مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تعثر الحوار بين ممثلين عن القبائل والحكومة

ملف القبائل المعلق بين الحكومة والأطراف القابلة للحوار والرافضين له ليس إلا وجها من أوجه الأزمة الجزائرية المعقدة swissinfo.ch

للمرة الثانية في أقل من شهر، تقرر الحكومة الجزائرية تأجيل لقائها العلني مع ممثلي القبائل الذين وافقوا على الحوار مع السلطات. ويأتي هذا التأجيل في وقت كان من المنتظر أن يُعلن فيه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن قرارات هامة جدا تتعلق بمستقبل مطالب بربر الجزائر، الذين دبت الخلافات الشديدة فيما بينهم عقب تأجيل الحكومة اللقاء مع ممثليهم مرتين بعد بداية العام الجديد بأسبوع فقط.

مُباشرة بعد إعلان الحكومة الجزائرية عن تأجيل لقاءها مع ممثلي القبائل العروشية، ساد جو متوتر في عدد من القرى القبائلية، على خلفية جدية الحكومة أو تلاعبها، بالمطالب البربرية والمتمثلة أساسا في اعتماد اللغة البربرية لغة رسمية في البلاد إلى جانب اللغة العربية.

جاءت هذه التطورات الأخيرة في وقت أكد فيه المفاوض المباشر للقبائل مع الحكومة، حسن سرياك، عن إعلان قريب للرئيس الجزائري لما وصفه بـ:”دسترة” اللغة البربرية أي وضعها كلغة رسمية في الدستور الجزائري، إلا أن شيئا من هذا لم يحدث، بل لم تعلن الحكومة في المقابل عن أي موعد للقاء مرتقب مع القبائل.

وعلمت سويس إنفو أن الخلاف الجوهري لم يكن في اعتماد اللغة البربرية، بل في انضمام القبائل المحاورين للحكومة إلى صف المعارضين للحوار معها حول مسألة إخراج قوات الدرك من بلاد القبائل. وهو ما اعتبر نصرا للرافضين للحوار مع الحكومة وتأكيدا على مدى نفوذ سعيد سعدي، زعيم التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية، الذي ثبت أن له موالين في صف الوفد المفاوض للحكومة.

ويشدد المحتجون على الحوار مع الحكومة على نقطة أخرى، وتتمثل في كون حسن سرياك، من أقرب المقربين إلى الرئيس الجزائري، وأنه مُتدين بطبعه، ولا يُعادي الإسلاميين، وأن سرياك يُعطي انطباعا بأنه يُدافع عن توجهات من يُعرفون بالمحافظين داخل أجهزة الدولة. وعن هذا الموقف، يقول الهاشمي الشريف، رئيس الحركة الديموقراطية الاجتماعية، وهي التي خلفت الحزب الشيوعي الجزائري السابق: “كأن الحكم يريد إيجاد مرآة لنفسه، داخل الحركة في منطقة البربر، لذلك نحن نرى أن الشرط الأساسي لتلبية المطالب المتعلقة بالهوية الوطنية، هو أن تنقلب موازين القوى داخل الدولة الجزائرية، لصالح القوى الديموقراطية، أي لغير صالح الحركة الإسلامية، والقوى المحافظة داخل الحكم التقليدي”

استمرار سياسة فرق..تسد

وكما كان منتظرا، طفت إلى السطح مرة أخرى الدعوات الانفصالية، تماما كما حدث في الفترة التي سبقت المحادثات. وتداولت أوساط قبائلية كثيرة فكرة استقلال ذاتي بسبب ما وُصف بالتلاعب بهويتهم من قبل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الذي يريد أن يفرض على منطقتهم اتجاها عربيا إسلاميا لا يقبلون به، على حد قول فرحات مهني، أحد الدعاة البارزين لفكرة استقلال بلاد القبائل.

وبسبب التناقض الذي بدا على مواقف الحكومة والعناصر القبائلية المتفاوضة معها، تساءل بعض المتتبعين عن دور المؤسسة العسكرية، وما يجب عليها فعله، أو على الأقل عما يمكنها فعله في المرحلة الحالية في منطقة مثل القبائل. فالبعض يتحدث عن عودة تدريجية للعسكر إلى بلاد القبائل دون ضجيج، عبر استعمال ورقة محاربة الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي يتزعمها حسن حطاب، وهو الذي يعتبر بلاد القبائل قلب منطقة عملياته ضد الجيش، وقوات الأمن بشكل عام.

من ناحية أخرى، لم يتسرب شيء كثير عن سبب إعلان مبعوث الرئيس الجزائري للتحقيق في أحداث بلاد القبائل، محند إيسعد، من أن قوات الدرك التي ارتكبت التجاوزات الخطيرة في بلاد القبائل، وقتلت ثمانين شابا، معروفة بشكل شبه تام، وأن أسماء القتلة من رجال الدرك معروفة، خلافا لما جاء في بيان الرئاسة الجزائري، قبل حوالي ثلاثة أشهر، والذي اتهم قوات الدرك بشكل عام، ولم يُظهر أن أسماء بعض من أطلق النار صوب المتظاهرين القبائل، معروفة لدى السلطات.

ويرى المراقبون، أن هناك تداولا لسياسة: “فرق تسد”، وبشكل يُشبه ما كان مُتبعا في الماضي، إلا أن الهاشمي الشريف، زعيم الحزب الديموقراطي يرى رأيا آخر حول سياسة “فرق تسد”، إذ يقول: فعلا هي موجودة ولكن على مستوى ثانوي، فقلب الأزمة، كامن في جوهر الدولة الحالية ذاتها، فنحن نرى من الممكن أن يُلبي الحكم المطلب الأمازيغي شكلا، وذلك أن يتم اعتماد لغة البربر في الدستور، كما جاء في بيان رئاسة الحكومة، ولكن الدسترة شيء، والعمل بالدستور شيء آخر”.

ووسط هذا الخلاف المزمن بين السلطات والأمازيغ بشقيهم المحاور والمعارض، ووسط تباين صارخ بين التيارات العلمانية ونظيرتها الإسلامية والوطنية، لا يمكن إلا توقع المزيد من التناقض في المواقف مستقبلا، ليس بسبب حساسية مطالب البربر فحسب، بل بسبب قبول أو رفض مقومات الهوية الوطنية الأخرى بعد لغة البربر وثقافتهم، أي العروبة والإسلام.

هيثم رباني – الجزائر

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية