مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جدار الفصل .. ماذا بعد انتهاء المرافعات؟

صدور حكم ينفى أهلية المحكمة للنظر في قضية الجدار أو يشكك فيها سوف يمثل بلا شك الإحتمال الأكثر سوءا بالنسبة للفلسطينيين Keystone

مع انتهاء المرافعات أمام محكمة العدل الدولية بشأن الجدار الإسرائيلي الفاصل، بدأت مرحلة الترقب والانتظار لحكم المحكمة.

والترقب هنا راجع بالأساس إلى ما يمكن أن يجرى خلف الكواليس، بحيث يجعل الحكم المنتظر لا معنى له، إن لم يكن خسارة غير مقبولة.

ما قد يجرى خلف الكواليس لن يخرج عن محاولة تقوم بها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية لإقناع قضاة المحكمة بإصدار رأي قوامه أن المحكمة ليست مؤهلة لإصدار رأي نهائي حول مشروعية الجدار الفاصل، أو ربما دفع بعض القضاة إلى اتخاذ موقف سلبي، قد يتطور إلى التحفظ على أي رأي قد يتوصل إليه باقي القضاة، ومن ثم يصبح الحكم الصادر غير مكتمل القوة. إذ من المعروف أن المحكمة يمكن أن تصدر أحكامها ملحقة بتحفظات القضاة الذين يختلفون مع الحكم في كلياته أو في بعض تفصيلاته.

الأكثر سوءا

هذه الحالة، أي صدور حكم ينفى أهلية المحكمة عن نظر القضية أو يشكك فيها، أو صدور حكم لا يحظى بالإجماع ويلحق به تحفظات مختلفة، سوف يمثل بلا شك المشهد الأكثر سوءا وسلبية بالنسبة للفلسطينيين ولقضيتهم العادلة بشأن عدم مشروعية الجدار الفاصل. ومن ثم سوف يعطى للطرف الآخر قوة معنوية، جنبا إلى جنب قوته السياسية المدعومة بالانحياز الأمريكي والتأييد الأوروبي غير المبرر.

ويمكن أن نضيف أن الخسارة المعنوية هنا لن تقتصر على الفلسطينيين وحسب، بل ستشمل هؤلاء الذين ينظرون إلى القانون الدولي باعتباره عاصما من الانزلاق إلى فوضى دولية عارمة، أو يعتبرونه وسيلة لحماية حقوق الضعفاء في مواجهة الأقوياء الباطشين، وأنه الآلية النموذج لتأكيد العدالة والشرعية الحقة.

نحو انتصار معنوي مدوي

على النقيض من رأي استشاري غير مكتمل الجوانب، فقد تفشل الضغوط الخلفية، ويقف القضاة الخمسة عشر جميعا مع مبادئ الإنصاف والعدالة ويعملون على تطبيق ما جاء في مبادئ القانون الدولي وما ورد في معاهدات جنيف الرابعة الخاصة بتنظيم الاحتلال وحماية حقوق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال.

وفى هذه الحالة سيكون للفلسطينيين الانتصار المعنوي المدوي، وسيكون للذين يؤمنون بأن القانون الدولي يمكن أن يكون له شأن في تنظيم العلاقات الدولية نصيب من هذا الانتصار المعنوي.

معنى الانتصار هنا له صيغة واحدة، وهو أن يصدر حكم المحكمة قاطعا بأن الجدار الإسرائيلي الفاصل لا مشروعية له، وانه ينشأ على أرض محتلة دون وجه حق، وانه يسهم في تكدير حياة مئات الآلاف من أصحاب الأرض الأصليين، ويحول بينهم وبين إقامة دولتهم المستقلة المتواصلة الأطراف، وأن على جهة الاحتلال أن تشرع فورا في وقف البناء وإزالة ما تم تشييده بالفعل.

الإفتراضات والتوازنات

المعركة إذن في غضون الشهور الثلاثة القادمة، والتي تمثل الحد الأقصى أمام صدور أي قرار من المحكمة، ستكون بين الاعتبارات والضغوط السياسية من جانب، والاعتبارات والمعايير القانونية من جانب آخر، ونتيجتها الأخيرة مرهونة بمدى نزاهة القضاة قبل أي شئ آخر، ومدى التزامهم بالقانون الدولي الذي يفترض انهم حماة له.

مع افتراض صدور حكم من المحكمة لصالح الفلسطينيين، فإن الأمر لن يكون نهاية المطاف، إذ سيظل هناك خطوات أخرى أكثر مشقة يتوجب السير فيها. فطبيعة الحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية لا تخرج عن مبدأ الرأي الاستشاري غير الملزم، وإن كانت له حجيته المعنوية. وهو رأي سيصاغ وفق اعتبارات قانونية وسيقدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والذي بدوره سيقدمه إلى الجمعية العامة صاحبة طلب النظر في مشروعية الجدار قانونا.

وعند هذه الخطوة ستكون النتيجة مرهونة بالتوازنات القائمة في الجمعية، بمعنى أن هذه التوازنات ستكون مسؤولة عن تحويل هذا الرأي الاستشاري إلى قرار من قبل الجمعية العامة. ومثل هذا القرار قد يأخذ شكل النداء الموجه إلى إسرائيل بأن تراعى حكم محكمة العدل الدولية وتتجاوب معه، وإما أن يصل إلى حد وضع مهلة معينة يتطور الأمر بعدها إلى التوصية للدول الأعضاء بتوقيع عقوبات، والطلب من مجلس الأمن أن يحول هذه العقوبات إلى ملزمة على كافة أعضاء المجتمع الدولي.

مع الأخذ في الاعتبار أن تصور أن يتبنى مجلس الأمن قرارا يدين إسرائيل ويفرض عليها عقوبات يبدو بعيد المنال، طالما كان هناك الانحياز الأمريكي، والتقاعس الأوروبي وما بينهما من حق الفيتو القاصر على القوى الخمس الكبرى، التي اعترض ثلاثة منها صراحة على قيام المحكمة الدولية بالنظر في مشروعية الجدار الفاصل الإسرائيلي.

النموذج الناميبي

وكما هو الحال في أحكام المحكمة الدولية، فإن قرارات الجمعية العامة تأخذ طابعا غير ملزم قانونا، وإن كانت الدول الأعضاء تتتعامل معها باعتبارها ملزمة، وفى هذه الحالة يكون الفلسطينيون قد قطعوا شوطا “قانونيا- سياسيا” في إدانة إسرائيل بطريقة عملية مزجت بين الشق المعنوي الكاشف لعنصريتها وازدرائها القانون الدولي والمعاهدات الدولية المختلفة، وبين دفع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة للتفكير في توقيع عقوبات عليها، وهو ما يعرف بنموذج ناميبيا، التي خضعت لعقوبات دولية إبان مرحلة الفصل العنصري واحتلال جنوب إفريقيا لها إخلال الفترة ذاتها.

وكان لهذه العقوبات الصادرة أساسا عن الجمعية العامة الفضل الكبير في تأجيج حركة المناهضة الدولية لنظم الفصل العنصري ووصولا إلى إنهائها مطلع التسعينات من القرن الماضي.

واكثر المتفائلين من الفلسطينيين ينتظرون أن يكون حكم المحكمة مقدمة للدخول بقوة إلى نموذج ناميبيا، أي حالة إدانة لإسرائيل تتلوها عقوبات جماعية تفرضها الدول على إسرائيل، حتى ولو لم يصدر بذلك قرار ملزم من مجلس الأمن الدولي.

أما المتحفظون فيرون أن الأمور قد لا تصل إلى هذا المستوى، على الأقل في هذه المرحلة المحملة بالانحياز الأمريكي غير المسبوق لكل ما هو إسرائيلي ينسف المفاوضات ويتجاهل حقوق الفلسطينيين عمدا.

وفى الإطار العملي المنتظر، فإن مرحلة انتظار صدور القرار المحكمة الدولية لا يعنى أبدا توقف التعبئة الدولية، أو الاستراحة من أشكال النضال المدني المختلفة لفضح الجدار وكشف عوراته القانونية وموبقاته الإنسانية وطبيعته العنصرية الفجة. وهي تعبئة لا تتوقف وحسب عند حدود الرأي العام على الرغم من أهميته القصوى، بل أيضا لدى المؤسسات الدولية المختلفة والحكومات بكافة مستويات تأييدها للحق الفلسطيني.

ودون ذلك فقد لا يخرج القرار المنتظر عن موقف محايد يضيف خسارة معنوية، الفلسطينيون والعرب من ورائهم، حتما هم في غنى عنها، وكفى ما هم فيه.

د. حسن أبو طالب – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية