفسها إلى تركيا. ستصبح تركيا منذ الآن صورة تظللها الأعلام الأوروبية والهلال سيأخذ موقعه بين النجوم الأوروبية الخمسة والعشرين. ستصبح تركيا أكثر اعتباراً واحتراماً من جيرانها وبالتالي نفوذاً وتأثيراً، في ابعادها الاسلامية والتركية (من عالم تركي) والقوقازية والشرق أوسطية”.

الخشية .. والنتائج

الخشية، في المقابل، ربما تكون محصورة في مفهوم الهوية الإسلامية للمجتمع التركي، وهو الاعتراض الأساسي للأصوليين، وحتى القلق لكل المسلمين، في تركيا. فرغم العلمانية المشوّهة المطبقة في تركيا، فإن “القوانين” الشرعية الإسلامية تأخذ طريقها إلى التطبيق حتى خارج القوانين الرسمية. ولا تزال المشاعر العامة للتضامن وحتى التنسيق مع الشعوب الإسلامية هو الأساس.

الخشية هو في أن يُـفـقـد النظام الحقوقي الأوروبي، المتعارض في كثير من بنوده مع نظام الشريعة الإسلامي، المجتمعَ التركي هويته الإسلامية بما هي هوية أمّة وجماعة وأن يُنزلها إلى مصاف مجرد هوية فردية كما هو حال جميع المسلمين في أوروبا: الإسلام خيار فردي يخص الفرد وحده، تماماً كما هوحال الفرد المسيحي، وهو ما يخالف جوهر الإسلام بما هو “روح جماعة وروح أمة”.

إن الخشية هنا لا تعني القطع بما ستكون عليه النتائج. لكن مؤشرات ذلك (منع الحجاب، الزنا، عقوبة الإعدام، وغيرها) توجب طرح علامات استفهام متعددة. فهل يتحول 70 مليون مسلم تركي، بعضوية الاتحاد الأوروبي، من زاوية الهوية الدينية، إلى مجرد أرقام تضاف إلى العشرين مليون مسلماً يعيشون الآن في أوروبا؟ الإجابة القاطعة منذ الآن على هذا السؤال الجوهري غير ممكنة لكن السؤال مستحقٌ منذ الآن.

آمـال وتحديات

لن تترك أوروبا، ولا الغرب، تركيا خارج منظومتها. هذا اختراق استثنائي لمسار التاريخ العالمي. من تركيا رأس حربة العالم الإسلامي داخل أوروبا إلى تركيا جزءٍ من اتحاد أوروبي وربما رأس حربته داخل العالم الإسلامي، هو الإستثناء بحد ذاته. هذا يحدث للمرة الأولى منذ انقلاب المعادلة في الاناضول عام 1070 (موقعة ملازكرد) وهزيمة البيزنطيين على يد الأتراك، وانفتاح آسيا الصغرى وجنوب شرق أوروبا أمام الأتراك. الصورة قد تكون معكوسة مع تركيا جزءٍ من الإتحاد الأوروبي.

لكن هذا رهينة عامل أساسي أن تكون لأوروبا بعد سنوات سياسة خارجية ودفاعية واحدة تُلزم كل أعضائها. وإلا فإن استمرار الآليات الحالية للاتحاد الأوروبي، المنقسم على نفسه في أكثر من قضية خارجية والعاجز حتى الآن عن ايجاد سياسة دفاعية موحدة، سيتيح لتركيا حرية الحركة المستقلة، ويفقد الاتحاد فرصة تحوّله إلى قوة عالمية قاعدتها ضفة الاطلسي ورأسها ومخالبها في عمق الشرق الأوسط وآسيا.

وأوروبا، ببدء مفاوضات العضوية مع دولة مسلمة، خرجت للمرة الأولى، وإن كان ذلك يستلزم المزيد من الأدلة، من كونها “نادياً مسيحياً”. لقد تحدّاها أردوغان وهي قبلت التحدي. أوروبا عطّلت، ببدء المفاوضات، لغم الحساسيات الدينية والعرقية الذي كان سينفجر أو يتهيأ للانفجار في ما لو لم تبدأ المفاوضات.

المفاوضات إذن تمنح المزيد من الثقة المتبادلة بين الجاليات الإسلامية في أوروبا والمجتمعات التي تعيش معها، كما تقلّص من الشكوك المتجذرة والتقليدية لدى العالم الإسلامي تجاه النوايا الغربية.

لذلك يمكن القول أن أوروبا مع تركيا، ستكون أكثر أمناً واستقراراً وقوة.. وأن تركيا مع أوروبا، ستصبح أكثر حداثة ورفاهية وأدوارا اقليمية وعالمية..

د. محمد نورالدين – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية