مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تعقيدات الحوار مع الغرب

"قبل التحاور مع الغرب يجب أن نتعلم الحوار فيما بيننا": مشارك في ندوة تونس swissinfo.ch

نظمت جمعية البرلمانيين التونسيين يومي 24 و25 سبتمبر ندوة في تونس تحت عنوان "حوار الحضارات والتضامن الدولي"، بحثت وسائل التحاور مع الغرب بعد أحداث الحادي عشر سبتمبر.

وجاءت هذه الندوة كبادرة سمحت للبرلمانيين التونسيين بعرض مختلف المواقف من طبيعة وشروط وأهداف الحوار مع الغرب.

بمشاركة نخبة من المثقفين ورجال السياسة من تونس والجزائر والمغرب ومصر ولبنان، وبحضور نظراء لهم من الولايات المتحدة الأمريكية والنمسا وفرنسا وبلجيكا، نظّـمت جمعية البرلمانيين التونسيين ندوة دولية تحت شعار “حوار الحضارات والتضامن الدولي”.

وقد ساهمت هذه الندوة التي اغلب حضورها من البرلمانيين في استعراض وجهات نظر بعض الشخصيات الهامة لهذا الحوار، مثل أمين عام الجامعة العربية الأسبق الشاذلي القليبي، الذي انتقد نظرية الأمريكي سامويل هانتينغتن حول صراع الحضارات.

فلئن وافق القليبي هانتينغتن في تعبيره “بصراحة أمريكية معهودة” عن أن الصراع بين الحضارة الغربية وباقي الحضارات ” نابع من إرادة الهيمنة الغربية من جهة، وإرادة التحرر والدفاع عن النفس من جهة أخرى”، فإنه يرفض “وصف الحضارة الإسلامية بأنها حضارة تقهقر”.

أما رئيس جامعة جورج واشنطن، جويل تراشتنبيرغ، فقد تحدث عن شخصية سيدنا ابراهيم وتساءل هل انحدارنا من أصل واحد غير قادر على الجمع بيننا بدل تفريقنا؟ وقد فضل المتحدث الأمريكي التركيز على أن أحسن وسيلة لزرع بذور الحوار بين الأعراق والأديان، هي مناهج التعليم. وكعربون عن التحول من القول الى الفعل، اقترح تخصيص جامعته منحة لطالب تونسي، مبديا أملا في ان تقوم الدول العربية والإسلامية بنفس الخطوة “لكي تسمح المبادلات بين الطلبة والشباب بمحو الأفكار المسبقة المتراكمة لدى كل طرف”.

الحوار والفعل!

غير أن النقاش في الندوة التونسية اتخذ في بعض الأحيان طابعا أكاديميا، لاسيما عندما تطرق المدير العام للمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون عبد الوهاب بوحديبة لسرد تاريخ الحضارات التي تعايشت على أرض تونس، أو عندما تناول الأستاذ في الجامعة التونسية محمد حسين فنطر، وهو مشرف على “كرسي الرئيس بن علي لحوار الحضارات والأديان” لموضوع “التسامح أو الاعتراف بالآخر”.

وما لفت الانتباه، أن المشاركين الغربيين في الندوة اختاروا الحديث عن مواضيع تاريخية للتعايش بدل الحديث عن الواقع الذي نعيشه اليوم. فالنمساوي لوسيان مايزلس أعاد المشاركين الى حقبة التعايش الطوعي او المكره أثناء التوغل العثماني في النمسا. أما الوزير البلجيكي السابق، روبير اوربان، فتمحورت مداخلته حول التدخل الغربي في أزمة البلقان وأبعادها السياسية والثقافية. ولئن تطرق ممثل مجلس الشيوخ الفرنسي، جون بيير فوركاد، إلى تجربة التعايش اليوم بين الفرنسيين والمغتربين العرب في فرنسا، فإنه تناولها من خلال تجربة محدودة في المدينة التي هو عمدتها.

مساهمة عملية من أجل التضامن الدولي

ولتغطية الجانب الثاني من شعار الندوة “التضامن الدولي”، استمع المشاركون لتدخل نائب المفوض السامي لشؤون اللاجئين، كمال مرجان الذي استعرض واقع العالم، وبالأخص في الدول الفقيرة، في زمن تراجع فيه التضامن الدولي”. وقد ذكّـر السيد مرجان بأن 23 % من سكان العالم يعيشون دون مستوى الفقر وبتراجع المساعدات الدولية من 116 مليار دولار في عام 1996 إلى 56 مليار دولار حاليا.

وقال رئيس مجلس النواب التونسي فؤاد المبزع ” إن خاصية هذه الندوة كونها حرصت على الربط بين الحوار والتضامن الدولي”. ولربما أن أحسن مشاركة عملية تقدمها تونس في هذا الإطار كما جاء على لسان العديد من المتدخلين، اقتراحها على أمين عام منظمة الأمم المتحدة اعتماد إنشاء صندوق تضامن دولي انطلاقا من تجربة صندوق التضامن الوطني في تونس القائم منذ بداية التسعينات.

“الحوار مسألة حضارية قد يطول مشوارها”

المبادرة التي قامت بها جمعية البرلمانين التونسيين كما قال رئيسها السيد قاسم بوسنينة، هي مساهمة أولية قد تُـعتمد كمرجعية في طريق البحث عن صيغة لحوار الحضارات والتضامن الدولي. وقد ساهمت كلمة الوزير أحمد عياض الودرني، وهو مدير ديوان الرئيس بن علي، في طرح العديد من التساؤلات، لعل أهمها، “هل يمكن أن نُخضع قراءتنا للماضي والحاضر لقراءة حضارية واحدة؟ وهل يمكن أن نقبل أي شكل من أشكال التمييز بين الأديان والقيم الحضارية؟

غير أن طرح هذه التساؤلات أمام محفل يشاطر في غالبيته هذا التفكير، دفع بعض المشاركين الى التساؤل عن جدوى الحديث إلى الذات بدل الحوار مع الطرف الآخر، خصوصا إذا ما كانت الآراء متباينة. وقد تساءل عدد من المتدخلين، كيف يمكن التحاورمع قوة، مثل الولايات المتحدة، تطبق سياسة الكيل بمكيالين في كل من العراق وفلسطين؟ وانتقد البعض، تركيز المحاضرين على احداث 11 سبتمبر ومسؤولية الإعلام في الترويج لها، علما أن ضحايا الإرهاب وبالأخص في المنطقة العربية يعود الى ما قبل هذا التاريخ بكثير.

ولئن جرى هذا الحوار أمام أرضية تنحدر من نفس الحضارة وتشاطر في معظمها نفس القيم فيما يتعلق بمحاورة الآخر الذي ينتمي الى حضارة أخرى، فإنه سمح للبعض بطرح ضرورة التحاور فيما بين أبناء الوطن الواحد والثقافة الواحدة والحضارة الواحدة. وفي هذا الصدد، تساءلت عضوة في مجلس النواب التونسي، “هل يمكن للحوار أن يتم بدون حرية الرأي”؟ بينما علق ممثل برلماني بأنه” قبل التحاور مع الغرب، يجب أن نتعلم الحوار فيما بيننا”.

وقد اعتبر الوزير عياض الودرني، أن “ضغط الظرف ربما قد يؤثر في جودة التفكير في طريقة الحوار”. لكن هذا لا يمنع من القول إن جمعية البرلمانيين التونسيين قد سمحت على الأقل بفتح نقاش داخلي حول تصور حوار الحضارات على أمل الوصول مستقبلا إلى تصور عربي وإسلامي، يسمح بمخاطبة الغرب بلغة موحدة ومتماسكة، بدل الإكثار من الندوات الجدلية التي قد تكون قليلة الفائدة.

محمد شريف – سويس إنفو – تونس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية