The Swiss voice in the world since 1935

المنظمات الإنسانية تحذّر من تفاقم خطر المجاعة في غزة

غزة
ينتظر الفلسطينيون، بما في ذلك الأطفال، الذين يعانون من الجوع في طابور لتلقي الوجبات الساخنة التي توزعها المنظمات الخيرية. 2025 Anadolu

يحذر خبراء منظمة الصحة العالمية والعاملون في المجال الإنساني من تدهور خطير في الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة. ويشيرون إلى خطر وقوع كارثة إنسانية، حيث يتفشى الجوع وتنهار الخدمات الصحية. كما يرفضون المقترحات الإسرائيلية الرامية إلى تولي عمليات الإغاثة في القطاع المحاصر.

وفي حين أن هذه التحذيرات ليست جديدة، إلا أن الوضع على الأرض قد تدهور بشكل حاد في الأسابيع الأخيرة. فقد أعيد فرض حصار شامل على المواد الغذائية، والمساعدات والإمدادات الطبية بعد انهيار الهدنة المؤقتة بين حماس وإسرائيل. كما تم تقييد وصول المساعدات الإنسانية بشكل كبير منذ 2 مارس، واستؤنفت العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة بكامل قوتها منذ 17-18 مارس من هذا العام.

وقالت الدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، خلال إحاطة إعلامية أمام الصحفيين يوم الثلاثاء: ”ما زلنا نشعر بقلق عميق إزاء الوضع الكارثي في غزة، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 52 ألف حالة وفاة… حتى الآن“.

ووصفت في كلمتها المصورة نظاماً صحياً في حالة سقوط حر: “قُتل الآلاف من العاملات والعاملين الصحيين أو أصيبوا أو احتجزوا. المستشفيات التي لا تزال مفتوحة بالكاد تعمل. الناس يموتون بينما تمنع إسرائيل وصول الإمدادات الطبية المنقذة للحياة إلى القطاع المحاصر”.

وبعد تسعة أسابيع من الحصار، قالت بلخي إن السلطات الإسرائيلية تقترح الآن تفكيك نظام توزيع المساعدات الإنسانية القائم الذي تقوده الأمم المتحدة، واستبداله بنظام آخر يسيطر عليه الجيش. وأوضحت المسؤولة الأممية أن الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية لن تدعم مثل هذه الخطوة.

“لن تشارك منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة في أي مبادرة تنتهك المبادئ الإنسانية. يجب أن تصل المساعدات إلى المحتاجين أينما كانوا – ويجب أن ينتهي الحصار”. وأشارت زميلة أخرى إلى أن ذلك سيتعارض مع مبادئ عدم التحيز والحياد والاستقلالية والإنسانية التي توجه المساعدات الإنسانية.

وكان مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي المصغر قد وافق هذا الشهر على خطة لتوسيع الهجوم العسكري الإسرائيلي ضد حماس، والتي تشمل ”الاستيلاء“ على غزة والسيطرة على أراضيها، وقد طرح المسؤولون الإسرائيليون خطة جديدة لتقديم المساعدات الإنسانية عن طريق شركة أمنية أمريكية خاصة تعمل في المجال الإنساني. وقال داني دانون، سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، للصحافيين في 7 مايو: ”الدافع لهذا الاختيار هو حرمان حماس من الاستفادة من المساعدات الإنسانية“.

ووافق مجلس الوزراء الإسرائيلي يوم الأحد على ”خيار توزيع المساعدات الإنسانية، إذا ما اعتبر ذلك ضرورياً“، بشرط ألا تتمكن حماس من السيطرة على هذه الإمدادات، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست نقلاً عن مسؤول إسرائيلي. وقد أعربت وكالات متعددة تابعة للأمم المتحدة عن قلقها بشأن ما تقول إنه استخدام المساعدات كسلاح.

ويصنّف ثلاثة أرباع سكان غزة الآن على أنهم إما في مستويات ”طارئة“ أو ”كارثية“ من الحرمان الغذائي، وهما أشد تصنيفين على مقياس التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المكون من خمس درجات. وتوقعت بلخي تدهورًا سريعًا في حال عدم اتخاذ إجراءات عاجلة. وأشارت إلى أنه “لم يتم إعلان المجاعة بعد، لكن الناس يتضورون جوعاً والأمراض تنتشر بسرعة.”

وتأتي تحذيرات منظمة الصحة العالمية وسط انتقادات دولية متزايدة لاستمرار الحصار المفروض على غزة، حيث تشير وكالات الأمم المتحدة إلى وجود عقبات شديدة أمام إيصال الإغاثة الإنسانية. وقد دعت سويسرا، وهي الدولة الوديعة لاتفاقيات جنيف والدولة المضيفة لمنظمة الصحة العالمية، إلى السماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.

إلا أن برن واجهت أيضاً انتقادات لتخليها عن خططها لاستضافة مؤتمر دولي حول القانون الإنساني في الأراضي الفلسطينية، والذي كان من المقرر عقده في 7 مارس. ووفقًا لوزارة الخارجية السويسرية، فقد تم إلغاء المبادرة بسبب ”خلافات عميقة“ بين الدول جعلت هذا المسعى غير مجدٍ.

وكانت محكمة العدل الدولية قد بدأت هذا الشهر جلسات استماع في قضية الحصار الإسرائيلي المزعوم للمساعدات الإنسانية لغزة. وتتهم الأمم المتحدة والمسؤولون الفلسطينيون إسرائيل بانتهاك القانون الدولي من خلال تقييد الإمدادات الأساسية. وتصر إسرائيل على أنها لن تسمح بإيصال المساعدات قبل أن تفرج حماس عن جميع الرهائن المتبقين الذين تم احتجازهم في غزة في هجمات 7 أكتوبر 2023 التي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 1,195 إسرائيليًا.

وفي كلمة ألقاها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الأمم المتحدة في أيلول 2024، ربط رئيس الوزراء الإسرائيلي بين المساعدات الإنسانية وبقاء حماس. وقال: ”لا يزال الإرهابيون يمارسون بعض السلطة الحاكمة في غزة من خلال سرقة المواد الغذائية التي نمكّن وكالات الإغاثة من إدخالها إلى غزة.“

أخبار قاتمة من أرض الواقع

وعلى أرض الواقع، قدم ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الدكتور ريك بيبركورن، تحديثًا مرعبا من مدينة دير البلح في غزة: وقال: ”يتزايد خطر المجاعة في غزة“. ”هذا ناجم [عن] الحجب المتعمد للمساعدات الإنسانية… جميع سكان غزة متضررون بطريقة أو بأخرى.“

ووفقاً لوزارة الصحة التابعة لحركة حماس الإسلامية المسلحة، فقد توفي بالفعل 57 طفلاً بسبب آثار سوء التغذية. وقال بيبركورن: ”إذا استمر الوضع على ما هو عليه فمن المتوقع أن يصاب ما يقرب من 71 ألف طفل دون سن الخامسة بسوء التغذية الحاد“ خلال الأشهر المقبلة.

وحذر من تصاعد أزمة التغذية بين الفئات الضعيفة. فقبل الحصار، لم تكن هناك حالات سوء تغذية بين النساء الحوامل، أو المرضعات في غزة؛ فقط نقص الحديد. ولكن، إذا لم يتغير أي شيء، ”من المتوقع أن تحتاج حوالي 71,000 من الأمهات الحوامل والمرضعات إلى علاج لسوء التغذية الحاد“.

وقال بيبركورن إن الوصول إلى الرعاية الصحية أصبح ”بعيد المنال بشكل متزايد“ بالنسبة لمعظم سكان غزة. كما أن تغطية اللقاحات آخذة في الانخفاض، ويفتقر 90% من سكان غزة إلى المياه الصالحة للشرب. كل هذه العوامل تزيد من خطر الإصابة بالأمراض الخطيرة والوفاة، لا سيما بين الفئات الأكثر ضعفًا.

وقال: “يجب رفع الحصار المفروض على المساعدات. ويجب تمكين العاملين في المجال الإنساني من القيام بعملهم.“

ووصف الزيارات الميدانية الأخيرة حيث سلمت فرق منظمة الصحة العالمية مخزونًا متناقصًا من مستلزمات الإصابات البالغة ومستلزمات التغذية إلى أربعة مستشفيات في شمال غزة. وقال: ”لدينا حاليًا ما يكفي لعلاج 500 طفل فقط من سوء التغذية الحاد -وهو أقل بكثير من الحاجة الفعلية“.

وأشار إلى أن الإمدادات الطبية والغذائية تنفد بوتيرة متسارعة. وقال إن المضادات الحيوية والأنسولين ومعدات الإصابات وفلاتر غسيل الكلى والمطهرات – كل هذه الإمدادات محدودة بشكل خطير. وهناك أكثر من 31 شاحنة تنتظر وصول الإمدادات من الأريج، وأخرى في الضفة الغربية. كما أن الإمدادات الغذائية لبرنامج الأغذية العالمي وإمدادات اليونيسف على أهبة الاستعداد.

وتصر منظمة الصحة العالمية وشركاؤها في الأمم المتحدة على أن نظام تنسيق المساعدات الإنسانية مجرب وجاهز للعمل. وقال: ”هناك نظام راسخ لتنسيق المساعدات الإنسانية ثبتت فعاليته بقيادة الأمم المتحدة وشركائها“. “كنت هنا أيضًا أثناء وقف إطلاق النار وتدفقت كمية هائلة من المساعدات. وبسرعة كبيرة، كانت هناك أغذية متنوعة وإمدادات طبية”.

لقد شهد عمال الإغاثة مثل أليس سكار، وهي ممرضة نرويجية تعمل مع فريق نورواك الطبي للطوارئ، التكلفة البشرية للإمدادات المحدودة بشكل مباشر. وقالت للصحفيين متحدثة من غزة: ”في غزة، يتم إعادة تدوير كل شيء“. وأشارت إلى أن الممرضات يحتفظن حتى بأغلفة العبوات لاستخدامها كحطب عندما يعدن إلى خيامهن.

وأضافت أن الموظفات والموظفين منهكون ومكتئبون وخائفون على عائلاتهم. ولكن على الرغم من الدمار، أشارت سكار إلى أن التزام العاملين الصحيين في غزة لم يتزعزع. ”وقالت: “إنهم يصلون أكثر. “يبدو أن الدين هو أملهم الأخير. ولكن حتى الآن، ووسط الكثير من الألم، يواصلون رعاية المرضى بتفانٍ هائل”.

وقُتل ما لا يقل عن 284 من العاملين في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) منذ بدء العمليات الإسرائيلية في غزة. وصوّت البرلمان الإسرائيلي الخريف الماضي على تصنيف الوكالة كمنظمة إرهابية، ويعتبر المسؤولون الإسرائيليون أن الأمم المتحدة تتجاهل عادةً المخاوف الأمنية الإسرائيلية.

تحرير: فيرجيني مانجان

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

مراجعة: مي المهدي

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية